لا يختلف مصريان على أن الأمن القومي المصري منتهك وبشدة في عهد الدكتاتور عبدالفتاح السيسي؛ ويكفي للتدليل على ذلك خمسة أدلة: الأول، هو التهديد الإثيوبي ببناء سد النهضة وحجز مياه النيل من أجل تحويلها إلى سلعة تبتز بها دولتي المصب مصر والسودان. الثاني، هو الفشل الذريع في إدارة الاقتصاد القومي، وإهدار تريليونات الجنيهات على مشروعات عبثية غير منتجة وليست لها الأولوية، ما تسبب في انهيار قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات وترتب على ذلك زيادة معدلات الجوع والفقر وموجهات لا تتوقف من الغلاء الفاحش الذي طال جميع السلع والخدمات. الثالث، هو عدم الاستقرار السياسي؛ فاغتصاب السلطة بانقلاب عسكري ثم اغتيال الرئيس المنتخب لاحقا وقتل الآلاف من أنصاره، والزج بهم في السجون ظلما وعدوانا هو تمزيق للنسيج الوطني، ثم تكريس نسخة من الحكم العسكري أشد ظلما وطغيانا من النسخ السابقة في عهود عبدالناصر والسادات ومبارك دون اعتبار للشعب والمجتمع، هو تهديد أكبر من كل التهديدات الأخرى على الإطلاق حتى لو ادعى النظام كذبا غير ذلك بأنه أنقذ البلاد وحافظ على وحدتها. الرابع، هو التنازل بغير حق عن سيادة مصر على جزء من أرضها "جزيرتي تيران وصنافير"، وهو ما يحول مضيق تيران من مضيق مصري خالص إلى مضيق دولي؛ وهو ما يحقق للكيان الصهيوني مكسبا لم يكن يتخيله من قبل، ويمكنه من المرور الآمن وفق القانون الدولي من المضيق دون إذن من القاهرة، وكثير من الجنرالات والخبراء الإستراتيجيين يدركون جيدا خطورة هذا الاتفاق على الأمن القومي المصري. الخامس، هو إغراق مصر بديون هائلة لا تقدر على سدادها إلى بعد عشرات السنين؛ والأشد خطورة أن النظام بنى اقتصادها وفق تصميم يجعل من مصر على الدوام تحتاج إلى غيرها ولا تستطيع الاستغناء على الأجانب؛ فمصر اليوم لا تستطيع أن تسير شئونها إلا بالقروض والضرائب الباهظة حتى ارتفعت ديون مصر بنحو 400% خلال سنوات السيسي المشئومة من 43 مليار دولار إلى نحو 200 مليار دولار، ومن 1.3 تريليون جنيه إلى أكثر من "6" تريليونات جنيه كديون محلية)، بمعنى أن السيسي وحده اقترض أربعة أضعاف كل ما اقترضه حكام مصر على مدار مائة سنة!
عجز وسفاهة حيال هذه المشاكل الضخمة؛ يقف نظام السيسي حائرا بين عجزه المفرط وسفاهته المستفزة؛ فعلى المستوى السياسي يدافع النظام عن سياساته ويصر عليها رغم المآلات الكارثية التي وصلت إليها البلاد. يدافع عن طغيانه بأنه يحارب الإرهاب، ويدافع عن خيانته والتفريط في سيادة مصر على جزء منها بأنها هذه القطعة لم جزءا من أرض مصر رغم الحكم الباب والقطعي من المحكمة الإدارية العليا التي قضت بمصرية الجزيرتين بناء على ما وصل إليها من وثائق ومستندات، فضرب النظام بهذا الحكم عرض الحائط وقهر الناس على رأيه بالبطش والإرهاب. فكيف ينهض وطن وبه كل هذه الظلم والطغيان؟ وكيف ينهض وطن ونظامه يقوم على البطش والكذب والبهتان وملاحقة النبلاء من المصريين؟! وعلى المستوى الاقتصادي، بات المصريون جميعا باستثناء قلة تعد بمئات الآلاف من بين 104 ملايين مصري على يقين كامل بأن السيسي خرب مصر و دمر حاضرها ومستقبلها على حد سواء؛ وأن ما دمره السيسي وتسبب فيه قد يحتاج إلى عشرات السنين لعلاجه والتخلص من آثاره. ويكفي أن النظام لم يضع في حسبانه يوما أن يحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء؛ فمصر اليوم تتسول طعامها وباتت مهددة بمجاعة ليس لها من دون الله كاشفة إلا أن يتغمدنا الله برحمته كما تغمد جدودنا قبل آلاف السنين فأرسل إليها يوسف عليه السلام لينقذهم من الجوع والعطش.
