لماذا تأخرت الأحكام عن الذين ارتكبوا أخطاء فادحة من الجنود في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو؟ لماذا يحاكم الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر أمام محاكم عادية ونحن في حالة ثورة والثورة هي التي قادتهم إلي المحاكمات؟ لماذا البطء الذي وصل إلي الإعلام العالمي وأوصل محامي المتهمين إلي طلب البراءة وكأن الشهداء الذين سقطوا والعيون التي أطفئ نورها بسبق اصرار وترصد قد انتحروا وفقأوا أعينهم بأيديهم؟ ألف لماذا توجه إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة وأوصلتنا إلي احتقان أدي إلي علاقة ساءت بدرجة مخزية بين الشعب والجيش مما انتهزها الإخوان المسلمون فرصة للانفراد بالبسطاء لدرجة بث خبر علي CBC في شريط الأخبار يوم 82 يناير يقول: »الجمهور يغادر التحرير والإخوان المسلمون يشكرون الجيش علي عدم الاصطدام بالشعب«؟ لماذا يضعون النار علي البنزين بهذه الدرجة؟ حتي أن الشباب خرجوا عن القضية الأصلية وأصبح العسكر هدفا وسقوط العسكر هدفا دون النظر إلي أشياء كثيرة أولها العدو المتربص بنا والذي ينتهز فرصة التفسخ بين الشعب وجيشه ليعيد ترتيب أوراقه علي أساس ان الأمة ترفض العسكر؟ بصرف النظر عن الموقف. ألف لماذا.. وتتساقط كل الأسئلة كأوراق الخريف ليقفز سؤال لطفل في السادسة من عمره حطمني وأنا لا أنظر إلي أسئلة الأطفال نظرة سريعة أو اعتبر انه لا يفهم ولكن أنظر إلي أسئلتهم علي أنها جزء من معمار نفسي ينمو ويكبر ويستقر ويصبح من الصعب اقتلاعه!! الأطفال أصبحوا يحملون علي الأكتاف ويمارسون حياتهم مع الأسرة في ميدان التحرير ولا يفهمون هل هو عيد أم مولد الحسين أو السيدة زينب؟ ويسمعون الهتافات ويرددونها كما الببغاوات والأهل يتقاذفون الكلمات. الواد قال يسقط حكم العسكر؟ الواد قال الرئيس قبل الدستور؟ يقولون ذلك وهم لا يفهمون ان الأطفال يرددون الكلمات وتسقط داخلهم وكأنها أشواك تدخل في عجائن تتشكل من جديد. ان الثورة كانت فرصة ليحفظ الأولاد العلم المصري ويسترزق الناس في الميدان برسمه علي وجوههم وفرصة ليعرفوا ان الإنسان يثور إذا أحس بالظلم. ولكن أن يدخل الأطفال في دهاليز الهتافات ويرددونها مثل الببغاوات فهنا يكمن الخطر. وسألني مراهق في الرابعة عشرة: هما حيلغوا التجنيد علشان اللي حصل من العسكر؟ هنا أسقط في يدي وأحسست ان العلاقة لم تعد بين سلطة مؤقتة للعسكر أعلنها المشير لمبارك قبل التنحي حينما ألح عليه في قبول الوزارة أو يكون نائبه (المعلومة في كتاب الكاتب الكبير صلاح منتصر) ورفض الرجل تماما أي منصب. الخلط أصبح نتيجة الهتاف الدائم الذي لم يكن هتافا خطأ ولكنه هتاف لم يعمل فيه حساب لضعاف العقول والسذج والأطفال إلي درجة أن يعتقد المراهق أن شرف الجندية وتأدية الخدمة العسكرية التي توصل للشباب انتماءهم والتزامهم بالوطن سوف تلغي أصلا!!! حدث خلط شديد الخطورة بين النظرة المؤقتة لحكم المجلس العسكري وبين الجيش وانتماء الشباب للجيش ذلك الانتماء الذي ظل طقسا من أهم طقوس الانتماء للوطن وواجبا ينتظر كل جامعي ينتهي من دراسته ليؤدي واجبه في عام التجنيد في جيش الوطن!! الخلط وصل إلي عظام الأمة ومتنها من أطفالها وشبابها. الهتاف أصبح طقسا من الطقوس التي تؤكد الانتماء للثورة. وهذا الهتاف ليس جريمة ولكنه يدخل في التركيبة النقية في علاقة الشعب وجيشه تلك العلاقة التي يجب ألا تشوبها شائبة ولا يجب أيضا أن يشعر المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن هذا الهتاف هو موقف دائم أبدي انه موقف يواكب الثورة ويستلهم من البطء الشديد في تنفيذ الأحكام والمراوغة للافلات من العقاب الذي فرضه الله قصاصا لقتل الشهداء. هذا البطء الذي جعل الشعب يلوذ بأولي الأمر وهم المجلس الأعلي للثوات المسلحة للمطالبة بمحكمة ثورة والتي تتوافق مع الحدث لكي يشعر أهالي الشهداء أن هناك احتراما لدماء أبنائهم وبناتهم ويشعر الثوار الذين نجحوا هذا النجاح الذي شهد له العالم في ازاحة رأس النظام ثم في تنفيذ الانتخابات بشكل ديمقراطي رغم بعض التجاوزات ولكنها كانت تأكيدا لإرادة الثوار الشباب نحو إقامة ديمقراطية وبرلمان مختلف. هتافات الشارع المصري تواصلت لعدم تنفيذ الأحكام!! وكان يجب أن يفطن المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي أولويات مطالب الثوار وهي الأحكام الرادعة والتي شرعها الله لمن قاموا بالقتل العمد سواء بالرصاص الحي أو بالدهس بالسيارات المتوحشة للشرطة والتي سجلتها الكاميرات وأصبحت وثيقة لا تقبل الشك، وقد قامت مجموعة من الشباب بعمل فيلم شديد المقدرة علي توصيل الثورة وما حدث للثوار باسم (الثورة خبر) من اخراج بسام مرتضي وتصوير مصطفي بهجت ونورا يونس مديرة موقع »المصري اليوم« الإليكتروني والكاتبة الصحفية سماح عبدالعاطي في »المصري اليوم« وصناع الفيلم أحمد رجب وسمير عادل وأحمد عبدالفتاح وأسجل هنا أسماءهم لأنهم أصحاب وثيقة مهمة ليوم 82 يناير وما قبله.. وثيقة تقدم للمجلس الأعلي لتؤكد ما قدمه هذا الشعب العظيم من دماء من أجل وطنه وأنه يستحق العقاب عن هذا التأخر المخزي للأحكام للذين تمكنوا من اهانة شباب الثوار بالقتل وفقء العيون والاعاقات. لا أخرج عن متن مقالي وهو الطفل الذي سوف يحرس الوطن من خلال انتمائه لجيش مصر العظيم أو تماسكه مع الثوار الذين أنقذوا مصر ونقلوها نقلة حضارية وبإفاقة شديدة المقدرة ومواجهة بالعقل والجسد والتضحية بالنفس حتي أوصلتنا الثورة إلي بداية بناء مصر الجديدة الحرة المحررة. اجلسوا مع أطفالكم وتحدثوا معهم ووثقوا علاقتهم بالجيش واشرحوا لهم هذا الوضع المؤقت العصبي بين الشعب والمجلس العسكري وليس بين الشعب والجيش تلك العلاقة التي تسمو علي كل العلاقات لأنها تحمل شرف الوطن.. اجلسوا مع أطفالكم وصبوا في عقولهم معني الثورة واصرار الثوار علي الوصول إلي تحقيق وطن يليق بالمصريين العظماء.