في ظل الأوضاع المتردية في زمن الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي، اضطر أغلب الأطباء المصريين إلى الهجرة للخارج، فرارا من المنظومة الصحية المنهارة وعدم تقدير جهود الأطباء من النظام الانقلابي، بل وتوجيه الاتهامات لهم على غير الحقيقة، وعدم منحهم حقوقهم المادية و المعنوية، كما حدث في بداية أزمة فيروس كورونا ورفض السيسي منح الأطباء الذين رحلوا بسبب هذا الفيروس معاش شهيد أسوة بضحايا بالجيش والشرطة . يشار إلى أن معدل هجرة الأطباء تزايد في السنوات الأخيرة ، ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الذين هاجروا إلى الخارج، إلا أن التوقعات تشير إلى أن نحو 60% من الأطباء تركوا العمل بمصر وتوجهوا للعمل بالخارج سواء بالدول العربية أو الأجنبية. وتؤكد التوقعات أن عدد الأطباء الذين غادروا مصر وصل إلى 150 ألف طبيب من أصل 215 ألف طبيب، وهو ما تسبب في وجود عجز شديد في معظم التخصصات.
الأمن القومي حول هذه الأزمة كشف الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، تزايد معدل هجرة الأطباء في السنوات الأخيرة، مؤكدا أن حوالي 60% من الأطباء تركوا العمل بمصر وتوجهوا للعمل بالخارج . وقال الطاهر في تصريحات صحفية "إذا كنا نشعر بخطورة ذلك على الأمن القومي الصحي، فعلينا دراسة أسباب هذه الظاهرة، قبل أن نشرع بوضع حلول قد تكون عشوائية وضررها أكثر من نفعها، مشيرا إلى أن البعض اقترح منع الأطباء من السفر والبعض الآخر اقترح زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وغيرها من الحلول التي وضعت على عجل دون دراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة". وأشار إلى أن راتب الطبيب لا يزيد عند بداية التعيين على 2500 جنيه، ويرتفع عند الحصول على درجة الماجستير إلى 4 آلاف جنيه، بينما يحصل بعد الدكتوراة على نحو 5 آلاف جنيه ، موضحا أن نقابة الأطباء، طالبت مرار، حكومة الانقلاب برفع قيمة بدل العدوى للأطباء، خاصة أنهم الأكثر عرضة لعدوى "كورونا"، لكن دون استجابة. وأوضح الطاهر أن الطبيب يتقاضى بدل عدوى 19 جنيها شهريا، بينما تقرر مؤخرا صرف زيادة لهم تحت مسمى "بدل المهن الطبية" بقيمة 500 جنيه، معتبرا أن تدني الأجور يعتبر على رأس عوامل الهجرة من مصر، حيث إن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة، إلا إذا عمل في عدة جهات خاصة في نفس الوقت بجانب عمله الحكومي. ولفت إلى أن الطبيب بين عمله ودراسته العليا وتدريبه، إذا غضضنا الطرف عن كونه إنسانا ومن حقه أن يقضي بعض الوقت مع أسرته، لا يعقل مثلا أن يكون إجمالي مرتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هي 45 جنيها أي ثلاثة جنيهات وبضعة قروش في الساعة.
حملات متكررة وأكد الطاهر أن الطبيب خلال ساعات عمله الشاقة، يواجه العديد من الأخطار مثل التعرض المباشر للعدوى، ناهيك عن الاعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أي مستلزمات، وحتى أبسط قواعد الإقامة الكريمة غير موجودة بمعظم المستشفيات فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات. ولفت إلى أنه ليس التقدير المادي فقط ما يعانيه الطبيب ، بل أيضا الحملات المتكررة التي تنطلق خاصة كلما طالب الأطباء بحقوقهم، فيتم اتهامهم بالإهمال ويتم وضعهم كبش فداء لجميع أسباب قصور المنظومة الصحية، مما أدى لاستعداء وشحن المجتمع ضدهم ، وتسبب في تزايد حالات الاعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم. وتابع الطاهر، يضاف لذلك صعوبة الالتحاق بالدراسات العليا وارتفاع تكاليفها، ولنا أن نعرف أن قانون رقم 14 لسنة 2014 الذي صدر منذ أكثر من سبع سنوات ينص على تحمل وزارة صحة الانقلاب تكاليف الدراسات العليا، لكن الوزارة في تحد صارخ للقانون لم تقم بدفع المصاريف لأي طبيب، متسائلا لمن يذهب الأطباء للمطالبة بحقهم إذا كانت قوانين دولة العسكر لا تنفذ؟ وقال "رغم كل ذلك نجد جولات إعلامية لمسئولي الانقلاب تحاول إلقاء أسباب قصور الخدمة الصحية في أي جهة على كاهل الأطباء، في محاولة لإبعاد الأنظار عن أي نقص بالأجهزة أو المستلزمات أو بيئة العمل، ناهيك عن تعرض الأطباء للتعسف الإداري المتكرر الذي يحول جهة العمل إلى مكان ثقيل على النفس".
