يثير فيلم «التائب» للمخرج الجزائرى مرزاق علواش العديد من الأسئلة حول إمكانية أن تصدُق توبة، أو عودة، أو مراجعات مَن حمل السلاح فى وجه مواطنيه وروّع الآمنين فى ممتلكاتهم وأرواحهم، وارتكب المذابح والمجازر باسم الدين؟ وهل يمكن لهذه الجماعات الإرهابية التى أعلنت الجهاد ضد المجتع الإنسانى «الكافر» أن تتخلى عن عقيدتها وأن تتعايش مع أفراده، وأن تؤمن بحق الاختلاف وتنتهج الحوار سبيلاً وبديلاً لاستخدام السلاح فى قتل الأطفال والنساء وذبح الرجال والشباب كما كانت تفعل الجماعات الإسلامية المسلحة فى الجزائر أو غيرها من الدول الإسلامية؟ وهل يمكن العفو أو الصفح عن هؤلاء دون محاكمتهم عمّا اقترفوه من جرائم؟ أسئلة تتردد فى أوساط المجتمعات الإسلامية التى عانت من إرهاب تلك الجماعات، فى ظل ما يسمى التوبة أو المراجعات التى توحى بتخلّيهم عن العنف الدموى والعودة إلى الحوار وأنه من الممكن التعايش مع المجتمع دون تكفيرٍ أو إرهابٍ أو ترويع!! يطرح مرزاق علواش هذه الأسئلة وغيرها عبر فيلمه «التائب» -المُحْكم فنياً- مراجعاً ومناقشاً لقانون «الوئام المدنى» الذى أصدره الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة فى سبتمبر عام 1999 وبمقتضاه يتم العفو عمن يعلن توبته -من هذه الجماعات- ويسلّم سلاحه، وتتعهد الدولة بأن توفر له فرصة عمل شريفة، وهو ما فعلته مع الإرهابى التائب «رشيد» بطل فيلم علواش، حيث أمّنت له الشرطة عملاً فى أحد المقاهى رغم رفض صاحبها لوجوده.. «لا تنادِنى أخى فأنا لست أخاك»، كما نسمع تعليق أحد زبائنه الكاره لهؤلاء: «قبل ذلك كان ممكناً أن أطلق الرصاص على رأسه دون أن أتعرض لعقاب»!! يحاول مرزاق إثبات اعتراضه ورفضه للقانون الذى يحمى من أجرم فى حق وطنه وشعبه من خلال الإشارة إلى أن بطله ما زال يحمل فى أعماقه روح الرفض والكراهية لهذا المجتمع، ولا يتورع عن القتل ثانية، إضافة إلى أنه لا مانع عنده من المتاجرة بقبور الشهداء الذين شارك فى اغتيالهم، وابتزاز ذويهم للحصول على ملايين الدراهم.. بل ويكاد يقطع بأن توبته زائفة وأنه ما يزال على اتصالٍ بقاعدته الإرهابية التى لا يتردد أفرادها فى إطلاق الرصاص على أهل الطفلة الذين اقتادهم «التائب» إلى مكان موحش فى بطن الجبال مُوهمهم أنه سيدلّهم على قبر ابنتهم التى اختطفوها منذ خمس سنوات، فى حين تتعالى صيحات الإرهابيين: الله أكبر.. مختلطة بصوت الرصاص!!! إن ما نراه الآن فى شوارع وميادين مصر على امتدادها، وكذا فى العالم العربى، من دماء يتم سفكها واستحلالها باسم الدفاع عن الإسلام.. دين المودّة والرحمة والعدل، وهؤلاء الذين يمارسون أقسى وأقصى أنواع العنف ضد مخالفيهم، ربما يؤكد صدق رؤية مرزاق علواش فى أن توبة هؤلاء زائفة، فهل ما سُمّى بمراجعاتهم ما هو إلّا فرصة لالتقاط الأنفاس للعودة للانقضاض مرّة أخرى.. لاستلاب الوطن.. وسحق مواطنيه!