في ظل ما نعيشه الآن من انفلات امني ، اصبح ملحاً ان يفكر الجميع في ضرورة اعادة هيكلة اجهزة الامن من اجل اعادة الوئام بين الشرطة والشعب و من ثم اعادة الامن والاستقرار للشارع . " الاهالي " ناقشت القضية مع عدد من الحقوقيين والخبراء الذين طرحوا عدة افكار نعرضها بالتفصيل في السطور التالية. تناول ناصر امين مدير المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة عدة محاور لتطهير جهاز الشرطة، المحور الاول هو : اعادة صياغة استراتيجية لجهاز الشرطة مرة اخري وما يستوجب ذلك من اجراء لتعديل قانون الشرطة ذاته بما يؤدي الي تعريف جديد لاداء الشرطة ومهامها ومراجعة التعريفات الموجودة في القانون الحالي، وكذلك وضع اطر لمراقبة الالتزام بهذه التوجهات و المعايير الجديدة . المتعلقة ببناء القدرات لضباط الشرطة وهذا يجب ان يتم عن طريق ثلاثة محاور، المحور الاول هو كيفية تطوير مناهج التعليم الذاتية الخاصة بالعلوم الشرطية داخل كليات الشرطة ثم بعد ذلك يتم تطهير جهاز الشرطة من الداخل في المنطقة الوسيطة منه خاصة الذين اشتركوا في ارتكاب جرائم في النظام السابق، وهذا يمكن العودة اليه عن طريق ملفات شئون الضباط ثم بعد ذلك يتم التخلص من القيادات الكبيرة وتطهير المستوي الثاني وندفع بروح جديدة داخل القيادات العليا في هذه الوزارة بعد ذلك هناك محور آخر نستطيع تسميته الرقابة الديمقراطية لاداء الشرطة وهي تعني امرين اساسيين: الاول تفعيل المواد الخاصة برقابة السلطات القضائية علي السجون واماكن الاحتجاز والثاني هو تفعيل دور منظمات المجتمع المدني وعلي رأسها المجلس القومي لحقوق الانسان حتي تتولي هذه المنظمات مهامها في عمل آليات رقابة ومستمرة ودائمة لمراقبة اداء الشرطة في المرحلة القادمة . تناقض يري بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ان اعادة هيكلة جهاز الشرطة كان يجب ان تتم قبل الثورة كاستجابة لشكاوي المواطنين علي ان تكون في اطار فني بمعني اصلاح فعلي في تقنية العمل نفسه فجهاز الشرطة علي راس الاجهزة التي استهدفتها الثورة للقضاء علي ما يسمي الدولة البوليسية ! وما تم من محاولات للاصلاح بعد الثورة لا تتعدي الاجراءات الادارية فمثلا جهاز امن الدولة كل ما تم حياله مجرد تغيير المسمي الي "جهاز الامن الوطني" لم يكن الهدف هو تغيير مسميات الاجهزة ولكن تطهيرها .فلو كان حدث اعادة هيكلة قبل الثورة فلم يكن هناك من يطالب بحل امن الدولة وكنا سنتحدث فقط عن وقف التجسس والتعذيب.فالمفترض ان الشرطة هيئة وطنية تقدم خدمة للمواطنين وليس من مهامها التجسس علي المواطن العادي، فلا يجوزالجمع بين هاتين الوظيفتين فهذا التناقض بين التجسس وتقديم الخدمة لن يؤدي الي التقدم خطوة واحدة .كما ان الشرطة اقحمت نفسها في عشرات الوظائف غير ذات صلة بها مثل الحج والعمرة وتخصيص مكاتب امن داخل كل هيئة ووزارة او مؤسسة وهذا يعد تجسسا. امن الدولة كما يجب علي صعيد آخر تقليص حجم ودور الامن المركزي واحالته الي قوات الشرطة لمعاونتها فهذا الجهاز انشيء عام 1967 لمهمة قمعية بحتة بعد ما عرف الشعب طريقه للتظاهرات عام 54 ثم في عام 68 وقت تظاهر العمال والطلبة، تنامي هذا القطاع الذي لم يكن له دور فعلي ثم تحول لجهاز ضخم متضخم في عهد السادات وازدادت ضخامته في عهد مبارك فوجوده مرتبط ارتباطا شرطيا بالنظر للشعب علي انه عدو يجب قمعه. اعتذار واولي خطوات الاصلاح هو تقديم اعتذار فعلي للشعب بمحتوي عملي جاد وليس مجرد كلمات جوفاء ويقدم للشعب قراءة تفصيلية لمضمون الاعتذار عن بعض الممارسات التي حدثت، ومن السبب في حدوثها والضغوط التي تعرض لها من قام بها في سياق شامل يؤكد فعلا ادراك الممارسات البشعة التي تمت ووعد بعدم تكرارها .