نسمة صيف في ليلة قائظة تجتاحه، رأسه خارج النافذة يرى تلك الأحجار الصغيرة اللامعة في سماء منتصف الليل مستغلة إنقشاع الغيوم التي تلازم مقاطعة أستورياس خلال تلك الأيام الأخيرة، يغلق عينيه في سلام مستسلماً لنسمة أخرى لكن يبدو أن رقتها تحولت إلى هواء ثقيل، يدفعه للاتجاه بنظره إلى داخل الغرفة ليرى القميص الممدد على السرير. يمسح بيده الملمس الحريري للقميص، يتأمل اللونين الأبيض والأحمر المتداخلين ، كلمة خيخون مكتوبة بخط طفولي في المنتصف يعلوه قليلاً مستطيل أزرق مع إعلان "ديبورتي أستوريانا" ، شعار Kappa على الجانب الأيمن قرب الصدر، شعار النادي يحتل الجانب الأيسر من الصدر، دائماً قرب قلب من يحمل القميص، تاج أحمر ذهبي تحته مثلث أحمر أبيض يتوسطه الحرفين الأوليين بلون ذهبي لسبورتنج خيخون، حرفين متعانقين كوردتين، يقلب القميص ليكشف ظهره، الرقم 4 مطبوع بثقة في وسط الظهر، وبالخط الأزرق العريض أعلى الظهر يسكن إسم بوبيس. يرتدي القميص الجديد للموسم ناظراً للمرأة ، يجد في الإنعكاس ساباً أشعث الرأس ، عيون زرقاء ، جه مثلث نحيف بريء لا يتناسب كثيراً مع شاب في ال24 من عمره ، أسرته شاهدت أول دقائق له كقلب دفاع السبورتنج أمام هيركوليس ختام الموسم الماضي ، عقد ينتهي في 2012 ، سيارة حديثة تضاف إلى سيارته الSmart ، حساب بنكي يتجدد شهرياً بإسم "خابي بوبيس" ، الجميع يبلغه عن "المستقبل" ، "الليغا" ، "التشكيلة الأساسية" ، "البارسا" ، "ريال مدريد". خابي يرى في الإنعكاس أيام ساحات ضاحية فوينلابرادا المدريدية ، عشرات الآلاف من مرات الإستيقاظ مبكراً كلاعب ناشيء في أتليتكو مدريد ورايو فايكانو ، رائحة الحشائش حديثة التقليم كل صباح ، في إنعكاس المرآة يجد الصبي ذو الرابعة عشرة من عمره الذي عشق لعبة إسمها كرة القدم ، إنه يخلع القميص. خابي يرى في التلفاز تقريراً تلفزيونياً عن أخر أخبار الثورات العربية ، مصادمات حركة 15 مايو مع الشرطة ، ثم ولد أرجنتيني في السابعة من عمره إسمه ليونيل كويرا تعاقد معه ريال مدريد ، أصغر متعاقد في تاريخ النادي الملكي ، ليونيل يمتلك نفس قصة الشعر ، نفس الوجه الدائري ، "أنا أحب التمريرات الحاسمة أكثر من إحراز الأهداف" ، يتحدث مع فرد من عائلته في الهاتف بعفوية من في عمره :"ألوو. انا ليو كويرا أريد أن أصبح لاعباً في الفريق الأول لريال مدريد!". الصور التالية هي لصبيين في الرابعة عشرة من عمرهما ، الكتابة الإلكترونية تشير إلى إسمي جيرارد بيكيه وهو يداعب زميله في وجهه في صبيانية ، الأخر تحت إسمه مكتوب سيسك فابريجاس ، سيسك يبدو هادئاً إزاء بهلونيات رفيقه ، يبدو شارداً مع إبتسامة خفيفة شبيهة بالتي ظهر بها على مدار الأسبوع الماضي ، مجرد "بضاعة" تتنظر شحنها إلى مصنعها الأصلي مجدداً ، اللقطة التالية هي للبيت القديم لسيسك مبنى المايسا لقديم والذي أفتتح مقره الجديد منذ يومين ، "لا فابريكا" التي تقدم جواهرها للعالم حالياً تتعهد بفتح خطوط إنتاج جديدة لها. الأسطورة تقول أن "البروفيسور" فورماثيرو أوريول تورت قبطان المايسا وأحد مكتشفي جوارديولا منذ إنطلاقها عام 1979 كان يجلس على أطراف ملاعب "الفابريكا" مكتفياً بسيجاره الشهير مشاهداً تطور البراعم الصغيرة بالمكسوة باللونين الأحمر والأزرق:"نحن لسنا فاترينة عرض ، لسنا مصنعاً للحلوى أو الشيكولاتة ، نحن مدرسة في المقام الأول ، هنا يتعلمون ما هو أكثر من كرة القدم ، إنهم يتعلمون كيف يتصرفون في حياتهم بشكل عام". بعد 32 عاماً ، وعلى بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات