على الرغم من حالة الهدوء التى تسود محطات البنزين والسولار حاليا، لكنه قد يكون الهدوء الذى يسبق العاصفة؛ فما زالت أسباب تلك الأزمة قائمة؛ سواء من حيث تهريب الوقود، أو ضعف الرقابة على المستودعات ومحطات البنزين، وهناك سبب آخر وهو وجود طاقات عاطلة فى قطاع البترول تحد من قدرة الشركات على توفير احتياجات السوق الفعلية بشكل مستمر. بعض الخبراء قدر حجم الطاقات المعطلة بنحو 50%، ونواب فى البرلمان يؤكدون أن مجلس الشعب كان على وشك بحث تلك المشكلة لولا قرار المحكمة الدستورية بحله، غير أن وكيل وزارة البترول يؤكد أنه لا توجد طاقات معطلة فى القطاع وإنما هى طاقات احتياطية. 9 ملايين طن معطلة بداية، يقول د. إبراهيم زهران -الخبير فى مجال البترول-: إن الطاقات المعطلة فى قطاع البترول تنحصر فى معامل ومصانع التكرير؛ حيث إن هناك 9 ملايين طن من طاقة التكرير متعطلة، وكانت الطاقة الإجمالية للتكرير تصل إلى 35 مليون طن، لكن الموجود حاليا 26 مليون طن فقط. ويضيف أن قطاع البترول يعانى من إهمال شديد بسبب سياسة الوزارة منذ عشرات السنين، مما أدى إلى تعطل العمل وتوقف الإنتاج، وأثر على وجود الوقود من بنزين وسولار وغيرهما فى السوق المصرية، وهو ما ترتب عليه توقف محطات الكهرباء والرى والمخابز ومحطات الوقود، كما كان لهذا الإهمال أثره على بعض المصانع. وأضاف أنه حتى تعمل المصانع بكامل طاقتها يجب أن يكون هناك إنتاج محلى عن طريق الاستكشاف أو يتم استيراد البترول خاما ويتم تكريره داخل مصر، ولكن هذا لا يحدث، فالوزارة تقوم كل عام بالمطالبة بزيادة الدعم بدعوى زيادة الإنتاج والعمل، وعدم توقف المصانع وتعطيلها، لكن المطالبة بالدعم ما هى إلا "خدعة" تقوم بها الوزارة سنويا وتقوم بصرفها على المستشارين والشركات الوهمية. ويؤكد خبير البترول أنه لكى تعود كل قطاعات البترول ومصانع التكرير للعمل لا بد من محاسبة كل المخطئين، وأن يكون هناك شفافية، لأن أغلب العاملين فى هذا المجال مستثمرون أجانب أو مصريون. أما د. محمد جودة -عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة- فيرى أن هناك قطاعات كثيرة معطلة فى مصر، على رأسها قطاع البترول والذى يتسبب فى تعطيل قطاعات أخرى مثل قطاع الكهرباء؛ حيث إن أكبر محطة لتوليد الكهرباء فى مصر "محطة الكريمات" متعطلة ومتوقفة عن العمل، إضافة إلى تعطل جزئى فى محطات توليد كهرباء أخرى، وذلك بسبب توقف وتعطل بعض القطاعات فى البترول وعدم إنتاج كم كافٍ من الوقود مثل "المازوت" الذى تعمل به محطات توليد الكهرباء. ويقول ناجى الشهابى -عضو لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى-: إن الوزارة هى سبب تعطيل الطاقات فى خطوط الإنتاج بسبب السياسات "المقلوبة" التى تتخذها، والتى تقوم على الاعتماد على استغلال الشركات الأجنبية للتنقيب والبحث عن البترول، وذلك على حساب الطاقات المحلية، علما بأن قطاع البترول فى مصر به كفاءات محلية، منها خبراء عالميون ومتخصصون، لكن السياسة العامة للوزارة والنظام السابق كانت تعمل على تهميش الكفاءات واللجوء للمناقصات مع شركات أجنبية وعالمية لتصنيع البترول. وتابع قائلا: إن هذه الشركات تعمل على القضاء على أموال الدولة من خلال الدعم الذى تطلبه الوزارة ويزيد سنويا، فهى شركات تحصل على قروض من البنوك المحلية للبحث والتنقيب داخل مصر، ومن