لم تكن تصريحات سيد متولي رئيس النادي المصري بعد إلغاء مباراة فريقه مع الزمالك مجرد تعبير عن الغضب أو الإحباط من عدم احتساب ركلة جزاء بغض النظر عن صحة القرار أو خطأه، ولكنها عكست مخزونا ضخما من الاحتقان والإحساس بالظلم عند جماهير بورسعيد. كان متولي هادئا بعض الشئ في بداية لقائه مع مراسل قناة "مودرن سبورت" بعد المباراة مباشرة وشدد على أنه كظم غيظه وتمنى لطاقم التحكيم التوفيق حتى لا يتهمه أحد بأنه يحاول إرهاب الحكام. ولكن مع مرور الوقت وازدياد أنصار النادي حوله، بدأ الرجل يفقد زمام الأمور وينفث عن بركان غضب لم يستطع إلى السيطرة عليه سبيلا. قال إن الحكم تعمد عدم احتساب ركلة جزاء وأنه ينتظر حقه من اتحاد كرة القدم أو سيكون إعلان الانسحاب من الدوري هو رد بورسعيد الوحيد. التصريح الأخطر ظهر فيما بعد عندما وجه متولي حديثه إلى سمير زاهر رئيس اتحاد كرة القدم متسائلا ماذا يتوقع حينما يحضر "جمهوره" ليجلس بجوار جمهور بورسعيد في الدورة العربية. وعندما سأله المذيع عما إذا كان يقصد جمهور مصر .. فقال له نعم! عند هذه النقطة تحول متولي من رئيس ناد رياضي إلى قائد ذي بأس يلتف حوله أبناء شعبه الصغير الذين يبغون الحماية من بطش إمبراطورية كبرى تقف على الحدود. وقف وكأنه زعيم قبيلة محاط بأتباعه ومريديه الذين التهبت أكفهم بالتصفيق عندما أعلن بيانه الثوري وتهديداته لمن يتربصون بعشيرته ويريدون إلحاق السوء بها.
هذا ليس اتهاما لأهالي بورسعيد بعدم الوطنية أو تشكيكا في مصريتهم التي أثبتوها في أكثر مناسبة واشتهروا بسببها باسم "المدينة الباسلة" ولكنه طرح لحالة احتقان واضحة للعيان لن يفلح معها التجاهل الخطير في الأمر أن متولى كان يؤمن تماما باعتقاده بأن الحكم ظلم بورسعيد – وليس المصري فقط - عن عمد والمفزع أن تقسيم الجمهور إلى "مصر" و"بورسعيد" والذي خرج منه عفويا كان تعبيرا صادقا عن إحساس كثير من أبناء المدينة الباسلة. وبورسعيد لديها علاقة متوترة دائما بالعاصمة التي هي رمز للنظام ولا عجب أنها أنجبت اثنين من أبرز رموز المعارضة وأعلاهم صوتا – مصطفى شردي والبدري فرغلي – في بلد تُمارس في المعارضة على استحياء. ولاتزال المدينة كلها تشعر بالأسى والمرارة من قرار إلغاء المنطقة الحرة في مطلع القرن الجديد وهو ما لم يؤثر فقط على الحالة الاقتصادية ولكن على ثقافة المدينة وأسلوب حياتها الذي كان متمحورا حول هذه الميزة. بل وقد يفسر هذا الاحتقان تجاه العاصمة حالة العداء الواضحة للأهلي، الذي يعتبروه في بورسعيد "نادي الحكومة" المستحوذ على كل الاهتمام والدعم من وجهة نظرهم. كما يبرر أيضا تعاطفهم مع الزمالك الذي يشعر أنصاره أيضا بالاضطهاد ويؤمنون بفكرة تحيز الجميع لغريمهم الأحمر. هذا ليس اتهاما لأهالي بورسعيد بعدم الوطنية أو تشكيكا في مصريتهم التي أثبتوها في أكثر مناسبة واشتهروا بسببها باسم "المدينة الباسلة" ولكنه طرح لحالة احتقان واضحة للعيان لن يفلح معها التجاهل ومناقشة موضوعية لتصريح مفزع تكمن خطورته في مدلوله وليس في الموقف الذي قيل فيه. لا نريد لحالة الاحتقان تلك أن تتعاظم حتى لا نواجه كابوسا تعيشه إسبانيا يتمثل في الانتماء الشديد للأقاليم على حساب الكيان الأم ونخشى من تحول إحساس البعض بالتجاهل في بورسعيد وغيرها من مدن الأقاليم إلى نعرات تتعاظم حتى تهدد في يوم من الأيام الأمان الاجتماعي لهذا البلد.