فالبعض يري في الاعتذار اذلالا وانكسارا وحطا من كرامة الشرطة، وهذا غير صحيح بالمرة فهناك فرق كبير بين الاذلال و ادراك الخطا وفصل الحاضرعن ماض مؤسف فلابد من التوضيح قبل ان نبدا بداية جديدة . وعلي صعيد آخر يجب اعادة الاعتبار لعدد من رجال الشرطة الذين ضحوا بحياتهم فلا يجب ان نعاملهم جميعا علي انهم مجرمون، فهناك من لقي حتفه في اطار اعتداءات وقعت اثناء حمايته للمنشآت العامة وهذا عمل وطني . عسكري الدرك كما يصوغ حافظ ابو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان احد المقترحات التي تحقق تواجدا فعليا للشرطة في الشارع، فمثلا لو طبقنا النموذج القديم لعسكري الدرك ولكن بشكل عصري، فمثلا نعمل وحدات امنية متحركة تمر علي المناطق والاحياء بحيث يتم تقسيم المناطق لمربعات سكنية وكل مربع سكني توجد به دورية او اكثر باستمرار وتكون مسلحة بشكل مناسب و متصلة ببعضها بشبكة لاسلكي، وبالتالي هذا يحقق حماية في قلب الشارع نفسه وحماية للوحدة ذاتها في حالة تعرضها للخطر تستطيع طلب دعم الوحدات الاخري، وبالتالي تستطيع السيطرة علي اي هجوم تتعرض له بالاضافة لحماية الاقسام عند حدوث هجوم عليها بمحاصرة المعتدين من الخارج مما يحد من مسالة الهجوم علي الاقسام، وهذا يحل اكثر من معضلة اهمها توفير الامان في الشارع والقضاء علي البلطجية وفوضي السلاح، وهذا يعني زيادة سيارات الدوريات الامنية علي نطاق اوسع مما هو عليه الآن، وزيادة افراد الامن بها فبدلا من عسكري واحد تتكون الدورية من ضابط ومعه اربعة عساكر . وعن كيفية رقابة اداء هذه الدوريات وقيامها بمهامها يدعو ابو سعدة الي ضرورة وجود شبكة تربط بين هذه الدوريات بعضها ببعض وبادارتها ، ومنها تم معرفة اماكن وجود تلك الدوريات تحديدا ، فعند وجود استغاثة من منطقة معينة بوجود بلطجي او وقوع جريمة ما يستطيع متلقي البلاغ من خلال الشاشة التي امامه تحديد موقع اقرب سيارة قريبة من مكان البلاغ فيحيله لها وهذا النظام يطبق منذ عشرات السنين في اوربا وامريكا عن طريق الG P S وهناك نظام آخر مثله يعمل بشريحة التليفون . وفيما يتعلق بقوات الامن المركزي يقول سعدة نحن في حاجة لها للقيام ببعض الاعمال مثل حراسة المنشآت العامة والتصدي لعمليات التخريب وحماية التجمعات البشرية في التظاهر السلمي والاعتصام اي اعتداءات ، وفي هذه الاحوال تحتاج من 300 الي 400 الف فرد فقط لجميع الجمهورية .وليس كما يتردد ان عددهم يتجاوز المليون فرد عكس ما صرح به منصور العيسوي بانهم 119 الفا فقط علي ان يتم عملهم بالتعاقد معهم لمدة خمس سنوات وليس بالتجنيد فلابد ان يكونوا حاصلين ولو علي قدر بسيط من التعليم . وتضيف المستشارة سامية المتيم نائب رئيس هيئة النيابة الادارية عضو المجلس القومي لحقوق الانسان سابقا .نحن ندرك اهمية جهاز الشرطة في هذه الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير وندرك فقدان الثقة بين الشعب والشرطة ولكي نعيدها مرة اخري لابد من عمل دورات تدريبية لرجال الشرطة تعيد لهم الثقة وتمكنهم من القيام بعملهم علي الوجه الاكمل دون احتزازات بينهم وبين الشعب و تحفظ لهم كرامتهم واعتزازهم بنفسهم، فرجل الشرطة فرد من الشعب وجزء من المجتمع . واذا كان هناك قيادات كبيرة في جهاز الشرطة مازالت تعمل وفق النظام السابق واعطت اوامر تخدم اتجاهات معينة ضد مصلحة المواطنين ومرفوضة للشعب والثورة فلابد ان تقال فورا لتطهير الجهاز منهم حفاظا علي الثورة واكراما لدماء الشباب التي سفكت وسالت في ميدان التحرير والدفع بالخريجين الجدد سواء من كليات الشرطة او كليات الحقوق بعد تاهيلهم لمدة ستة اشهر بعدها يمكن الاعتماد عليهم بشكل اساسي والاستعانة بهم في السيطرة علي المواقف التي تحدث، ولابد من تسليح الشرطة علي ان يستخدم هذا السلاح في مواجهة اعتداءات البلطجية و مطاردة المجرمين والعصابات للحفاظ علي امن الدولة .