في أكبر عملية انتهاك لسيادة مصر، وفي خيانة غير مسبوقة للشعب المصري وممتلكات الدولة المصرية، التي ينتهي معها أسطورة "السيسي الدكر" وتحوله لمسخ يرتاده الإماراتيون على العلن، جاءت إملاءات الإمارات التي أرغمت السيسي على تعديلات قانون الصندوق السيادي، وتعديل شروط الاستثمارات فيه. لا تقتصر التعديلات الإماراتية على تحصين قرارات السيسي بشان نقل الأصول الحكومية إليه؛ بل في تفصيل البنود على مقاس الإماراتيين، وإنهاء أية سيادة مصرية على أصول الشعب، بل حرمت التعديلات الواردة بمشروع حكومة الانقلاب مؤخرًا أية مؤسسة مصرية حتى من تقدير قيمة الأصول، ونقل عملية التقييم أساسا إلى بيت خبرة أجنبي، إضافة إلى ما ستدفعه الإمارات من تحت الطاولة كعادتها، من أجل تقييم متدن، بل إن الأدهى من ذلك تحويل ملكية الأصول المملوكة للشعب والتي من المنطقي أن تؤول قيمة بيعها للموازنة العامة إلى ملكية خاصة للدولة لا تعود فوائدها على صاحب الحق الأصيل؛ بل إلى سلطة الدولة وبعيدًا عن الرقابة ينفق منها السيسي كيفما يشاء! صندوق إماراتي وليس مصريًّا وبحسب خبراء اقتصاديين، لا تقتصر التعديلات التي اعتمدها مجلس الوزراء الانقلابي تمهيدًا لإدخالها على قانون الصندوق السيادي نهاية الأسبوع الماضي، على حماية التصرفات الباطلة وشبهات الفساد من الملاحقة القضائية، بل يمتد الأمر إلى تنفيذ وعود قطعها السيسي لحكام الإمارات في زيارته الأخيرة إليها، لزيادة ضمانات الأمان الخاصة باستثماراتهم المرتقب تدفقها على الصندوق السيادي، وكذلك توسيع طبيعة الكيانات التي يمكن للدولة المصرية استثمارها في الصندوق، لتشمل بصورة واضحة "كل الكيانات المملوكة للدولة أو الجهات التابعة لها، أو الشركات المملوكة لها، أو التي تساهم فيها أو يُعهد إلى الصندوق بإدارتها". وذلك على الرغم من أن القانون الذي صدر العام الماضي كان يقتصر في تعامله على إعطاء الحق للسيسي بناءً على عرض رئيس الوزراء والوزير المختص، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلّة أو المستغلّة المملوكة للدولة ملكية خاصة أو للجهات التابعة لها شرط الاتفاق مع وزير المالية والوزير المختص، إلى الصندوق؛ ما يفتح الباب تلقائيًا لخصخصة آلاف الكيانات الحكومية. لكنّ هذا على ما يبدو لم يكن كافيًا للحكام والمستثمرين الإماراتيين، فتمت إضافة عبارة "التي تساهم فيها الدولة"؛ ما يعني إضافة طيف واسع من الكيانات الاقتصادية التي تساهم فيها الدولة المصرية من خلال جهاتها التنفيذية أو شركاتها القابضة والتابعة ومؤسساتها، وحتى الجيش والمخابرات والأجهزة السيادية والأمنية الأخرى التي دخلت سوق الاستثمار بكثافة في عهد السيسي. انصياع فوق الإذعان وعلى طريقة البغاء، التي يجيدها السيسي الدكر مع أصحاب "الرز"، حتى من أعدائه كما بدا مؤخرا في طلبه 20 تريليون دولار من إحدى الدول- جاءت التعديلات التي تمّ وضعها على عجالة بتوجيهات مباشرة من السيسي بعد عودته من زيارة أبو ظبي في نوفمبر الماضي؛ بهدف تلافي بعض المشاكل التي شغلت المستثمرين الإماراتيين وحكومتهم في الفترة الماضية بشأن استثماراتهم في مصر ومساعداتهم للسيسي. حيث أبلغ الإماراتيون السيسي وعددًا من وزراء الانقلاب خلال الزيارة، وقبلها خلال زيارة عدد من المستثمرين لمصر في أكتوبر الماضي، بأنهم غاضبون من الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوّض السيسي الجيش في التعامل معها، وأنّ مناخ الاستثمار في مصر، لا سيما في الصندوق السيادي، لا يتسم بالأمان الكافي، وذلك بعد اكتشافهم قصورًا ومخالفات وتجاوزات في مواعيد صرف بعض دفعات المساعدات، والمدى الزمني لتحقيق الاستفادة منها، وعدم توظيف بعضها في الأغراض المخصصة لها، وطلبوا من رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي اعتماد آلية للمراجعة المشتركة لبعض البنود المالية التي أسيء التصرف فيها، وفقًا لرؤيتهم. وبحسب مصادر بمجلس وزراء الانقلاب كشفت لبعض الوسائل الإعلامية العربية عن أنّه "لا يمكن الفصل بين تعديلات قانون الصندوق السيادي وبين التعديل الحكومي الأخير الذي طاول حقيبة الاستثمار والإطاحة