حذرت صحيفة "الجارديان" البريطانية من مخاطر التدخل في الشأن السوري من قبل القوى الغربية ودول الخليج التي رأت أن دعمهم للثوار المسلحين لن يجلب لهم الحرية كما يعتقدون، بل سيقود سوريا إلى ويلات الصراع الطائفي المتزايد، فضلا عن إشعال فتيل الحرب هناك. وأشارت الصحيفة البريطانية- في سياق تعليق أوردته على موقعها الإلكتروني- إلى أن من يقود تصعيد النزاع الداخلي هو التدخل الغربي والإقليمي، مشيرة إلى أن الزيادة الحادة في إمدادات الأسلحة والتمويل والدعم التقني من قبل الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وغيرهم التي شهدتها الأشهر الأخيرة بشكل كبير عززت من قدرات الثوار، فضلا عن التقليل من عدد القتلى. ولفتت الصحيفة إلى أن الدمار في سوريا بلغ ذروته في الوقت الراهن، وأن الذي بدأ على شكل انتفاضة شعبية قبل نحو 17 شهرًا تحول إلى حرب أهلية شاملة تغذيها القوى الإقليمية والعالمية، وتنذر بأن تغمر منطقة الشرق الأوسط بأكملها. ورأت الصحيفة أنه إلى جانب ما تشهده مدينة حلب من معارك ضارية وفظائع مضاعفة بين النظام السوري والمواليين له من جهة، ومسلحي المعارضة من جهة أخرى، وازدياد الانشقاقات في النظام الوحشي- في إشارة إلى انشقاق رياض حجاب رئيس الوزراء السوري يوم الإثنين الماضي-، فإن هناك تطورات أخرى تنذر بتفاقم حدة الصراع، واحتمال توسعه وانتقاله إلى خارج حدود البلاد، وفي أكثر من اتجاه. وتابعت الصحيفة قولها: إن إلقاء القبض على الحجاج الإيرانيين ال48 - أو الحرس الثوري الإيراني السري كما يقال- فضلا عن زيادة خطر وقوع هجوم تركي على المناطق الكردية في سوريا، وتدفق "المقاتلين الجهاديين"، يعد بمثابة جزء من هذه التطورات الجديدة. وفي سياق متصل، أوضحت صحيفة "الجارديان" البريطانية أنه رغم مقاومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مطالب الصقور الليبراليين والمحافظين الجدد إزاء إجراء تدخل عسكري مباشر في البلد الممزق، أعطى تفويضا باستخدام الأشكال الأكثر تقليدية لوكالة المخابرات المركزية "سي أي أيه" في دعمها العسكري السري للثوار السوريين. ووصفت الصحيفة الاعتماد المتنامي والسريع من قبل الشعب السوري الحالم بالكرامة والديمقراطية في ظل بلد حر، في انتفاضتهم على الدعم الأجنبي بأنه بمثابة "كارثة"- أكثر مما كان عليه الحال في ليبيا-، فبعد كل شيء يقرر مسئولو مخابرات من الولاياتالمتحدة التي ترعى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية الديكتاتوريات في جميع أنحاء المنطقة، أي من قوات المعارضة السورية ستنال من الأسلحة التي يتم دعمهم بها. ورغم إصرار نشطاء المعارضة على أنهم سيحافظون على استقلالهم، على أساس الدعم الشعبي، إلا أن دينامية الدعم الخارجي تهدد بوضوح تحول الجماعات التي تعتمد على هذا الدعم إلى "أدوات" لرعاياهم، وليس إلى أشخاص يمثلون شعوبهم. وأعربت الصحيفة عن اعتقادها بأنه نظرا لأن النظام السوري يلقي الدعم الإيراني والروسي منذ عقود من الزمن، فإن أفضل طريق يتخذه الغرب والخليج للتدخل في الانتفاضة السورية هو الاعتماد على فكرة أن كلا من إيران وروسيا يمول النظام السوري القمعي. وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن الأزمة السورية كانت ولا تزال أزمة ذات أبعاد متعددة عبرت خطوط الصدع الأكثر حساسية في المنطقة، فهي منذ البداية كانت انتفاضة حقيقية ضد نظام استبدادي، لكنها تحولت بشكل متزايد إلى نزاع طائفي، في حكومة الأسد التي تهيمن عليها الطائفة العلوية التي تمكنت من تصوير نفسها على أنها حامية للأقليات - العلوية والمسيحية والكردية- ضد موجة المعارضة التي يهيمن عليها الطائفة السنة ذات الأغلبية هناك. ولفتت إلى أن البعد الثالث في هذه الأزمة يتمثل في تحالف سوريا مع إيران وحركة المقاومة الشيعية في لبنان حزب الله، التي حولت النضال السوري إلى حرب بالوكالة ضد إيران والصراع العالمي. كما شددت الصحيفة على أن هناك فرصة أن تنتشر الحرب الدائرة في سوريا إلى الخارج وهو أمر وارد الحدوث، وتمتد إلى الدول المجاورة، خاصة وأن تركيا التي يسيطر على غالبية سكانها الطائفة العلوية مع أقلية كردية أدعت الحق في إجراء تدخل ضد المتمردين الأكراد في سوريا، عقب أن سحبت دمشق قواتها من المدن الكردية، فضلا عن ازدياد حدة الاشتباكات التي أحدثتها الحرب السورية في شمال لبنان. وخلصت صحيفة "الجارديان" البريطانية في ختام تعليقها إلى أن التدخل في سوريا سيطيل من أمد الصراع الدائر فيها، بدلا من أن يساعد في توجيه ضربة قاضية لهذا النظام، مشيرة إلى أن الضغط من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، الأمر الذي يعتبره الغرب وحلفاءه لا سبيل منه، من شأنه أن يمنح السوريين فرصة الآن لتحديد مستقبلهم ووقف غرق سوريا في ليل يكتنفه الظلام الدامس.