ويجب ايضا توعية الشعب باهمية دور جهاز الشرطة فهناك حالات تعد من بعض افراد الشعب علي الشرطة دون وجه حق اثناء تادية مهامهم . لذا يجب ان يكون الاحترام متبادلا بين الشعب و الشرطة وهذا دور الاعلام في عمل حملات توعية و ارشاد من خلال البرامج والدراما للطرفين فكثير من افراد الشرطة استشهدوا اثناء تادية واجبهم. قضية سياسية ويؤكد فؤاد علام الخبير الامني ووكيل جهاز مباحث امن الدولة السابق فيما يتعلق باعداد قوات الشرطة وخاصة قوات الامن المركزي ان الاعلام قد بالغ في تقدير عدد هذه القوات، ويري ان قوات الامن المركزي لاتتعدي 119 الف مجند كما اكد منصور العيسوي، وما يحدث ليست مشكلة امنية بقدر ما هي مشكلة سياسية اقتصادية اجتماعية فلابد من مسيرة ديمقراطية شاملة " والا حنروح في داهية " فلا توجد عصا سحرية تحقق الامن في غياب الديمقراطية فما الذي يستطيع الامن ان يحققه وسط هذا الفوضي وتبادل الاتهامات علي جميع المستويات .المشكلة الحقيقية اننا لا نعلم الطريق للديمقراطية كيف يكون؟ وعن تفوق تسليح الشرطة ومقارنته بتسليح الجيش فيؤكد انه تسليح عادي جدا فهناك سيارات مكافحة الشغب الموجودة لدي الامن المركزي ففي حالة وجود شغب لا يمكن التصدي له إلا بسيارات مصفحة واساءة استغلال تلك السيارات فهذا شيء آخر . شاهد من اهلها يقول محمود القطري عميد شرطة سابق ومؤلف الكتاب الذي منع نشره " اعترافات ضابط شرطة في مدينة الذئاب " يقول : ان الشرطة تحتاج الي هيكلة شاملة علي مدي استراتيجي بدءا من اعداد طالب كلية الشرطة والمعاهد الشرطية وصولا الي قواعد التنقلات والمحاسبة والعقاب الاداري وتقلد الوظائف الرئيسية وفوضي المرتبات ويدخلها جزء تكتيكي يضمن عودة الشرطة علي وجه السرعة للعمل بجدية في المجتمع ، فلابد ان يامر وزير الداخلية بنزول قوات الشرطة للشوارع من اجل حمايتها لان اول واجبات الشرطة هو منع الجريمة قبل وقوعها . ويجب حل الامن المركزي ويلحق بالامن العام بحيث تنشا حدائق خلفية في كل قسم بها وحدة امن عام مكونة من مائة او مائتين عسكري وفقا للحالة الامنية للقسم او المركز وبذلك نغطي كل الاماكن التي تستلزم الحماية. كما يجب وضع كاميرات تليفزيونية لمراقبة العمل الشرطي في كل الامكنة الشرطية وخاصة ضباط المباحث وتكون عهدة موجودة في القسم بحيث يحق للنيابة ان تطلب هذه الشرائط كمستند رسمي عند التحقيق في اي بلاغ . كما يقترح اعتماد اسلوب الرقابة الشعبية علي الشرطة من الاجهزة المنتخبة لان وزارة الداخلية هي الجهة الحكومية الوحيدة التي لا تخضع لاي رقابة حقيقية . ويضيف: يجب ان نستصدر قانونا ينص علي ان يصطحب المواطن عند طلبه للتحقيق محاميه او احد ذويه في حالة عدم مقدرته علي توكيل محام، كما يجب في المقابل حماية فرد او ضابط الشرطة اثناء تادية عمله علي ان ينص هذا القانون علي وسيلة الاثبات بمعني يصطحب الضابط معه كاميرا في اثناء عمله باي وسيلة حتي اذا استدعي الامر اطلاقه النار لا يصبح متهما مع تفعيل قوانين اطلاق النار في حالات البلطجة التي زادت .كما نحتاج الي تغيير الفكر الشرطي والعقيدة الامنية لان به شوائب كثيرة. كما ان العقيدة الامنية الموجودة هي عقيدة منحرفة فمثلا ضابط المرور ينزل من اجل تحرير المخالفات وضابط المباحث لعمل قضايا ونسوا ان الاصل حماية الناس وحراستهم فالاصل عندي هو التامين والمخالفة هي الاستثناء فانقلب الامر واصبح الاستثناء هو الاصل والاصل هو الاستثناء. ويشير الي فوضي المرتبات فيجب السيطرة علي هذه الفوضي غير المسبوقة في العالم كله .يجب ان تتخلص وزارة الداخلية من عدة ادارات مثل ادارة الانتخابات والاحوال المدنية والجوازات كل هذا لابد من الغائه والحاقه بجهات اخري بالاضافة لالغاء الشرطة المتخصصة، ويعود الامن لعموميته، فالعسكري يحرس البنك مثل الصيدلية واذا آراد البنك حراسة اضافية "خدمة باجر " بل يستاجر «امن مدرب» لديه ترخيص سلاح ويعطيهم القانون حق الضبطية القضائية . ويؤكد قطري ان الهيكلة ليست موضوعا بسيطا ولكن يمكن تنفيذها بشكل مرحلي متسق.