ثم يتم القضاء على 50% من حجم البترول بسبب عدم البحث الكافى والجيد. وشدد الشهابى على ضرورة الاستعانة بالعمالة والخبرات المحلية المصرية والبعد عن الشركات الأجنبية إلا فى الحالات الضرورية، لأن أبناء الوطن هم الأولى والأكثر حرصا على ثروات بلادهم، ولافتا النظر إلى أن أغلب الشركات الخدمية فى مصر معطلة وغير مستغلة وليس فقط فى قطاع البترول، وأن هناك الكثير من الشركات البترولية تعتمد على نصف طاقتها من العمالة، وبحاجة لعمالة ولكنها معطلة، مثل شركة "بتروتريد وبتروجاس". ويشير عضو لجنة الصناعة والطاقة إلى أن تعطيل الطاقات والعمالة المحلية يؤثر بالسلب على إنتاج السولار والبنزين والوقود بصفة عامة بنسبة تفوق ال50%، مما يؤثر على الأوضاع. التهريب سر الأزمة! ونفى المهندس محمد جابر -عضو لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى- أن يكون هناك طاقات معطلة فى قطاع البترول، مؤكدا أن معدل ضخ الوزارة للوقود يصل إلى 102% موزعة ما بين 90% إنتاج محلى، و12% استيراد من الخارج، وقال: إن الإنتاج يكفى الاستهلاك المحلى ويفيض، ولا يوجد هناك أى طاقات غير مستغلة فى القطاع. ويضيف أن السبب وراء الأزمة ونقص الوقود هو انتشار مافيا التهريب للخارج، والسوق السوداء، ويعود ذلك لعدم وجود الرقابة الكافية من مباحث التموين وعدم القيام بالدور المنوط بها، إضافة للانفلات الأمنى الذى تشهده البلاد والذى يجعل الأمر سهلا لدى المهربين للمواد البترولية سواء على الحدود بين الدول المجاورة، أو تهريبها وبيعها داخل البلاد فى السوق السوداء بضعف الثمن. ويشير جابر إلى أن هناك فسادا داخل بعض شركات البترول بشكل متعمد، بحيث يتم تقسيم خزان السيارة إلى جزأين؛ جزء للمحطة وجزء آخر للسوق السوداء، بحيث عندما يتم التفريغ فى المحطة، يتم التفريغ كاملا من الجزء المخصص لمحطة، ولا يستطيع صاحب المحطة إدارك هذه الخدعة، ويتم بيع ما يوجد فى الجزء الآخر فى السوق السوداء بضعف الثمن. أما محمود نظيم -وكيل أول وزارة البترول- فلا يوافق على تعبير "طاقات معطلة"، قائلا: إنها طاقات احتياطية وليست معطلة، ويتم استغلالها وقت الحاجة لها، وفى بعض الأحيان يكون سبب تعطيلها اقتصاديا بمعنى أنها استغلت وأخفقت ولم تحقق ربحا جيدا لذلك أصبحت طاقات احتياطية، ويتم تأجيل عملها حتى تتحسن الأمور الاقتصادية فى السوق. مصانع لا تنتج ويقول م. السيد نجيدة -رئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب- إن هناك بعض المصانع والمعدات لا تنتج، مثل معامل ومصانع التكرير التى يجب أن تنتج نسبة معينة لكنها لا تنتجها كاملة. ويضيف: قمنا فى لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب بمناقشة هذا الأمر ومساءلة الوزارة فيه، لكن للأسف تم وقف مجلس الشعب بعد حكم الدستورية ولم نتمكن من متابعة الملف كاملا مع الوزارة ومعرفة عدد القطاعات المعطلة فى الوزارة وأسبابها. ويتابع قائلا: إن أحد أسباب توقف استغلال الطاقات والكفاءات فى القطاع هو الشريك الأجنبى، والذى يقوم باستخراج المنتج، والذى يتم تقسيم المنتج مناصفة بين الشريك المصرى والشريك الأجنبى، ويتم إرسال الجزء الخاص بالشريك المصرى لمعامل التكرير، بينما يقوم الشريك الأجنبى بإرسال الجزء الخاص به للخارج لتكريره، مما يعطل بعض المصانع والمعامل عن العمل لعدم وجود منتج لتكريره.