التصريحات التي أطلقها وزير الري والموارد المائية بحكومة الانقلاب هاني سويلم، في الجلسة العامة لمجلس النواب، الثلاثاء 17 يناير23م، والتي يعترف فيها بأن «المشروع القومي لتبطين الترع والمصارف هو خطأ فني لا يجب الوقوع فيه» مؤكدا وقوع أخطاء وشبهات فساد، هذه التصريحات تحمل الكثير من الرسائل والدلالات. أبرزها أن هذه التصريحات هي اتهام صريح للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بوصفها الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع. فهذا اعتراف من أكبر مسئول في وزاري الري بأن المشروع الذي تباهي به نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي كثيرا واعتبره أحد البدائل لأزمة المياه في ظل الحرب على المياه مع إثيوبيا بسبب مشكلة سد النهضة، ما كان يجب له أن يحدث وأنه يشوبه كثير من الأخطاء الفنية والفساد الذي يستوجب المحاكمات والإقالة لعدد من المسئولين عن هذه المخالفات. يقول الوزير: «إنّ "تبطين المصارف هو خطأ فني لا يجب الوقوع فيه، والبديل هو تطهيرها، وصيانتها دورياً، وضمان عدم انهيار الجسور"، مردفاً "سنوقع عقوبات كبيرة على موظفين في الوزارة، من بينها إقالات ونقل من الوظائف والأماكن، على خلفية ما شاب مشروع تبطين المصارف من مخالفات". ويضيف أنَّ "المشروع القومي لتبطين المصارف" تضمن أخطاء فنية، نتجت عنها إزالة العديد من التغطيات بسبب أعمال الصيانة، وتعطل وصول المياه إلى الأراضي المراد ريها، لافتاً إلى أنّ "المركز القومي لبحوث المياه" التابع للوزارة يعمل حالياً على حلّ المشكلات الناجمة عن تغطية المصارف والترع في المحافظات المختلفة. ويقر الوزير بأن "الحديث عن تبطين الترع هو أمر يحتاج إلى التدقيق، خصوصاً أنّ كثيراً منها ليس في حاجة إلى التبطين بالخرسانة مرتفعة التكاليف. ووزارة الموارد المائية تتحمل نحو 270 مليون جنيه سنوياً لرفع القمامة من الترع والمصارف، الأمر الذي يمثل عبئاً إضافياً على كاهل الوزارة، ويؤثر على الميزانية السنوية المخصصة لها".
35 مليار م مكعب عجزا سنويا وتحدث الوزير عن العجز المائي، موضحا أن "العجز المائي في مصر ارتفع إلى نحو 35 مليار متر مكعب، وهو ما يجري تعويضه بالتوسع في استيراد الأغذية من الخارج، والتي تعكس حجم المياه الافتراضية الواردة مع الغذاء"، مشيراً إلى أنّ "موارد الدولة المائية تشمل 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، و1.3 مليار من الأمطار، إضافة إلى حصة أخرى من المياه الجوفية، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي". وحاول الوزير طمأنة المواطنين من زاويتين: الأولى ما يتعلق بمشكلة سد النهضة؛ حيث اعترف أن «الحديث عن تداعيات ملء السد الإثيوبي هو كلام عن حق»، مضيفا: «يجب التعامل بمنتهى الحكمة في ملف سد النهضة، خاصة أننا اكتسبنا خبرات في السنوات السابقة للتعامل مع الملف. وما يجري استقطاعه في إثيوبيا بسبب ملء السد يتم تعويضه من مياه السد العالي، وفيضان العام السابق كان الأكبر خلال 115 عاماً، وبالتالي لم تتأثر حصة مصر من مياه النيل جراء الملء الثالث للسد، والذي شهد احتجاز أكبر كمية مياه يمكن أن تؤثر علينا". الثانية، الحديث عن تطلعات الدولة نحو زراعة ملايين الأفدنة الإضافية في سيناء وغرب الدلتا (مشروع الدلتا الجديدة) بالساحل الشمالي، وأماكن أخرى، لكن ذلك يلزمه توفير 8 مليارات م مكعب من المياه بشكل سنوي. وأن الوزارة تستهدف توفير هذه الكمية من خلال معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وكذلك تحرير الغرامات بحق مزارعي الأرز المخالفين لقرارات الوزارة ضرورة التعاون لترشيد استهلاك المياه والحد من العجز الحالي.
