يبدو أن السينما مرآة الشعوب. تلك المقولة تذكرتها بعد العودة من ميدان التحرير ومشاهدة القنوات الفضائية التى تستضيف الاخوان ليعلقوا على عودة المصريين للميدان وكما هو المعتاد خلطوا الحق بالباطل وتجبروا وعاثوا فى الفضائيات فسادا بتعليقات مستفزة ,أغربها ادعاء واحدة منهن أنها ذهبت للميدان فوجدت نصفه من الفلول. ولا أعرف كيف تعرفت عليهم هل لهم ثلاثة عيون أو لونهم أخضر أم يحملون شارات مثل النازيين. كل هذا ذكرنى بفيلم المخرج الجزائري مرزاق علوش (التائب) الذى يعرض فى مهرجان القاهرة السينمائى.. وأدعو الجميع لمشاهدته لانه يتكلم عن العشرية السوداء وهى شبيه بالجماعات الاسلامية فى مصر التى لو تركت لفعلوا بنا مثل ماحدث فى الجزائر. والمخرج الجزائري مرزاق علوش مثير دائماً للجدل، يحدث حالة من الحوار حول أحقية الإبداع في فضح حقيقة البلد المنتمي إليه أمام العالم, وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجب الاقتراب منها وإن كان هو من عاشقي تعديها بجدارة وكان آخرها فيلمه «التائب» المشارك فى المسابقة الرسمية للافلام العربية فى مهرجان القاهرة السينمائى والمخرج الجزائري المخضرم مرزاق علواش فاز عن فيلمه «التائب» للمرة الثانية وللعام الثاني على التوالي بجائزة أفضل فيلم روائي عربي فى مهرجان الدوحة- ترابيكا السينمائي في دورته الرابعة، وقالت لجنة التحكيم التي ترأستها الفنانة التونسية هند صبري إن لجنة التحكيم وبالإجماع اختارت منح جائزة أفضل فيلم روائي عربي لفيلم «التائب» نظرا لما في هذا الشريط من «شحنة قوية ومتنوعة من المشاعر ولأسلوبه الدقيق في معالجة شخصيات مركبة في لحظة مأساوية من وجودهم ومن تاريخ وطن». ..والفيلم عرض أيضا في برنامج «نصف شهر المخرجين» في مهرجان «كان» السينمائي الدولي في دورته الخامسة والستين.. ورغم أن الفيلم يدعو إلي تجاوز مأساة ما يسمي بالعشرية السوداء في تاريخ الجزائر، ولكن من خلال أطروحة تعيد قراءة الأحداث, وهذا ما حاول تقديمه «علوش» بعد انقطاع 18 عاماً، منذ (1944) والذي نال شهرته بفيلم «عمر قتلاتو» (1976)، ثم «باب الواد سيتي» عام 1994، والذي أخرجه في أكثر أوقات الجزائر حرجاً، عندما كانت الجماعات الإسلامية تستخدم المجازر البشعة لكل من يخالفها الرأي.. فكان «باب الواد سيتي» بمثابة صرخة ضد الإرهاب والتعصب, ولكن الجزائريين يرون أن الأمر مختلف مع فيلمه الجديد «التائب»، لذلك هناك حملة إعلامية شرسة في الجزائر ضده وصلت إلي حد التخوين والطعن في النزاهة الفنية. وعن قصة حقيقية حاول علوش في «التائب» مناقشة ما فعلته السلطات الجزائرية لمساعدة الناس علي تجاوز ما حدث بالعشرية السوداء بميثاق «السلم والمصالحة الوطنية»، مما أدي إلي عودة مئات الشبان أصحاب الفكر المتطرف والميالين إلي العنف من الجبال إلي أهاليهم، وهذا مثل ما حدث من مراجعات دينية للجماعة الإسلامية في مصر، مما خلق نوعاً من الأمل يراه علوش مزيفاً، لذلك كان رافضاً «قانون الوئام المدني» لأنه يراه تبييضاً لصورة القتلة دون الحصول علي حقوق الضحايا، وهذا ما أكده من خلال السيناريو المكتوب من التسعينيات ولكن لم يجد أحداً ينتجه. وقد أكد علوش في العديد من اللقاءات أن الشعب الجزائري يعاني من «صدمة» ما بعد الأحداث ولا يريد للأمور أن تتغير جراء الخوف، مما عاشه في تاريخ قاس جداً، ويلقي باللائمة علي الجمود العائد إلي الخوف. وكل تلك الآراء التي يهاجم بسببها يطرحها في «التائب» من خلال شخصية «رشيد» العائد من الجبل، ويصور الفيلم رفض قريته له باستثناء رجل ومطلقته يأملان قبول «التائب» باسم الصداقة القديمة التي جمعتهما به، في عهد ما قبل «العشرية الدامية» بأن يدلهما علي قبر ابنتهما التي خطفت وقتلت علي يد الجماعات المسلحة.. فيغادر قريته إلي المدينة ليجد له مسئول الأمن عملاً في مقهي لا يتواءم معه صاحبها. ورغم اختيار المخرج لممثل يقوم بدور «رشيد» علي وجهه ملامح البراءة ويؤكد في حواره أنه لم يقتل أحداً تظل الشكوك موجودة حول ما يفعله ليصبح هو الآخر ضحية لما جري.. رغم أنه تواطأ مع شبكة إجرامية لابتزاز عائلات الضحايا المفقودين في سنوات الإرهاب، من خلال إيهامهم بأنه يعرف قبور ذويهم المفقودين، ويمكن أن يدلهم عليها مقابل فدية مالية. ولقد استخدم «علوش» كثيراً أسلوب الصمت يقابلها صمت السلطات علي ما جري وكذلك صمت المجتمع, ومن خلال يكون التساؤل عن إمكانية العفو، وعدم محاكمة المتطرفين الذين ارتكبوا عمليات قتل الأبرياء. وفي الجزء الأخير من الفيلم تتبلور الفكرة من خلال الرجل ومطلقته والتائب متواجدين في السيارة التي تقودهم إلي قبر الابنة البريئة المقتولة، التي يدلهم عليه في مقابل مبلغ من المال.. وخلال الرحلة يعترف التائب بما فعل وبينما لا يريد الأب المعرفة تصر الأم علي معرفة كل شيء.. لتجيء نهاية الفيلم مفتوحة بلا إجابات عما سيحدث حالياً ومستقبلاً في الجزائر.. وهل سيكفي غرس رؤوسنا في الرمال لتكون المصالحة, وهل سيظل الهجوم علي أمثال مرزاق علوش صاحب «الرجل الذي كان يحدق إلي النوافذ» (1986)، خاصة بعد فيلمه «حراقة» عام 2009، و«نورمال» (2011). فهل ستظل الجماعات الاسلامية تعاملنا كالقطيع وتحاول التخلص من معارضيها إننى أدعو المصريين لمشاهدة هذا الفيلم ليعرفوا من هم الجماعات التى تتكلم باسم الدين، فالجماعة الإسلامية في الجزائر كما فى مصر جمعت شتاتاً غير متجانسة, فهناك من كان في الهجرة والتكفير، وهناك من كان في الإخوان, وهناك من كان في التيار السلفي الذي لا يؤمن بالتكفير, وهناك من جاء من الخارج من أفغانستان, وطبعاً جلب معه المتناقضات الموجودة في أفغانستان» وبدأت موجة من أعمال العنف التي استهدفت مدنيين كالمعلمين والمدرسين والموظفين والإعلاميين والمفكرين والأجانب وخاصة بعد الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ.