لقد عانت مصر لفترة طويلة من تاريخها من تسلط حكم عسكرى استبدادى قام بتمكين النخبة العلمانية من الوزارات الأخطر فى الوطن مثل وزارة الإعلام ووزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وغير ذلك، ولا يسمح تماماً فى أى من هذه الوزارات ولا غيرها بتصعيد قيادات ذات هوية إسلامية أو انتماء وطنى حقيقى غير الانتماء للنظام العام الحاكم فى البلاد. ثم أنعم الله تعالى على الأمة بهذه السلسلة المباركة من ثورات الربيع العربى وارتفع سقف الحرية ونظر الناس أخيراً إلى بعضهم البعض واجتمعت الجزر المنعزلة واطلع كل طرف على حسنات وعيوب الأطراف الأخرى فى البلاد. ثم بعد الثورة المصرية تسلط الجيش (وعلى رأسه المجلس العسكري) على الحكم باعتباره حامى الثورة والشرعية والدولة المصرية، وهتف الناس فى مصر بتأييده وتشجيعه حتى ظهر منه البطش والعدوان والسير على خطى المخلوع وقتل الناس فى مسرح البالون ومحمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية وغير ذلك، وهتف ثوار مصر جميعاً هذا الهتاف العظيم: «يسقط يسقط حكم العسكر». واستمر الهتاف ضد العسكر فى الشوارع، ولكن يبدو أن الصفقات والترتيبات استمرت فى الغرف المغلقة، وعلى كل حال لا بأس، المهم هو ظهور الهتاف النبيل ضد حكم العسكر لأول مرة بهذه الطريقة بعد انقلاب يوليو العسكرى عام 1952م. سأقف عند هذه المرحلة من عمر ثورتنا لأقفز على الزمن وأصل إلى اللحظة التى نحن فيها، حيث يقف أحد أهم قادة ما يسمى المدنية فى بلادنا ليصرح لإحدى الصحف بأنه لن يكون مندهشاً إذا نزل الجيش ليمارس مسئوليته فى منع الفوضى وحماية الوطن!!! ماذا؟؟؟؟ الجيش يتدخل فى الشئون السياسية المدنية يا حضرة الإنسان الحر المدنى الوطنى الديمقراطى!!! ويمر الأمر بسلام لنجد أن هذا الشخص يصرح لإحدى وكالات الأنباء الأجنبية بأنه ينتظر بيانات إدانة قوية من الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا بخصوص القرارات الأخيرة ماذا؟؟؟؟ أمريكا وأوروبا تتدخلان فى الشأن الداخلى المصرى يا حضرة الإنسان الحر المدنى الوطنى الديمقراطى!!! إننى أتساىل بحرقة وحيرة: كيف يفكر هؤلاء؟ وهل هذه حقاً معارضة؟ وما المطلوب بالضبط من أجل نيل رضا أمثال هذا الإنسان الحر المدنى الوطنى الديمقراطى؟ يبدو والله أعلم أن مرسى ومن حوله فهموا المسألة وأدركوا أنها لعبة مصالح لا أكثر، ولذلك فيمكن ترضية قادة المعارضة الوطنية هؤلاء ببعض المناصب هنا أو هناك وستمر الأزمة على خير، وليس هناك ما يدعو للقلق فالثورة انتهت والسياسة فى النهاية تتم إدارتها من الغرف المغلقة وانتهى الأمر! لقد سئمت من هذا الذى نحن فيه. فحين يكون الهدف من المعارضة هو تمنى فشل من يحكمون ولو كان فى ذلك هلاك للأوطان فهذه خيانة لا معارضة. وحين يكون تأييد الرئاسة مستمراً بغير تبرير ولا تفكير ولا إعادة نظر فى أى من قراراتها فهذا إلغاء للأذهان وهدم للثورة من أساسها وليس تأييداً على الحقيقة. إنما التأييد والمعارضة أيها الناس أن نتعاون بإخلاص وصدق نية لله تعالى فيما اتفقنا عليه ثم يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. فهل سنسنطيع قريباً أن ننظر إلى ما قيل لا إلى من قال؟؟؟ الله المستعان.