تحت دعوى "محاربة الإرهاب" والتي اتخذتها سلطات الانقلاب مسوغا ومبررا للهدم والتدمير والإبادة البشرية لكل معارضي الانقلاب، تعرضت سيناء على مدار التسعة أشهر الماضية إلى حرب ضارية تحول على أثرها أهالي سيناء أطفالًا ونساءً ورجالًا ومسنين إلى ضحايا ما بين قتلى وجرحى ومشردين ومعتقلين، كما تحولت بيوتهم ومحلاتهم التجارية إلى أكوام من الرماد تحت دعوى أنها بؤر إرهابية، ولم تسلم حتى المساجد وبيوت الله من هذه الحملة المسعورة الهمجية ضد أهالي سيناء، حيث قصفت العديد من المساجد والزوايا وحرقت المصاحف، وتم ملاحقة ما بها من دعاة. واقرأ: د. أحمد فودة: أهل سيناء سطروا ملحمة صمود رغم إرهاب الانقلاب "الحرية والعدالة" تحاول في السطور التالية رصد جرائم الانقلابيين ضد أهالي سيناء على مدار الشهور الماضية، حيث لم تفلح محاولات التعتيم البالغة التي حرصت عليها سلطات الانقلاب طوال الشهور الماضية إزاء الوضع في سيناء والتي كان من بين آلياتها منع وصول الصحفيين أو النشطاء إلى مواقع الأحداث، فضلا عن قطع الاتصالات وخدمات المحمول قبل البدء في أي عملية من الكشف عن بشاعة جرائم الانقلابيين ضد أهالي سيناء، وما لحق بهم من أضرار اقتصادية ومعنوية فاقت ما تعرضوا له أثناء الاحتلال الصهيوني.
استهداف المدنيين تعرضت أكثر من 15 قرية بسيناء -خاصة قرى جنوب الشيخ زويد ورفح- إلى عمليات قتالية موسعة خلال الشهور الماضية باستخدام المدفعية والطيران أسفرت عن هدم مئات البيوت وقتل مئات المدنيين، من بينهم عشرات الأطفال، وكان أشهر هذه القرى قرية المهدية والمقاطعة والتي تعرضت للقصف بالطيران، والذي خلف وراءه مجازر بشرية غير مسبوقة حتى في ظل الاحتلال الصهيوني.
واقرأ: باحثة سياسية: الانقلاب أجهض جهود الرئيس الشرعي في إعمار سيناء كما لم يسلم رؤساء القبائل والذين عرفوا بمواقفهم المناهضة للانقلاب من بطش الانقلابيين حيث قامت ميليشيات الانقلاب العسكري بهدم منزل الشيخ إبراهيم المنيعي –رئيس اتحاد قبائل سيناء– والذي كشف عن جرائم الجيش خلال حملته على المواطنين بقرى جنوب الشيخ زويد ورفح، وذلك عبر فضائية الجزيرة مؤكدا أنهم يتبعون سياسة الأرض المحروقة ضد أهالي سيناء ويقتلون الأطفال والنساء والعجائز، كما قصفوا عشر منازل أخرى كلها تنتمي لعائلة المنيعي.أما أصحاب المزارع الواقعة جنوبالعريش في طريق المطار وعلى الطريق الدائري، فقد خسروا ملايين الجنيهات للموسم الحالي وعدة مواسم مقبلة؛ بسبب تجريف أشجارهم واقتلاعها لكشف المساحات التي يشكو الجيش من التعرض لهجمات من ناحية بعضها.
كما يعيش سكان العريش في معاناة شديدة بسبب قطع الشوارع بحواجز أمنية من الرمال وتغيير مسارات الطرق إلى دروب غير ممهدة. ويعود الأطفال من مدارسهم مذعورين من التهديدات بالاعتقال العسكري التي يوجهها لهم المعلمون لتحذيرهم من الاقتراب من أسوار المنشآت العسكرية المتاخمة. وتعرضت التجمعات السكنية بسيناء إلى عمليات قصف بالطيران والمدفعية أسفر عن هدمها بالكامل ووقوع ضحايا بالمئات ما بين قتلى وجرحى.. وكان آخر هذه العمليات قصف منزل مكون من ثلاثة طوابق قرب الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومحافظة شمال سيناء في إبريل الجاري، حيث استخدم الجيش المتفجرات والجرافات لتدمير المنزل الواقع في حي صلاح الدين المكتظ بالسكان وردم أنفاق مهجورة على أطراف الحي، ولا يزال الجيش يضرب حصارًا مشددًا حول الحي، وأمر بفرض حظر التجوال في الحي.