بالوزيرة سحر نصر التي اعتبر السيسي ومدير المخابرات عباس كامل، وهو المسئول الأول عن ملف الاستثمارات الإماراتية، أنها فشلت في السيطرة على مخاوف الإماراتيين، فضلاً عن دخولها في صراعات سرية مع محافظ البنك المركزي طارق عامر، ووزيرة التخطيط هالة السعيد، حول التصورات المستقبلية لعمل وأداء الصندوق السيادي تحديدًا. ودفع ذلك السيسي إلى نقل الحقيبة إلى رئيس وزرائه مصطفى مدبولي نفسه، والذي يستعين حاليًا باثنين من المستشارين للتواصل على مدار الأسبوع مع المستثمرين الخليجيين المستهدفين، ولاسيما الإماراتيون. ومن أجل الهدف ذاته، أعاد مدبولي إصدار القرارات الخاصة بتشكيل لجان فضّ المنازعات لضمان سرعة حلّ المشاكل العالقة، والتي لا ترتبط فقط بالمستثمرين الخليجيين، بل بجميع المستثمرين، إذ يتذرّع بعض المسئولين الإماراتيين بأنّ عدم حلّ تلك المشاكل ينعكس بالسلب على سلامة الاستثمار في مصر. منع مصر من تقييم أصولها وإلى جانب توسيع وتمدّد الصندوق السيادي ليشمل الشركات التي تساهم الدولة فيها، تلبّي التعديلات أيضًا طلبًا مباشرًا آخر من الإمارات بعدم الاعتماد على هيئة الخدمات الحكومية المصرية التابعة لوزارة المالية بشأن إجراء عملية تقييم الأصول، فتمت إضافة نصّ يمكّن الصندوق من إسناد عملية "تقييم الأصول في دفاتر الصندوق إلى أحد بيوت الخبرة العالمية، في الأحوال التي تقتضي ذلك"؛ مما يرجّح أنّ هذا الإجراء سيكون بناءً على طلب الطرف الثاني المتعاقد في الصندوق أو المستثمر فيه. وتحت عنوان تشجيع الاستثمارات الأجنبية، اشترطت الإمارات إعفاءً ضريبيًا كاملاً لعمليات الاستحواذ والشراء والبيع من خلال الصندوق، وأقرّت حكومة السيسي تسهيلاً استثنائيًا بشأن القوانين الضريبية، بالنصّ في المشروع على ردّ الضريبة على القيمة المضافة التي تسدّد من الصناديق الفرعية، أو الشركات التي يساهم فيها الصندوق بنسبة تزيد على 50 في المائة من رأسمالها، علمًا أنّ القانون عند صدوره كان يعفي من الضريبة العمليات بين الصندوق والصناديق الفرعية فقط، ولم يكن يعفي الصناديق الفرعية والشركات التي يساهم فيها الصندوق من كل الضرائب والرسوم، باستثناء توزيعات الأرباح، فضلاً عن استحداث الإعفاء من رسوم الشهر العقاري لعمليات نقل الكيانات للصندوق. رعاية الفساد وفي ضوء الإملاءات التي لا تتوقف على نظام "الدكر" باتت فكرة تحصين العقود من أولويات أي مستثمر أجنبي في مصر؛ بسبب التنازل السابق عن حق القضاء في الرقابة عليها. ووفقًا للنصّ الذي وافق عليه مجلس الوزراء، فإنه يتوجّب على المحاكم من تلقاء نفسها عدم قبول الطعون أو الدعاوى المتعلقة بتلك المنازعات، طالما أنها أتت من أشخاص غير متعاقدين، سواء كانوا من العاملين في الكيانات التي سيتم بيعها أو استثمارها أو حتى من الكيانات المنافسة. ويسمح قانون صندوق مصر السيادي باستغلال واستثمار وبيع الأملاك العامة التي من المفترض دستوريًا أنّ الدولة تديرها بالنيابة عن الشعب، بحجة أنّ تلك الأملاك هي أصول غير مستغلة، وأنّ الدولة عاجزة عن استغلالها بالصورة المثلى. إذ سيتم نقلها بعد تطبيق القانون عليها بقرار جمهوري، من حيز الملكية العامة إلى الحيز الخاص، وستضفى عليها صفة أنها من أملاك الدولة الخاصة، ما يعني أنّ حصيلة استغلال تلك الأملاك لن تخصص للمنفعة العامة، بل سيعاد تدويرها واستغلالها في أنشطة الصندوق الأخرى التي ستمارس بمعزل تام عن الأجهزة الرقابية. نزيف الأصول وبحسب تقارير اقتصادية، فإنّ من بين الأصول التي من الممكن التصرّف بها الآن، الأراضي المملوكة لشركات "الحديد والصلب المصرية" (بقيمة 500 مليون جنيه)، و"النصر لصناعة الكوك" (الفحم)، و"النصر لصناعة المطروقات"، و"الأهلية للإسمنت" في أبو زعبل، و"المصرية للجبسيات"، و"القابضة للغزل والنسيج" وشركاتها في المحافظات، و"القابضة للنقل البحري والبري"، و"القابضة للتأمين"، و"القابضة للتشييد والتعمير"، و"القابضة للأدوية"، و"القومية للإسمنت" (منها 800 فدان في حلوان)، إلى جانب المقار الحكومية بوسط القاهرة، والتي سينقل موظفوها إلى العاصمة الادارية الجديدة، قبل يوليو المقبل.