إعلان شركة «النساجون الشرقيون» في نهاية ديسمبر الماضي (2022) عن بيع السيدتين: ياسمين وفريدة نجلتي مؤسس الشركة رجل الأعمال الراحل محمد فريد خميس، بيع كامل حصتهما في الشركة لصالح صندوق FYK Limited مقابل 1.4 مليار جنيه، كشف عن حجم المخاوف التي تواجه المستثمرين المصريين تحت حكم نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي اغتصب السلطة بانقلاب عسكري في يوليو 2013م. والصندوق FYK Limited هو كيان إنكليزي تم تأسيسه قبل الصفقة بأسابيع، ويعمل في أربعة أنشطة مختلفة، لا تشمل السجاد، وهو مملوك للثنائي فريدة وياسمين محمد فريد خميس. وأكد بيان البورصة المصرية أن عملية إعادة الهيكلة لن تؤدي إلى أي تعديل في هيكل ملكية شركة "النساجون الشرقيون"، وأنه لن يكون هناك تغيير في المستفيد النهائي، وبالتالي المجموعات المرتبطة بهذه الشركة، ونسب ملكيتها. معنى ذلك أن الصفقة على الورق فقط، من أجل إعادة ترتيب الشكل القانوني للشركة لتتحول من شركة مصرية مملوكة لمستثمر مصري إلى شركة أجنبية مملوكة لمستثمر مصري. فأصحاب الشركة لم يقوما بهذه التغييرات عبثا بل من أجل تحقيق هدفين: * الأول، الحصول على الامتيازات التي يوفرها قانون الاستثمار الجديد للشركات الأجنبية ولا تحظى بذات الامتيازات الشركات المصرية ورجال الأعمال المصريين. وأبرز هذه الامتيازات تحويل أرباح الأختين للدولار، مع الاحتفاظ بها خارج البلاد، وهو ما ينطبق أيضاً على حصيلة البيع، إن رغبتا في بيع حصتيهما بالشركة مستقبلاً. * الثاني هو الحصول على ضمانات أقوى لحماية أموالهما من المافيا الحاكمة خصوصا بعد الذي جرى مع شركات الإخوان في 2014م، وكذلك ما جرى مع صاحب شركة جهينة صفوان ثابت ونجله واعتقاله ظلما وابتزازه والضغط عليه من أجل التنازل عن الشركة لحساب جهات تسمى نفسها "سيادية". فنقل الشركة (النساجون الشرقيون) إلى شركة أجنبية يضمن لها حماية قانونية أعلى من الشركات المصرية ويجعل من حق أصحابها اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة وقع خلاف مع عصابة الحكم الموجودة والتي تستهدف تهميش دور القطاع الخاص وتكويش الجيش على جميع مفاصل الاقتصاد المصري وتكوين إمبراطورية عسكرية اقتصادية مترامية الأطراف على حساب مصر نفسها وشعبها الذي يعاني من الفقر والجوع. بدعة شركات «الأوف شور» أمام عمليات السطو التي يمارسها السيسي على شركات رجال الأعمال كما جرى مع شركات الإخوان ثم جهينة ثم التوحيد والنور وغيرها من الشركات، بات المستثمرون المصريون لا يشعرون بأي أمان؛ لذلك حرصوا على اختراع الحيل لضمان حماية أموالهم من أطماع المافيا الحاكمة؛ فلجأ بعضهم إلى إقامة شركات أجنبية في الخارج وبيع شركاتهم في الداخل لهذه الشركات حتى يضمنوا حماية أكبر لأصولهم وشركاتهم وضمان الاحتكام إلى المحاكم الدولية حال قررت العصابة السطو على بعض شركاتهم. هذه الخطوة كلها فوائد لرجال الأعمال؛ أبرزها ملاذات ضريبية، والخضوع للاتفاقيات الدولية للتحكيم التجاري الدولي، والقدرة على تحريك الأموال خارج مصر سواء إيرادات أو مصروفات أو أرباح وعمولات وخلافه. هذه الشركات تسمى شركات "الأوف شور" وهي شركات تمارس عملها في بلد مختلف عن البلد الذي تأسست به الشركة، وفي الأغلب يكون الهدف منها الاستفادة من أنظمة ضريبية ميسرة في دول تأسست فيها تلك الشركات، والهرب من أنظمة ضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية، ويمكن بسهولة تسجيل شركة "أوف شور" عبر الإنترنت، ولا يُشترط أن تكون محددة برأس مال معين، ويتم هذا من خلال شركات مختصة بهذا الأمر. هذه النوعية من الشركات تزايد بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية في مصر، لأنها تضمن لرجال الأعمال تحويل أرباحهم إلى الخارج، في ظل تضييق النظام الحالي على حركة أموالهم في الداخل، ومع استمرار الظروف غير المواتية للاستثمار المحلي أو الأجنبي في مصر، ويكون