يقف "التلميذ" بقميص أصفر على أطراف ملعب ميامي الخالي من جمهوره يمسح قطرات العرق من على جبهته في ظل حر أمريكي قائظ. جوارديولا ينظر للملعب الخالي بعد تلقي أكبر خسارة له كمدير فني للبارسا على يد تشيفاس:"في الماضي كنا نقوم بفترات إعداد لما قبل الموسم ، الآن نحن نقوم بجولات إستعراضية ، نحن لم نحصل على الوقت الكافي لفعل ما نصبو إليه". الأمر يبدأ بمليوني يورو نظير لقاء هيادورك سبليت الودي وينتهي بقضاء يوم ترفيهي مع كوبي براينت في واشنطن ، وبعد خمسة أيام من الآن أمامه كلاسيكو السوبر الإسباني! صورة جوارديولا المثيرة للقلق تحتل موقعها إلى جانب صورة روبرتو حارس سرقسطة الجديد ، مشهراً قميصه الأحمر وعليه إسمه مطبوعاً ، قادماً من بنفيكا البرتغالي مقابل 8 ملايين يورو ، النادي العريق الذي أشهر أفلاسه دفع في حقيقة الأمر 86 ألف يورو ، رد الفعل الأكبر هو تعليق البورصة البرتغالية لنشاطات ومعاملات بنفيكا حتى يتم الكشف عن أمر بقية الملايين الثمانية ، وهو ما أجبر أجابيتو إيجليسييس رئيس سؤقسطة على إعلان وجود شركة مساهمة هي طرف ثالث وراعي للصفقة ، سرقسطة يتعهد بتسديد ديونه ال 134 مليون يورو خلال ثماني سنوات ، فيما يتفاوض على ال15 مليون التي يدين بها للاعبيه. إيجليسييس يبدو أنه يشعر بالإنزعاج :"البعض يشعر بالضيق من محاولة ريال سرقسطة تكوين فريق منافس في الليغا وهو ما نسعى إليه بجدية ، أتمنى من هؤلاء المتذمرين أن يشعروا بالضيق أيضاً من حصتنا المتواضعة في الحقيق التلفزيونية. "لا تجعل الأفكار القاتمة تشغل رأسك ، بروبرتو برانكو الأستاذ الدكتور البروفيسور في جامعة أمستردام عضو جمعية وكلاء اللاعبين الأوروبيين لديه الترياق:"كرة القدم بيزنس كبير الآن ، إنها لن تعد تلك اللعبة التي يعرفها الجميع بعد الآن ، الأندية تعتبر نفسها شركات تحاول أن تجد لها مكاناً في السوق". برانكو يبشرنا بالإستعداد للعصر الجديد في اللعبة الشعبية الأولى ، عصر الشركات الإستثمارية مثل كواليتي سبورت ، والتي تسهم من الباطن في تمويل صفقات شراء الاعبين مع ضمان عائد ربحي لزبائنها يصل إلى 10 % مع كل مليون يتم إستثماره ، وهو معدل أعلى بنحو 4 % من المعدل الذي تحصل عليه الأندية الإسبانية بالنمط التقليدي لإجراء الصفقات طبقاً لتقرير صحيفة إل باييس. من وراء كواليتي سبورت؟ ..توجد شركة CAA سبورتس أحد أكبر شركات وكلاء اللاعبين في العالم ، حيث يجلس في مكاتبها الزجاجية أسماء مثل جورجي مينديس - الأب نصف الروحي – لجوزريه مورينيو وكريستاينو رونالدو ، إلى جانب بيتر كانيون ، الذي يرافق إسمه إجراء 180 صفقة خلال فترة عمله بمانشستر يوناتيد وتشيلسي. تقرير إل باييس يكشف أن إسمي كانيون ومينديس كافيين طبقاً لعقدهما مع كوالتي سبورتس لتسهيل عملية صيد لاعبين واعدين في أندية مغمورة لهم مستقبل خلال السنوات الخمس المقبلة وبيع هؤلاء اللاعبين لأندية كبيرة. البداية تكفي مع 15 مليون يورو ك"خميرة" بالمشاركة مع شركة إيرلندية أخرى تحصل على حقوق إقتصادية للاعبين تتراوح أسعار عقودهم الحالية بين مليون و 4.5 مليون يورو على أمل بيعهم بأسعار أكبر في المستقبل. وفي ذلك التوقيت يظهر دور مينديس وزميله البريطاني في تسهيل بيع هؤلاء اللاعبين لأندية مثل سبورتج لشبونة وبراجا ، بنفيكا، أتليتكو مدريد ، وهو أطراف ترتبط بمينديس تحديداً بعلاقات عمل وثيقة ، وبالتالي ليس فقط المساهمة في تمويل هذه الصفقات ولكن الحصول على حصص معتبرة من حقوق هؤلاء اللاعبين الإقتصادية والتسوقية ، وهو ما يعني أن المادة 18 التي تمنع وجود