تؤكد خبرة القرن العشرين أن الديمقراطية هى النظام السياسى الأمثل الذى استقرت كل شعوب الأرض، إلا قليلاً، على اعتباره المعبر الحقيقى عن الحاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للجماهير. وهذه الخبرة ليست نتيجة مناقشات نظرية فحسب، بل إنها نتاج خبرات الشعوب المؤلمة التى جربت قبل الحرب العالمية الثانية النظم السياسية للنازية فى عصر «هتلر»، و«الفاشية» فى عهد موسولينى. وهذه النظم السياسية المتخلفة قامت على أساس القمع السياسى للمعارضين، ومحو التعددية السياسية والحزبية، وانفراد حزب سياسى واحد بمجمل الفضاء السياسى، وفرض أيديولوجية مضادة للإنسان على الجماهير. وقد مارست هذه النظم العنصرية بكل أشكالها، كما سعت إلى غزو كثير من البلاد سعياً وراء توسيع مجالها الحيوى، عن طريق استعمار الشعوب واحتلال أراضيها الوطنية. وقد قضت الحرب العالمية الثانية، التى انتصر فيها الحلفاء، على ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، والتى انتهت عام 1945. غير أنه بقى بعد ذلك الاتحاد السوفيتى، الذى كان نظامه نموذجاً للديكتاتورية والاستبداد، بالإضافة إلى بلاد شتى سادت فيها نظم سلطوية متعددة، من بينها كل البلاد العربية بلا استثناء. إلا أن «الموجة الثالثة» للديمقراطية سرعان ما اكتسحت العالم، وهكذا تساقطت قلاع الشمولية والسلطوية قلعة إثر قلعة. ووصل المد الديمقراطى إلى بلادنا عن طريق «ثورات الربيع العربى» التى اشتعلت فى كل من تونس ومصر وليبيا واليمن. وهكذا يمكن القول أن ثورة 25 يناير فتحت الباب واسعاً وعريضاً أمام الشعب المصرى بملايينه المتعددة للانتقال من السلطوية الغاشمة إلى آفاق الديمقراطية الرحبة. والديمقراطية ليست مجرد نظام سياسى، بل إنها فى جوهرها أسلوب حياة متكامل. فهى تقوم سياسياً على الحوار والتفاهم السياسى وتداول السلطة ونبذ العنف بكل صوره، والاحتكام إلى نتيجة الانتخابات النزيهة والشفافة، والقبول المطلق بنتائجها دون اعتراض غوغائى، أو دفوع شكلية مصطنعة. ولذلك حين ينادى قادة جماعة «الإخوان المسلمين» أنه إذا نجح فى انتخابات الرئاسة أحد مرشحى «الفلول» فإن هذه النتيجة مرفوضة وستكون على جثث أعضاء الإخوان المسلمين، فإن هذا السلوك يعد عدواناً خطيراً على قيم الديمقراطية التى ترفض العنف، ويسلم فيها الخصوم السياسيون بالخسارة لو خسروا، بل إنهم فى الدول العريقة فى الديمقراطية يقومون بتهنئة الفائز فى الانتخابات. ويكفى أن نلقى نظرة على الأداء الديمقراطى الحضارى فى فرنسا حين خسر الرئيس «ساركوزى» الانتخابات الرئاسية فاعترف فور إعلان النتيجة بالهزيمة، وقام بتهنئة خصمه الاشتراكى «أولاند» الذى نُصِّب منذ أيام رئيساً للجمهورية. لم تخرج للشوارع مظاهرات غوغائية، ولم تُقدَّم للمحاكم قضايا وهمية تعترض على النتيجة، وتثير الدفوع الشكلية والموضوعية، ولم تتناثر التهم الزائفة عن تزوير الانتخابات. وتم تداول السلطة فى هدوء شديد وفق التقاليد والأعراف الديمقراطية الراسخة. ولذلك حين تصرح حركة «6 أبريل» بأن مرشحاً من مرشحى «الفلول» لو فاز فى الانتخابات فإنها ستنظم مظاهرات مليونية تنزل إلى الشوارع احتجاجاً واعتراضاً على النتيجة فإن هذه التصريحات التى تدعو لاستخدام العنف تؤكد أن بعض التيارات الثورية لا تؤمن حقيقة بقيم الديمقراطية، وأخطر من ذلك أنها لا تحترم، لا هى ولا جماعة «الإخوان المسلمين»، الاختيار الشعبى الديمقراطى. ليس هناك سوى القبول بنتائج صندوق الانتخابات، فهذه هى الخطوة الأولى فى مسار الديمقراطية الطويل الحافل بالتحديات والزاخر بالمشكلات. الثقافة الديمقراطية هى الحل، وليست تقاليد الفوضى، ولا الدعوات الدينية المتطرفة!