مع تزايد احتمالات فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" بانتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل أمام الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف، تؤكد صحيفة "ميدل إيست آي" أن المستبدين العرب من أكثر الخاسرين من هزيمة ترامب المتوقعة. وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن "ترامب" يواجه معركة شاقة لإعادة انتخابه، بعد الآثار الصحية والاقتصادية المدمرة لجائحة الفيروس التاجي (كورونا)، إلى جانب موجات الاحتجاج على وحشية الشرطة ضد الأمريكيين الأفارقة بعد واقعة مقتل "جورج فلويد". وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن "بايدن" يتقدم بنسبة 50% مقابل 41% ل"ترامب". وتضيف الصحيفة أن هناك احتمالًا قويًا بأن يهزم "بايدن" "ترامب" بشكل حاسم في انتخابات الخريف المقبل، كما أن هناك فرصة جيدة بأن يستعيد الديمقراطيون مجلس الشيوخ، مما يمنحهم السيطرة على جميع فروع الحكومة الثلاثة، ما لم يحدث تغير دراماتيكي في البيئة السياسية. ويمثل "ترامب"، في ذهن منتقديه، مزيجًا فريدًا من الغطرسة والنرجسية والقسوة وعدم الكفاءة والجشع والعنصرية، وقد جعل السياسة الأمريكية مستقطبة إلى حد غير مسبوق، ويواجه جميع أولئك الذين ارتبطوا بصعوده احتمال حدوث انتكاسة دراماتيكية إذا خسر هو وحلفاؤه الجمهوريون الانتخابات المقبلة. بوصلة "صفقة القرن" وبحسب "ميدل إيست آي"، فقد شهدت سنوات "ترامب" إعادة ضبط غريبة للعلاقات الأمريكية العربية تحت ستار "صفقة القرن"، حيث تستلزم الخطوط العامة للصفقة من الدول العربية، وخاصة دول الخليج، التخلي عن أي مقاومة للطموحات الإسرائيلية في فلسطين، مقابل دعم أمريكي وصهيوني كامل لدول الخليج في مواجهتها مع إيران. وكان "ترامب" مستعدًا لمنح قادة دول الخليج غطاءً لمواصلة أي سياسات يرونها ضرورية لأمنهم، بغض النظر عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية، طالما منحوا (إسرائيل) الحرية في ضم الأراضي الفلسطينية، وواصلوا شراء كميات فلكية من الأسلحة الأمريكية، واستعدوا لمقاومة إيران. الجانب الثاني من العلاقة التي تم إعادة ضبطها، يتمثل في التزام واشنطن باستمرار تدفق مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج، وكان إصرار إدارة "ترامب" على بيع الأسلحة الهجومية إلى السعودية والإمارات رغم معارضة الكونغرس مثيرًا للجدل بشكل خاص؛ بسبب المعاناة الإنسانية الهائلة التي ألحقتها الدولتان بالشعب اليمني منذ تدخلهما في الحرب الأهلية اليمنية في مارس 2015. أما الجانب الثالث فيتعلق بغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذه البلدان. وقد كشف القتل الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول، في أكتوبر 2018، عن التناقضات بين نهج "ترامب" في التعامل مع العلاقات الخارجية ومطالب الكونغرس بمحاسبة السعودية عن هذا العمل الإجرامي الوقح. رعاية المستبدين العرب ولم يرَ العديد من الديمقراطيين تبني "ترامب" للأوتوقراطيين العرب – مثل ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" – على أنه استراتيجية فطنة لتعزيز المصالح الأمريكية، ولكنهم رأوا ذلك على أنه تبنٍ ل"مستبد عالمي" آخر يتصرف باستخفاف