طرف ثالث أو أطراف أخرى في أي صفقة شراء أو بيع ستذهب إلى الجحيم قريباً ، وهي المادة التي تطبق بصرامة أيضاً في السوق الإنجليزي. مينديس وكانيون لن يعرفان أبداً كيف يبدو ملعب أليانتس أرينا الذي تغيب عنه الشمس دوماً ، سماء صناعية حديدية نظر إليها مانويل نوير حارس البايرن بعد خروجه الخاطيء في لعبة يتمية من مونشن جلادباخ في إفتتاح الدوري الألماني ، كلفت البافاريين أول ثلاث نقاط في الموسم ، نوير كان ينظر في عيون ألتراس النادي الأحمر ، يعلم أنهم يريدون تمزيقه إلى 18 مليون قطعة ، نفس الرقم الذي تم دفعه فيه. إلى الجنوب قليلاً كان خابيير باستوري يغوص في مقعده بملعب حديقة الأمراء في باريس للحظات ، أقرب إلى 40 ألف متفرج يخرجون عابسي الوجه بعد خسارة فريقهم باريس سان جيرمان أمام لوريان ، باستوري- 21 عاماً - الدجاجة الأرجنتينية ذات ال 45 مليون يورو سيكون عليها إنقاذ العالم. خابي بوبيس يتابع في تلفازه ومن غرفته خبر جديد عن وفاة اللاعب الياباني ناووكي ماتسودا إثر أزمة قلبية أثناء تدريب لفريقه ، شرد للحظة إزاء القرار الذي إتخذه قبل أيام بتسليم سيارته التي سلمها له النادي ، ألغى حسابه البنكي ، وأبلغ في رسالة إلى الإدارة قراره بفسخ عقده والإعتزال النهائي لكرة القدم في سن الرابعة والعشرين. بوبيس يتلقى إتصالاً متأخراً من محطة كادينا سير الإذاعية بخصوص قراره الذي عصف بجمهور الكرة على شبكة الإنترنت والفيسبوك:"لقد إتخذت القرار بهدوء وعلى مدار وقت ليس بالقصير ، لقد إنتهى الأمر ، لقد وصلت للنهاية ، لا أريد أن أخدع نفسي في المستقبل ، لقد أحببت الكرة عندما كنت صغيراً ، لقد دخلت بمرور الوقت في واقع زائف". ويكمل بصوت هاديء واثق:"عندما تكون التنشئة بها خلل مبكر فإن الطموحات سيكون بها خلل مماثل ، كل ناشيء يريد أن يصبح كريستيانو رونالدو أن يمتلك ما يمتلكه رونالدو ، كل ما يمثله ، هذا الناشيء لا تضاف إليه أي قيمة أخرى ، حتى يتم غرسهم لتغذية نظام سيقوم بطمسهم لاحقاً ، ليس من السهل الوصول إلى لاعب بالقسمين الأول أو حتى الثاني ولكن كل شيء يتغير بعد الوصول إليه ، هناك واقع أشبه بالسيرك ، واقع مجنون ، كل ما يدور حول كرة القدم يجعل منها بيزنيس أقرب لبيع الأجساد ، لا أعلم ما هو مستقبل كرة القدم خلال 20 أو 30 عاماً ، إنها في الوضع الحالي ستدخل مرحلة تدمير ذاتي ، كرة القدم هي منفذ للهروب بالنسبة للجميع ، بالأمس هي رياضة الآن أصبحت أسلوب حياة وهو أمر يثير ضيقي عندما أعلم أن هناك عامل يعمل عشر ساعات في اليوم ، ليس لديه وقت ليفكر في كرة القدم". "أفكر في دراسة التاريخ بالجامعة ، أفكر في السفر ربما للشرق الأوسط ، أريد معرفة ما يحدث هناك على رض الواقع ، وجهاً لوجه ، لا أريد وسيطاً ، أريد وقتاً أكبر للدراسة والمعرفة". خابي يغلق هاتفه ، يأخذ نفساً عميقاً ، يغلق نافذة شباكه التي أصبحت تسمح بدخول هواء بارد في ذلك الوقت المتأخر من الليل ، يضع القميص في دولاب ملابسه برفق ، يستعد لدش ساخن قبل النوم يزيل عنه الآلام طاردته نصف عمره ، تاركاً التلفاز كما هو ، يعرض صوراً لكريم بنزمة فرحاً بعد جولة ريال مدريد الأسيوية الناجحة ، لقد بعث كريم من جديد كما يبدو عنوان الخبر :"89% من جمهور الريال يريدون بنزمة أساسياً أمام برشلونة" ، النشرة يتم إختتامها بعرض أهداف الدرع الخيري بين اليوناتيد والسيتي ، ذلك الهدف الثاني ، تلك الرقصة ، من كليفيلري إلى روني ، إلى ناني ، إلى روني إلى كليفيلري إلى ناني ، مراوغاً الحارس وإلى الشباك مباشرة ... عشر ثوان فاتت بوبيس إلى الأبد.