رغم القمع العنيف الذي واجهت به الأجهزة الأمنية في السودان المتظاهرين، وسقوط خمسة قتلى وإصابة واعتقال العشرات، إلا أن عشرات الآلاف من السودانيين واصلوا التظاهر طوال ظهيرة ومساء أمس السبت، رافضين للانقلاب الذي قام به قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر. وخرج الآلاف في تظاهرات احتجاجية، السبت، في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، استجابة لدعوات أطلقها تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة، رفضا للانقلاب. جاء ذلك وفق بيان للحركة التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، وأكد التجمع عدم شرعية قرارات البرهان بإعلان مجلس سيادة جديد قائلا إن "الشعب سيقاوم تلك القرارات حتى الإسقاط الكامل". وقالت شبكة الجزيرة إن قوة أمنية سودانية داهمت منزل مدير مكتبها في الخرطوم المسلمي الكباشي واعتقلته.
مجلس سيادي جديد جاءت المليونية في إطار احتجاجات واسعة منذ محاولة القفز على الأزمة التي أحدثها انقلاب العسكر في السودان وعلى طريقة السيسي التي أعاد فيها قائد الانقلاب العسكري في السودان إنتاج انقلابه العسكري على الديمقراطية وثورة الشعب السوداني، حيث قرر عبد الفتاح البرهان تشكيل مجلس سيادة برئاسته وتعيين محمد حمدان دقلو نائبا، وهو القرار الذي أثار رفضا محليا وقلقا أمميا، وسط دعوات للإفراج عن المعتقلين والعودة عن قرارات 25 أكتوبر. فيما قال المتحدث باسم الأممالمتحدة، إن "التطورات في السودان مقلقة للغاية بما فيها تعيين مجلس سيادة جديد غير جامع، وقال مبعوث الأممالمتحدة إن نافذة الحوار والحل السلمي للأزمة بصدد الانغلاق". والغريب ، وعلى الرغم من أن انقلاب البرهان على المدنيين الذين حل موعد رئاستهم المجلس السيادي في نوفمبر الجاري، استبعد ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير من المجلس السيادي الجديد، على الرغم من أنهم يطالبون بنقل السلطة إلى المدنيين. وأوضح ستيفان دوجاريك في مؤتمر الصحفي مساء أمس الأول "نريد أن نرى استئناف الانتقال في أقرب وقت ممكن والإفراج عن رئيس الوزراء وبقية السياسيين والمسؤولين الذين اعتُقلوا". يأتي ذلك في وقت عقد فيه مجلس الأمن الدولي صباح الخميس اجتماعا مغلقا بشأن السودان، كان مُدرجا على جدول أعماله الأسبوعي. قلق دولي ولم يصدر أي بيان مشترك من المجلس عقب اجتماعه، ولم تحاول بريطانيا التي طلبت عقده إصدار بيان بسبب موقف روسيا، وواصلت موسكو خلال الاجتماع دعم قائد الجيش السوداني الذي اتخذ إجراءات حل بموجبها مؤسسات الحكومة الانتقالية، وقالت إنه ضروري لضمان استقرار البلاد. وقالت السفيرة البريطانية في الأممالمتحدة للصحفيين بعد الاجتماع "ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن مزيد من الإجراءات الأحادية الجانب للجيش والتي تتعارض مع روح ونص الإعلان الدستوري". وأضافت أن "مبعوث الأممالمتحدة فولكر بيرتيس أبلغ المجلس خلال الاجتماع بشكل مباشر للغاية أن نافذة الحوار والحل السلمي بصدد الانغلاق". فيما كشف كاميرون هديسون- المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما للسودان، أن هناك شحصيات وأطرافا داخل وخارج السودان قد تكون وراء القرارات الأخيرة لقائد الجيش السوداني التي حلّ بموجبها مؤسسات الحكومة الانتقالية. وفي حديثه لبرنامج "المسائية" بقناة الجزيرة قال إن "البرهان سافر إلى مصر والتقى السيسي وسمع منه تطمينات بالدعم معربا عن اعتقاده بأن ما قام به لم يكن من تلقاء نفسه". وأشار إلى أن ذلك يعني أن كل الجهود الدولية لإيجاد حل لم تدفع القيادة العسكرية إلى التفكير مليا فيما يمكن القيام به للرجوع عن إساءة الحسابات التي قامت بها، حسب قوله. وحول جدية الغرب والولاياتالمتحدة تحديدا في الضغط على البرهان للرجوع عن قرارته، قال هديسون إن "إستراتيجية أمريكا وحلفائها هي سياسة الضغط غير المباشر على العسكريين، وقال إن الولاياتالمتحدة لو أرادت الضغط بشكل مباشر لفرضت عقوبات على قيادات وشركات ولكانت اعتبرت الاستخبارات العسكرية منظمة إرهابية، لكن تلك الإجراءات لم تُتخذ في الوقت الحالي".
رفض سياسي وكان حزب المؤتمر السوداني، أحد المكونات لقوى الحرية والتغيير؛ قال إن "أي حكومة تتمخض عن الانقلاب في السودان، هي حكومة غير شرعية، مؤكدا أنه سيقاومها". كما رفض الحزب الشيوعي السوداني أن قرارات البرهان بتشكيل مجلس سيادة. أما خارجيا، فوصف ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأممالمتحدة، آخر التطورات التي يشهدها السودان بأنها مقلقة للغاية. وقال المسؤول الأممي إن "الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش يريد أن يرى عودة إلى المرحلة الانتقالية في أسرع وقت ممكن، بحسب وكالة رويترز". وأشار متحدث الحكومة السودانية المنحلة حمزة بلول إن "قرار تشكيل مجلس السيادة الجديد يمثل امتدادا للإجراءات الانقلابية في البلاد". وتمثل خطوة إقصاء المدنيين من تشكيل المجلس السيادي الجديد تأكيد لانقلاب البرهان الذي الذي يحظى بدعم من عدة دول بينها مصر ودول خليجية وروسيا والصين، في مواجهة المطالب باحترام الاتفاق الدستوري وتسليم السلطة للمدنيين.