على ملعب ترابي محشور بين طرق العاصمة أبيدجان، تبرز بشدة مهارات الطفل الإيفواري دوهو أوليفر من بين عشرات من أقرانه يرتدون قمصانا مهترئة ويداعبون الكرة تحت إشراف مدرب محلي يحاول مساعدتهم على تحقيق حلم واحد .. وهو أن يكونوا لاعبي كرة محترفين. يقول مدرب أوليفر إن مهاراته فرضت نفسها إلى الدرجة التي جعلت نادي ليل الفرنسي يعرض ضمه على الرغم من كونه لم يبلغ عامه ال14 بعد، "ولكننا نستطيع الحصول على عقد أفضل إذا ما واصلنا تدريبه هنا نيابة عن وكيل أعماله اللبناني، وفي النهاية سيحصل كل من الأطراف الثلاثة على نصيبه من الصفقة". وأوليفر ليس حالة فريدة، وإنما هو واحد من آلاف الأطفال الإيفواريين الذين يلجأون إلى مدارس كرة غير شرعية انتشرت في شوارع كوت ديفوار بتمويل من رجال أعمال لبنانيين اتجهوا إلى التجارة في مهارات الأطفال بدلا من تجارة الماس الشهيرة، وفقا لتحقيق مطول نشرته صحيفة "أوبزرفر" البريطانية. وبحسب الصحيفة واسعة الانتشار، فإن أصحاب هذه المدارس يجتذبون الأطفال من سن التاسعة إلى 14 عاما والذين يعانون من فقر شديد لتدريبهم وبيعهم إلى أندية فرنسية ومغربية وتونسية مقابل مبالغ مالية يقتسمها المستثمر مع أهل الطفل. ولا يبدو سعي الأطفال إلى ترك الدراسة والاتجاه إلى الكرة أو تشجيع أهلهم شيئا مستعصيا على الفهم في سياق الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في كوت ديفوار، التي كانت يوما ما رمزا لازدهار الاقتصاد الإفريقي بسبب تصديرها لنبات الكاكاو. وتحل كوت ديفوار في المركز 146 في قائمة التنمية البشرية التابعة للأمم المتحدة من أصل 177 دولة. ويعاني الإيفواريون من ظروف غاية في الصعوبة منذ تقسيم البلاد في 2002 إلى قطاع شمالي يقع تحت سيطرة المتمردين وجنوبي تديره الحكومة الشرعية. وترى كثير من العائلات أن احتراف أبنائهم في الأندية الأوروبية هو المنفذ الوحيد للهروب من الفقر، لاسيما بعدما ساهمت أكاديميات تطوير الناشئين في تمهيد الطريق لكثير من اللاعبين الإيفواريين للانضمام إلى أندية القارة العجوز. وتقول والدة أوليفر الذي يعيش مع إخوته التسعة في غرفتين ضيقتين "إن كل أحلام هذه الأسرة معلقة به، نتمنى أن يستطيع السفر إلى أوروبا في الحال ونعتمد على وكيل أعماله للحصول على أعلى مقابل ممكن". اغتصاب اجتماعي وعلى الرغم من ترحيب الأهل والأطفال بتلك المدارس التي يقتطعون مصاريفها من دخولهم المحدودة، فإن هذه التجارة باتت مصدرا لقلق المسؤولين عن الكرة والمنظمات الأهلية المهتمة بحقوق الطفل.
ووجه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جوزيف بلاتر العام الماضي انتقادات شديدة اللهجة إلى الأندية الأوروبية التي تستغل أطفال الدول الفقيرة، واصفا مشاريعهم في تلك المناطق بأنها "اغتصاب اجتماعي واقتصادي". وقال في تصريحات أثارت جدلا كبيرا حينها "بعض الأندية الأوروبية تتبني سياسات دنيئة تعتمد على شراء أفضل مواهب إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية، غير عابئين بالتراث الحضاري والثقافي لهذه المناطق .. إنه اغتصاب اجتماعي واقتصادي بلا شك". وتتبنى منظمات حقوقية على رأسها "أنقذوا الأطفال" حملات لوقف استنزاف الأطفال وتحاول توعية الأهل بأخطار تحويل أبنائهم إلى سلع يتم نقلها أو تهريبها في أحيان أخرى إلى أوروبا. وتقول مديرة المنظمة هيذر كير إن العلاقة الغامضة بين كرة القدم وتجارة المراهقين تثير القلق، مشيرة إلى أن جميع العائلات تظن أن أبنائها سيصبحون نجوما يؤمنّون فيما بعد مستقبل الأسرة بكاملها، متجاهلين ما قد يترتيب على تحويل الأطفال إلى "مجرد بضائع". عبودية كروية وإذا كان المسؤولون الرسميون يستخدمون عبارات ديبلوماسية لوصف ما يحدث في بلاد إفريقية كثيرة، فإن مون إيمانويل، وهو من أوائل اللاعبين الإيفواريين الذين احترفوا في أوروبا، كان أكثر صراحة عندما قال للصحيفة نفسها إن ما يحدث في أبيدجان حاليا هو "عبودية كروية". وأضاف إيمانويل أن معظم هؤلاء الأطفال لا يعبأون بالدراسة أو العمل في سعي نحو سراب النجومية وغالبا ما ينتقلون إلى أوروبا بأوراق مزورة لينتهي 90% منهم "كقطع الخردة الكروية". وتابع "السواد الأعظم من هؤلاء سينتهي بهم الحال في المغرب أو تونس أو حتى فرنسا من دون أندية أو أموال وينامون 14 لاعبا في غرفة واحدة حتى يتم ترحيلهم". المثير أن رجل أعمال لبناني من الذين يعملون في مجال مدارس الكرة في أبيدجان وافق على تحليل إيمانويل، ولم يبد اكتراثا كبيرا بكونه "تاجرا للرقيق". ونقلت الصحيفة عن الرجل الذي اكتفت باسم عائلته "شلهوب" قوله إن عبودية الكرة موجودة في إفريقيا، وت