تعثر المشروع "المشروع القومي لتبطين المصارف" هو عبارة عن إكساء السطح الترابي للقناة المائية لمنع تسرب المياه، سواء بطبقة من الأحجار بسمك 30 سنتيمتراً، وفوقه طبقة من الخرسانة العادية بسمك 10 سنتيمترات، أو عن طريق خرسانة مسلحة وأخرى عادية تعلوها طبقة من الرمال المثبتة. ويواجه المشروع حاليا صعوبات فنية ولوجستية ومالية جمة. وتكلف المشروع في مرحلته الأولى نحو 18 مليار جنيه (606 ملايين دولار)، وكان أحد الحلول التي اقترحتها جهات دولية وإقليمية على مصر، من أجل مواجهة الآثار السلبية لسد النهضة، ومنها مشكلة نقص المياه. ولكن مع تعثر الحكومة في سداد الديون الخارجية المتراكمة، أصبح الإنفاق على المشروع صعباً في الوقت الراهن. وبعد مرور أقل من عامين على تسلم وزارة الري المصرية للترع المؤهلة، فوجئ المسؤولون في الوزارة بظهور عيوب فنية خطيرة، في وقت أشار فيه مختصون إلى أن الكثير من تلك الترع تم تبطينه بشكل خاطئ، بما يتعارض مع طبيعة الدور الذي تقوم به تلك القنوات في توصيل المياه إلى المزارعين بشكل طبيعي. وأكد عدد من الفلاحين أن بعض الترع المؤهلة أخيراً تتضمن عيوباً كبيرة في التنفيذ حالت دون وصول المياه إلى الأراضي الزراعية في ظل انخفاض منسوب المياه فيها، وذلك بخلاف ما تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لصور من الواقع خاصة بتشققات كبيرة في جوانب الكثير من الترع المؤهلة.
فساد للركب الفساد في مشروع تبطين الترع والمصارف دفع الوزارة إلى تشكيل وحدة تابعة لإدارة التفتيش الفني حسب تصريحات المتحدث الإعلامي باسم الوزارة محمد غانم قبل أيام، من أجل تقييم أعمال تأهيل الترع المنفذة والجاري تنفيذها، بعد الشكاوى الخاصة بالعيوب التي ظهرت في عدد من الترع المؤهلة، وإلزام المقاولين بإعادة تبطين بعض الترع التي ظهرت فيها المشكلات أو كان تنفيذها دون مستوى الجودة المطلوب". وأضاف أن "عملية الفحص ستشمل المواد المستخدمة في التبطين ومدى مطابقتها للمواصفات، فضلاً عن سماكة الخرسانة"، وسط إشارات واضحة بشأن فساد عدد من المقاولين المنفذين للمشروع. ووفقا لأكاديمي مصري في مجال هندسة الري في تصريحات لصحيفة العربي الجديد اللندنية يتولى تدريس نظم هندسة الري في إحدى الجامعات المصرية، فإن "هناك بعداً آخر يرتبط بعملية فساد أوسع بتنفيذ المشروع"، لافتاً إلى أنه "لم تكن هناك شفافية كافية في إسناد عمليات تأهيل الترع والمصارف إلى الشركات، عبر منافسة حقيقية تضمن للدولة المصرية الجودة في التنفيذ مع التكلفة العادلة". كما يشير إلى أن "إشراف جهات عسكرية لا تتم مراقبتها من جانب الأجهزة الرقابية بالدولة، سمح بحصول مقاولين من الباطن، ليسوا على القدر الكافي من الكفاءة ولا تتوفر لديهم سوابق أعمال متميزة، على تنفيذ حصص كبيرة في المشروع"، حيث تشرف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على المشروع. وتصل تكلفة 3 إلى 4 كيلومترات من التبطين إلى 5 ملايين جنيه (نحو 318 ألف دولار (الدولار = 30 جنيها)، ما بين أسعار الحجر والإسمنت والعمالة والنقل، وهي تكلفة عالية للغاية دون جدوى تكافئ كل هذه الكلفة العالية.