عاملات المنازل وشدد الدكتور هشام الخياط، أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي، على أن هجرة الأطباء من الملفات المهمة التي لابد من حلها، موضحا أنه في الماضي كانت نسبة الهجرة لا تتعدى 1 في الألف، الآن أصبحت 5% وللأسف هؤلاء من شباب الأطباء، بعد الامتياز مباشرة، خاصة أن تلك الدول لا تتطلب الحصول على الدراسات العليا، مثل الدول العربية، ويهرع إليها الأطباء بسبب التدني في الرواتب لدينا، الذي أصبح أقل من عاملات المنازل، وهذا ليس تقليلا من أحد ولكن قلة التقدير صعب جدا. وقال الخياط في تصريحات صحفية ليس التقدير المادي فقط ما يعانيه الطبيب المصري، بل قلة التقدير الأدبي والمعنوي، ناهيك عن دور الإعلام في تسليط الضوء على ما يسميه الأخطاء الطبية، متغافلا عن كل ما يقدمونه من تضحيات. وأشار إلى أن نقابة الأطباء لا تدافع عن الأطباء بالقدر المطلوب، مثل باقي النقابات، فالخطأ الطبي غير مضاعفات الجراحة، فأي عملية لها مضاعفات، ولا يجوز الخلط بين الخطأ والمضاعفات ويبدأ الهجوم على الطبيب وكأن بينه وبين المريض ثأرا، فالخطأ الطبي أن يكون الطبيب لا يعلم أنه أخطأ، وبالتالي لا يتدارك الخطأ، وهنا لابد من محاكمته، لكن حدوث مضاعفات هذا طبيعي في بعض العمليات والحالات. وأكد الخياط أن أطباء وزارة الصحة، وهم السواد الأعظم من الأطباء، لا يتوفر لهم التدريب الكافي، بينما الدول الأجنبية تيسر لهم كل السبل وتذلل العقبات من أجل استقطابهم، لأن الطبيب المصري يظل له ريادة عن غيره من الأطباء، فهل ننتظر منه البقاء، وهو يأخذ 2500 جنيه، وبدل عدوى 20 جنيها؟. وأشار إلى ما اعتبره مؤشر خطر على المستشفيات والمواطنين في مصر، وهو أن عندنا طبيبا لكل 800 مواطن، بينما في العالم الغربي طبيب لكل 200 مواطن، بما يمثل مشكلة لابد من دق ناقوس الخطر حولها، ونحن نحتاج سد هذا العجز موضحا أن المقيد في الجامعة ووزارة الصحة 215 ألف طبيب؛ منهم 150 ألفا خارج مصر لعام 2021، فلابد من نظرة للطبيب، وأن يكون هناك تقدير مادي، وأدبي ومعنوي ولابد من تصحيح الصورة المغلوطة عن الأطباء .
نقابة الأطباء وقال الدكتور أبوبكر القاضي، أمين صندوق نقابة الأطباء إن "الطبيب مثله مثل غيره يبحث عن تحقيق مستقبل أفضل، وتحسين مستواه المادي، فالطبيب له وضع خاص، فالمجتمع يعامله على أنه طبيب، عندما يتقدم للزواج، أسرة العروس تعامله كونه طبيبا، البواب يعامله على أنه طبيب، يعني يُطلب منه أكثر من دخله بكثير، والطبيب الشاب، منذ تخرجه، يفكر في فتح عيادته الخاصة، وهذا حقه، بعد سهر وتعب 7 سنوات، وهذا من أكثر أسباب الهجرة، تليه المسؤولية الطبية والتعدي على المستشفيات. وأشار «القاضي» في تصريحات صحفية إلى أن النقابة تسعى لإقرار قانون المسؤولية الطبية وقانون التعدي على المستشفيات، فأي مواطن يسعى للعمل لابد أن يشعر بالأمان وليس الطبيب فقط، ولابد من تحسين الأوضاع المالية للطبيب، فليس من المعقول أن يكون لدينا 380 ألف طبيب مسجلون بالنقابة، لكن على أرض الواقع هناك عجز كبير في الأطباء، بسبب تدني وضعف الرواتب. وأكد أن النقابة ليست مقصرة، لكننا لا نملك سوى التفاوض لتحقيق مكاسب للطبيب، لكن وزارة صحة الانقلاب هي المنوط بها كل التغييرات، والنقابة تقوم بدورها في مساعدة الطبيب في تخصصه، عبر التعليم المستمر والدورات، وتسهيل إجراءات الترخيص، ولسنا مختصين فقط بالرواتب والمعاشات. واقترح «القاضي» إعداد ورشة عمل جيدة، تحدد راتبا يعين الطبيب ويساعده على الإقامة، وتراقب أداءه، وكذا تخيير الطبيب بين العمل الخاص والعمل في القطاع الحكومي، مقابل راتب مناسب، وعدد ساعات عمل محددة ب 8 ساعات، لأنه ليس من المعقول أن يكون مقابل النوبتجية 45 جنيها، وحضور 12 ساعة.