كان للصوت الانتخابى أثر أكبر، حين كان هو الوحيد الذى يقرر وصول شخص معين إلى سدة الحكم أو إلى المجلس النيابى أو إلى المجلس المحلى، لكن الديمقراطية تغير وضعها ومفهومها وواقعها للصوت الانتخابى، فى الانتخابات الرياسية، أو فى الانتخابات النيابية، أو فى الانتخابات المحلية، شأن كبير، ما لم يكن الوعى مزيفاً أو الصوت مزوراً، وهو أمر كثير الوقوع فى بلاد العالم النامى، أو البلاد التى تحبو فيها الديمقراطية، قبل أن تشتد ويصلب عودها. وقد كان للصوت الانتخابى أثر أكبر، حين كان هو الوحيد الذى يقرر وصول شخص معين إلى سدة الحكم، أو إلى المجلس النيابى أو إلى المجلس المحلى، لكن الديمقراطية تغير وضعها ومفهومها وواقعها؛ إذ لم يعد من يحصل على أغلبية الأصوات محصَّناً يضمن بقاءه فى السلطة طوال المدة المحددة له، بل إن الديمقراطية اتسع شأنها وتغير حالها، فأصبح إلى جانب التصويت الانتخابى، مُجتمع مدنى يراقب الأداء وينقد أى انحراف فيه، وجمعيات أهلية وحقوقية تمارس نفس الشىء بأسلوب ممنهج، ونقابات قوية تؤدى دوراً حيوياً فى الرقابة على أعمال السلطات المنتخبة، وأولاها رياسة الدولة؛ وصحافة قوية محايدة تقدم التحليل السليم للأحداث، وقد تمارس -من خلال بعض الكتاب- تقييماً (تقويماً) علمياً مبسطاً لكل واقع وأى حدث، واجتماعات تعقد من حين لحين لتناقش أمراً معيناً أو أموراً محددة من أمور الدولة أو السلطة التشريعية، أو السلطات المحلية أو غيرها، يضاف إلى كل ذلك أن الشعب نفسه، وبكل طوائفه وأفراده، يمكن -لو أُحسن توعيته وتنويره- أن يقف إلى جانب الصواب الدائم، وليس ما تُخيله إليه السلطة الحاكمة من أنه صواب دائم مع أنه عوار أُحسن طلاؤه لتزيف الوعى العام بالإعلام الضال أو الكتاب المُضلّين، الذين قد يزعمون أن الخطأ صواب، وأن الهزيمة نكسة، وأن التهور شجاعة ووطنية.. .. .. إلى غير ذلك. وصوت هذا أثره، لا بد أن يكون حراً من أى زيف، طَليقاً من أى تزوير، لكن ذلك أمل لا وجود له فى بلد كمصر حالاً (حالياً)، يقال إن الأمية الأبجدية فيها تبلغ 40٪ (أما الأمية السياسية فهى تكاد تكون بنسبة 90٪) كما أن 40٪ من عدد المواطنين يقعون تحت خط الفقر (أما الذين يعيشون حول خط الكفاف فلا تقل نسبتهم عن 40٪ كذلك)، لهذا وذاك فإن الانتخابات تجرى على تزييف الوعى الذى يستقطب الكثيرين من الأمّيين، أمية أبجدية أو أمية سياسية؛ كما أنها تجرى على استغلال لحاجة المحتاجين أو عَوز المُعدَمين، وهم نسبة تكاد تصل إلى 60٪ من مجموع الذين يصوتون بالفعل فى أى انتخابات، ومن هذا، تجرى الانتخابات التى هى سياسية فى الأصل والفصل، على أن تكون طائفية تهدف إلى الفرز الدينى، أو اقتصادية تستغل الحاجة إلى عون من الطعام أو مدد من الدقيق أو الزيت وغيرها من المواد التى يستحيل على نسبة كبيرة جداً ممن هم تحت خط الفقر أو حول خط الكفاف أن يحصلوا عليها، وانتخابات تجرى بتزييف الوعى، أو تزوير الإرادة، هى انتخابات معدومة، لأثرها المعيب ونتائجها الخطرة، ولهذا يكون من الأفضل قبل إجراء أى انتخابات أن يتم تنوير الناس، بالعلم والثقافة والفطنة وحسن التمييز وقدرة الحكم بالعدل، ولقد نشرنا عدة مرات، منذ أكثر من عشر سنوات، مقالات متتالية تهدف إلى أن يكون التنوير قبل الديمقراطية، وبغير ذلك لن تكون انتخابات قط، بل فرز دينى أو عوز اقتصادى، ويقصد بالتنوير كل ما هو ضد الظلامية والتعتيم، بمعنى أن تتكتل النخبة أو الصفوة على قصد معين هو رفع مستوى الشعب من الجهالة والضلالة إلى التنوير والفهم الصحيح؛ وهو مجهود ضخم ومضنٍ لكن لا بد منه.