ذلك من خلال عمليات تخارج شرعية، دون أن يصطدموا بأي مشكلات قانونية. بينما يعزو مسئول بمصلحة الضرائب المصرية لجوء رجال الأعمال إلى هذه الحيلة من أجل تجنب دفع الضرائب للدولة، لأنهم بذلك يقومون بتحويل الأرباح لبلدان ضرائبها منخفضة، أو تكاد تكون منعدمة، وتعرف باسم "الملاذات الضريبية". شركات عديدة تستغل ثغرة معاهدات تجنب الازدواج الضريبي، وسجلت نفسها في مصر على أنها تابعة لشركة في دول أخرى بما يجنب الشركات المؤسسة فيها الخضوع لضريبة الأرباح الرأسمالية في مصر عند تخارجها من الاستثمارات في مصر، منها الإمارات وبريطانيا، فضلاً عن أن تلك الدول لا تفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تحققها الشركات المؤسسة فيها خلاف ما يحدث في مصر. العملية ببساطة هي شكل من أشكال الهروب من السوق المصري أو بمعنى أدق اكتساب القدرة على التخارج من السوق المصري بكل الأموال مقومة بالدولار تحت أي ظرف من الظروف، في ظل البيئة الطاردة للاستثمار. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها رجال أعمال مصريون إلى هذه الحيلة؛ بل كان آل ساويرس سباقون في هذا منذ سنة 2007م؛ وهم أصحاب أكبر عملية نقل أموال من السوق المصري إلى الخارج. فساويرس وإخوته يتعاملون في السوق المصرية بنفس امتيازات المستثمرين الأجانب، ويقومون بعمليات تدشين الشركات والمشروعات برؤوس أموال تأتي من الصناديق المملوكة لهم في الخارج، واستفادوا من التسهيلات التي تقدمها الدولة للمستثمرين الأجانب، وفي الوقت ذاته أضحى لديهم حرية تصرف في أموالهم بعد أن أدركوا أنهم عرضة للسطو أو التضييق عليهم في أي لحظة. وتعد شركة القلعة التي يملكها رجل الأعمال المصري، أحمد هيكل، نجل الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل أبرز الشركات المصرية التي أسست صندوقاً استثمارياً في الخارج، وبلغ حجم تعاملاتها 9.5 مليار دولار أمريكي، وقام بإنشاء تلك الصناديق منذ بدايات عمل الشركة قبل 15 عاماً. معنى ذلك أن رجال الأعمال يحمون شركاتهم ومصالحهم من أطماع الجنرالات، وبين الجنرالات ورجال الأعمال ضاع الاقتصاد المصري الذي يتعرض للذبح من كلال الطرفين باستثناء فئة قليلة من رجال الأعمال المصريين وهؤلاء للأسف يتعرضون للذبح من جانب السلطة، السيسي بتكوين بيئة طاردة للاستثمار والتعامل بمنطق العصابة في إدارة الدولة، ورجال الأعمال الذين حصلوا على امتيازات ضخمة لعقود طويلة جراء الصفقات المشبوهة والعلاقات الوطيدة بمسئولين كبار في الدولة، بنوا خلالها ثروات طائلة، وأضحت لهم أنشطة اقتصادية في كل المجالات من الصناعة للطاقة للخدمات للعقارات للجامعات والمدارس الدولية للصحف والإعلام لمحلات الحلويات ومحطات البنزين...إلخ. والسيسي عندما نهب شركات الإخوان ثم تعامل بمنطق المافيا مع مؤسس شركة جهينة والتوحيد والنور، أصاب بيئة الاستثمار في مقتل ولم يعد أحد يثق في دولة تدار على طريقة المافيا. فرأس المال سيد الجبناء! أزمة الدولار هذه الحيل امتدت من رجال الأعمال إلى شركات الصرافة، ورغم إجراءات النظام ضد شركات الصرافة والحملات الأمنية على تجار العملة إلا أن بعض شركات الصرافة لجأت إلى نفس الحيلة، بالعمل تحت مظلة شركات أجنبية أو تأسيس شركة في الخارج، وتقوم بجمع الدولار من المصريين العاملين بالخارج وتصريفه بالخارج للمستوردين والتجار، مما كان أحد الأسباب في تراجع تحويلات المصريين بالخارج. وقد انتشرت هذه الطريقة مؤخراً خاصة في أوساط العمالة المصرية الموجودة بالخارج، ولم تعد تقتصر على شركات الصرافة، ولكنها ضمت أفراداً تحولوا في وقت قصير إلى تجار عملة، ويقومون باستلام الدولارات من العاملين في الخارج وتسليمها بالجنيه المصري إلى أسرهم في مصر. وتستعين بعض شركات الصرافة بأشخاص متعددي الجنسية أو من يسافرون بسهولة لوجود جواز سفر أجنبي معهم، ويتم نقل الدولارات من خلالهم إلى خارج البلاد بشكل قانوني.