في مشهد يربط الماضي بالحاضر، ويعيد إلى الأذهان ما قد نسيته من ثورة 25 يناير والتي التف فيها الجميع ليزيل آثار فساد زاد عن 30 عاما من التجبر والقهر والقمع. تقول سهير محمد -والدة المهندس "حسام كامل"-: أصيب ابني في جمعة الغضب الأولى 28 يناير 2011 برصاص خرطوش أذهب عينه اليسرى تماما، وأجرى فيها 8 عمليات جراحية بلا نتيجة، حتى إن الخرطوش لم يخرج من العين حتى الآن وأدى إلى تهتك تماما في الشبكية. ولذا فنظره الآن ضعيف جدا يكاد لا يرى من أمامه إلا عن قرب ولا يستطيع قيادة السيارة. ومع ذلك فهذا لم يشفع له عند الانقلابيين بل هو يعاني من المطاردة والملاحقة المستمرة؛ نظرا لتأيده الشرعية وللرئيس الدكتور محمد مرسي. وبالطبع استمر ابني موجودا في اعتصام رابعة طيلة مدته ولم يكن يعود إلى المنزل إلا لفترات قليلة، وحينها لم يكن ينام على سريره تماما، بل يصر على أن يبيت على بلاط المنزل، ويقول لي إنه لا يرتاح له جنب والمعتصمون ينامون على أرض الميدان. ولذا ونظرا لمواقفه تلك وللتضييق الشديد عليه اضطر إلى ترك موقعه الوظيفي في شركة كبيرة كان راتبه فيها لا يقل عن عشرة آلاف جنيه. تتابع "سهير" في حديثها ل"الحرية والعدالة": ابني الآن لا يجد عملا من الأساس، بل والأهم أنه لا يجد حق نفقات جراحة جديدة لعينه حتى يتوقف الألم الذي تسببه له، أي أنها جراحة ليست لإعادة النظر ولكن فقط لإيقاف الألم الشديد المستمر، ومع ذلك فهو الآن لا يستطيع دفع تكاليف تلك الجراحة، ومن جهتي أعتصر عليه ألما من كل جهة، خاصة أني ليس عندي غيره وابنة أخرى، وأنا أرملة وهو الذي يعولني بعد أبيه رحمه الله. وحول شعورها كأم في كل يوم يتعرض فيه ابنها للإصابة والأذى ألا تخشى عليه، تقول: منذ أن همّ بالنزول في ثورة يناير، وعندما سألني إذا كنت أخاف عليه أم لا، حينها وجدت قوة وصلابة لم أكن أتوقعها من نفسي ووقر في قلبي أن أي شيء مقدر له سيراه حتما فليكن إذن في سبيل الله، ووجدتني أقول له سريعا: الأعمار بيد الله، انزل. بعدها وحتى الآن يقول لي إنه لم يصدق أني قلت له مباشرة "انزل". ومن المواقف التي لا ينساها "حسام" أبدا في ثورة يناير أن أحد الضباط استحلفهم بالله هو ومن معه أن ينصرفوا من أمامه سريعا لأن لديه أوامر أن يضربهم بالنار مباشرة. تضيف: من الطبيعي أني أقلق عليه وكنت أعتصر عليه خوفا وهو في ميدان رابعة، وكذلك وهو الآن مطارد، ولكن لأن كل شيء بقدر الله، فنحن على يقين أن ما هو مقدر له فسوف يراه، ولذا يراه في سبيل الله وطاعته أفضل. ورغم أن ابني لم ينل الشهادة في مذبحة رابعة إلا أن أصدقاء عمره استشهدوا جميعا وقد كانوا لي بمثابة الأبناء مثله تماما لأنهم تربوا معا، وحزني عليهم لا يقل عن حزني إذا فارقني ابني أبدا. ومن بينهم الشهيد "أحمد عبد الفتاح" حيث ارتقى بعد أن رزقه الله بطفل لم يكن يتعدى حينها الأربعة أيام، في حين وجدوا جثمانه ملقى خلف عمارات التأمين الصحي. ومما أذكره حينها من يوم المذبحة أن الضباط كانوا يهددون سكان العمارات في الميدان بأنهم سيضربونهم بالنار إذا لم يدخلوا ويلزموا بيوتهم، ورأيت الضباط يضربون الرصاص من داخل الدبابات، وخلفهم "بلطجية" يجمعون فوارغ الرصاصات. وتختتم "سهير" بقولها إنها لا تنكر أبدا خوفها وقلقها الشديد على ابنها، ولكنها عندما تتذكر أمهات الشهداء خاصة من القريبين منها تصبر وتحتسب؛ خاصة أن الجميع مصر على استكمال الطريق وإسقاط الانقلاب مهما ضحوا في ذلك أو بذلوا.