واقرأ: د. حسام عقل: الجيش يقود الحرب على سيناء بالوكالة عن إسرائيل ويذكر أن الجيش المصري صعّد من سياسة تفجير المنازل خلال الأشهر الماضية في إطار عملياته لإقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع غزة. والذي يطالب فيها أهالي وسكان هذه المنطقة والذين يقدر عددهم بعشرة آلاف مواطن بإخلاء المنطقة بلا تعويض تحت دعوى حماية الأمن القومي قرار إخلاء هذه المساحة.
هدم المساجد وبجانب قصف القرى والمنازل لم تتورع ميليشيات الانقلاب من هدم المساجد حيث أصحبت بيوت الله موضع اتهام من قبل المؤسسات العسكرية بأنها "تنشر الفكر التكفيري والجهادي ضد الدولة"، ومن ثم باتت خاضعة مستباحة لعمليات القصف والتدمير وكذلك الرقابة أمنية مشددة، حيث طالت عمليات القصف عدد من المساجد أبرزها مسجد "أبو منير" جنوب مدينة الشيخ زويد، وكان مبرر الجيش بقصف المسجد هو اختباء قيادي في جماعة أنصار المقدس بداخله.
وفي السياق نفسه من التضييق على المساجد استبعدت مديرية الأوقاف بشمال سيناء، بناء على توجيهات وزير الأوقاف الشيوخ الدعويين غير الأزهريين حتى لا ينشروا الفكر التكفيري ضد الدولة في المساجد –حسب زعمهم- وعددهم 166 خطيبًا، وهو ما تسبب في عجز عدد الأئمة مقارنة بعدد المساجد، والذي يبلغ عددها نحو 1325 مسجدًا وعدد الأئمة الحاليين 526 إمامًا, وهذا العجز لم تفلح الوزارة إلى الآن في تغطيته بالواعظين من الأزهر وهو ما دفها إلى غلق الزوايا في شعائر صلاة الجمعة!
تدمير المستشفيات أسهمت الحملات الأمنية الموسعة التي تشنها ميليشيات الانقلاب على سيناء في تدمير عدد كبير من المؤسسات الصحية والتي تتنوع ما بين مستشفيات ووحدات صحية بالقرى، فضلًا عن تخريب بعض المستشفيات الميدانية جنوبي الشيخ زويد، بخلاف استهداف المرضى بالقتل في حال تحركهم للعلاج في المراكز الصحية البعيدة بزعم خرقهم لحظر التجوال الذي يفرضه الجيش على الطرق الفرعية وبعض الرئيسية بجنوب الشيخ زويد! وهو ما وصفه سكان سيناء بأن الموت يحاصرهم في ظل الانقلاب إما مرضا بسبب تدمير المستشفيات أو قتلًا على يد ميليشيات الانقلاب.
واقرأ: في ذكرى "التحرير".. مركز حقوقى يرصد جرائم الجيش في سيناء وبالرغم من هذه الحملات الضارية والحرب الضروس التي يتعرض لها أهالي سيناء إلا أن الصمود التاريخي لأهالي سيناء في مواجهة هذا الانقلاب الدموي من خلال الخروج اليومي في تظاهرات سلمية لم تنقطع على مدار تسعة شهور من عمر هذا الانقلاب قد أسهم في فضح الانقلابيين ومزاعمهم ضد أهالي سيناء ووصفه بالإرهاب. من جانبهم يؤكد الخبراء أن تدمير سيناء هو جزء من مخطط الانقلاب الدموي من أجل استمرار السيادة الإسرائيلية على أراضيها كما كانت في عهد مبارك وفق البنود السرية لاتفاقية كامب ديفيد، مشيرين إلى أن الانقلاب على مدار تسعة أشهر لم يستهدف سوى المدنيين من معارضي الانقلاب، وأن تصريحات العسكر بالقضاء على البؤر الإرهابية في سيناء لا تخرج عن كونها نوعا من الشو الإعلامي للتغطية على مجازرهم الوحشية ضد أهالي سيناء من البسطاء والمهمشين.