واضح بالشرعية الدولية. وفي حين أن دول الخليج نجحت في كسب "ترامب" كحليف قيّم في البيت الأبيض، سواء في مواجهتهم الخارجية مع إيران، أو في مواجهاتهم الداخلية مع الإصلاحيين في الداخل، إلا أنهم قللوا – على ما يبدو – من أهمية نظرة الأمريكيين إليهم الآن على أنهم حلفاء "ترامب" وليسوا حلفاء واشنطن، وهي حقيقة تجعلهم منبوذين من أكثر من نصف الأمريكيين الذين يحتقرون "ترامب". إعادة تقييم العلاقة ووفقا لميدل إيست آي، فليس من المستبعد أن يسعى الديمقراطيون حال فوزهم إلى إعادة ضبط العلاقات الأمريكية الخليجية بشكل كامل. وسيأتي اتخاذ موقف متشدد ضد أنظمة الخليج الاستبدادية بتكلفة منخفضة نسبيًا للولايات المتحدة على المستوى الدولي، لكنه سينجح جدًا مع الجماهير المحلية الأمريكية. ولا يشعر الجمهور الأمريكي بالتعاطف مع دول الخليج الغنية التي يرى أنها تمتلك ثروات لا تستحقها، ناهيك عن عدم المساواة الواضح في توزيع الثروات في تلك الدول، مع ازدراء قيم حقوق الإنسان والديمقراطية، ويمكن لهذه الدول بسهولة أن تصبح "أكياس ملاكمة" لإدارة "بايدن" الجديدة. من جانب آخر، فإن "بيرني ساندرز" الذي لم يفز بترشيح الحزب الديمقراطي، لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين قواعد الحزب، وهكذا فإن من المحتمل أن إداناته العلنية للسعودية تمثل آراء الغالبية العظمى من ناخبي الحزب الديموقراطي وناشطيه. يضاف إلى الأسباب السابقة، تراجع حاجة الاقتصاد العالمي إلى نفط الخليج بالتزامن مع صعود تقنيات الطاقة البديلة واكتشاف حقول نفط جديدة ضخمة في أمريكا الشمالية، مع أدى إلى تراجع الأهمية العالمية لمنطقة الخليج، وقد أدى انهيار أسعار النفط في أعقاب جائحة كورونا إلى تسريع هذا الاتجاه. وتسببت الطبيعة الهشة للأنظمة الخليجية في جعلها أكثر اعتمادا على الدعم الخارجي للبقاء، لكن الأمريكيين لن يكونوا مستعدين لتقديم هذا الدعم، خاصة إذا كان ذلك يعني المخاطرة بتكبد خسائر كبيرة في حالة نشوب حرب جديدة مع إيران. لا حليف سوى (الكيان الصهيوني) يضاف إلى العوامل السابقة، أنه من غير المرجح في المستوى المنظور أن تتمكن قوى خارجية أخرى، مثل روسيا أو الصين، من استبدال الولاياتالمتحدة كضامن لأمن دول الخليج. وبالتالي باتت دول الخليج تواجه بشكل متزايد أسئلة وجودية؛ فإما أن تسعى إلى تعزيز أمنها من خلال إعادة تأسيس نفسها على أسس تعاقدية وشبه ديمقراطية، وأن تسعى إلى تحقيق سلام وتكامل وتنمية على المستوى الإقليمي، وهو أمر يتطلب إعادة توزيع للقوة السياسية والاقتصادية، أو على العكس يمكنهم الاستمرار في تبني (الكيان الصهيوني) علانية وأن يصبحوا دولًا تابعة لها. وإذا رفضت دول الخليج القيام بإصلاحات سياسية أساسية، سواء على الصعيد المحلي أو في سياساتهم الإقليمية، فسوف يجدون أن الكيان الصهيوني، هو الوحيد الذي يمكن أن تضمن بشكل موثوق وضعهم الراهن، حيث تمتلك الدولة العبرية مصلحة ثابتة في الحفاظ على الفوضى في المنطقة العربية. لكن التبني الصريح للكيان الصهيوني، يحمل مخاطر كبيرة لدول الخليج، خاصة مع تقدم تل أبيب بسرعة في خطة الضم والفصل العنصري. وبالتالي فإن المستبدين العرب هم أكثر الخاسرين من احتمالات هزيمة ترامب المتوقعة في الرئاسة الأمريكية المقبلة.