صفقات السلاح! في ظل هذه الأوضاع المنهارة يتجه السيسي إلى عقد المزيد من صفقات السلاح بدلا من توفير الطعام لملايين الجوعى والفقراء والمساكين، وجاءت مصر في الترتيب السادس عالميا والثالث عربيا في واردات السلاح، حسبما ذكر تقرير "الاتجاهات الدولية لعمليات نقل الأسلحة 2022" الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"(SIPRI). واستحوذت مصر على 4.5% من إجمالي واردات السلاح العالمية في الفترة ما بين 2018 و2022، ولا يسبق مصر غير 5 دول، هي الصينوالهند والسعودية وأستراليا وقطر من بين 167 دولة، صنفها التقرير على أنها مستوردة للأسلحة الرئيسية في الفترة ما بين 2018 و2022، وضمت الدول الخمس الأعلى لواردات الأسلحة، الهند والسعودية. وشكلت أسلحة الولاياتالمتحدة 54% من واردات الشرق الأوسط، وساعدت مشتريات مصر من الأسلحة من بعض الدول في جعلها أكثر الدول تصديرا للسلاح في المنطقة، خاصة من فرنسا التي استحوذت على (12%)، ثم روسيا (8.6%)، وإيطاليا (8.4%). بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، احتلت مصر المرتبة الأولى في واردات السلاح من روسيا بنسبة 34% من واردات الأسلحة، والمرتبة الثانية في واردات السلاح من إيطاليا بنسبة 19%، والمرتبة الثالثة من فرنسا بنسبة 19% تقريبا. واشترت مصر 24 طائرة رافال فبراير 2015، و4 طائرات "إف 16″ الأمريكية أكتوبر 2015، وحاملتي مروحيات من طراز الميسترال في 2016، و"ميج 29". ورغم كل هذه الصفقات الضخمة من السلاح تراجع ترتيب الجيش المصري عالميا عما كان عليه في 2013م؛ ووفقا لتصنيف موقع "جلوبال فاير باور" لأقوى جيوش العالم في يناير 2023م، فقد تصدر الجيش المصري المرتبة الأولى في ترتيب أقوى الجيوش العربية والأفريقية وبالمرتبة 14 عالميا، تلاه السعودي ثانيا وبالمرتبة 22 عالميا. بينما كانت ترتيب الجيش المصري قبل الانقلاب يدور بين التاسع والعاشر والحادي عشر عالميا. وفي ديسمبر 22، أكد الباحث في الشأن المصري ثيموثي كالداس أن صفقات السلاح الضخمة التي أبرمها النظام المصري على مدار السنوات القليلة الماضية، أغرقت مصر بالديون، وأوجدت الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالقطاعات المختلفة في مصر. وأضاف في سلسلة تغريدات، إن صفقات السلاح هذه تسببت في أزمة الديون، ودفعت الدولة إلى حالة من الإعسار بسبب استغلال الموارد في مصر في إثراء النخب المتحكمة بالنظام وإمعانها في تمويل شبكة وكلائها ومناصريها المتنامية ضمن سعيها لإحكام قبضتها على السلطة بعد انقلاب عام 2013. وهي الآن تنفق على خدمة الديون وسدادها أكثر بكثير من الإيرادات التي تحصلها. ويرى أن التوسع المندفع في توسيع ممتلكات النظام من المؤسسات والشركات لم ينل فقط من الحالة الصحية لأموال الدولة، وإنما أيضاً قوض النمو من خلال تطفيش الاستثمارات الخاصة. وذلك أن الامتيازات القانونية وغير القانونية التي تتمتع بها المؤسسات المملوكة للجيش تجعل من المنافسة معها أمراً بالغ الصعوبة. وذكر كالداس أن النخب التابعة للنظام استخدمت ما وضعت يدها عليه من أموال من أجل تمويل ما لا ضرورة له اتباعاً للنزوات ورغبة في التباهي بالمشاريع الضخمة، بما في ذلك العاصمة الجديدة والقصور الرئاسية. وينتهي كالداس إلى أن المصريين، "سيظلون، يعاقبون بدون وجه حق بسبب تواطؤ زعمائهم مع القوى العالمية التي قامت مجتمعة وبشكل أرعن بإغراق الدولة المصرية في الديون بدون أن يعود ذلك بأي فوائد اقتصادية على عامة الناس. والآن، لم تعد مصر قادرة على الاقتراض لإنقاذ نفسها، وسوف تستمر معاناة المصريين". ويضيف أن النظام دفع الدولة نحو اقتراض مبالغ ضخمة من أجل شراء السلاح، موضحا أن أربعين بالمائة من صادرات السلاح الألماني في العام الماضي (2021) توجهت إلى مصر. كما طلبت مصر كميات كبيرة من الأسلحة من فرنسا ما بين عام 2012 وعام 2021، بما قيمته 12.3 مليار يورو، حتى أن مشتريات مصر من الأسلحة الفرنسية وحدها تعادل تقريباً مجمل مشترياتها من الاتحاد الأوروبي بأسره. ووردت تقارير تفيد بأن إيطاليا توشك أن تبرم صفقة أسلحة بقيمة 3 مليارات دولار مع مصر، وأنها كانت قبل ذلك تناقش معها إبرام صفقة بقيمة تتراوح من 9 إلى 11 مليار دولار. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة أوقفت هذا العام مساعدة عسكرية إلى مصر بقيمة 200 مليون دولار بسبب قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، إلا أنها أقرت في نفس الوقت بيعها سلاحاً بما قيمته 2.5 مليار دولار. وكما أورد موقع @sipriorg فقد كانت مصر باستمرار ثالث أكبر مستورد للسلاح في المعمورة بينما تعاني خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية من قصور في الإنفاق عليها.