أنا مندهش من الاعتذارات التى يقدمها الآن مَن كانوا يؤيدون الإخوان، وكانوا يراهنون على أنهم ما داموا قد تنسموا نسيم الحرية فإنهم حتماً سيحترمونها، ويؤيدون الدولة المدنية ويتخلون عن أسلوب المراوغة، وكانوا يراهنون على أن جلوس الإخوان على كراسى الحكم وهم من ذاقوا مرارة المعتقلات، سيجعلهم يحسون أكثر بقيمة الحرية التى افتقدوها فى زمن مبارك. آخر هؤلاء المعتذرين كان د.وحيد عبدالمجيد، أستاذ العلوم السياسية الكبير والمفكر الاستراتيجى الضليع، الذى لم يراهن فقط على الإخوان، بل نزل على قائمتهم الانتخابية فى انتخابات مجلس الشعب، واعتبره البعض المحلل والمنظر الاستراتيجى الذى يلجأ إليه الإخوان لوضع «التاتش» الليبرالى على صورة تنظيم لم يعترف بالديمقراطية طيلة تاريخه، ولجأ فى أحيان كثيرة إلى القتل والدم، حسماً لخلافات سياسية المفروض أن تحل بالحوار والديمقراطية، وعندما تشكلت اللجنة التأسيسية، وهى تحمل كل هذا العوار فى قانونها ونِسب تشكيلها، دفع الإخوان بالدكتور وحيد إلى صدارة المشهد كوجه مقبول ومتحدث رسمى يستطيع إقناع التيار الليبرالى بهذا الدستور الطالبانى المشوه، لم يتحمل ضمير الرجل أن يشارك فى صياغة هذا الدستور، لأن التاريخ لا يرحم، وكان سيضعه حتماً على قائمة فقهاء السلطان الذين لا لحية لهم! لكن السؤال كما فى أغنية عبدالحليم حافظ، بعد إيه بعد إيه أبكى عليه واشتاق إليه؟!!، التوقيت مهم بالنسبة للمثقف، لو كان الدكتور وحيد من آحاد الناس عابرى السبيل من بسطاء الشارع محدودى الفكر والخيال لكنتُ قد عذرته لانتظاره حتى صدور هذا الإعلان الدستورى الذى أعلن سقوط مفهوم الدولة فى مصر. المثقف هو زرقاء اليمامة لهذا الوطن، ومثلما رصدت زرقاء اليمامة من على البُعد، واستشعرتْ الخطر القادم لا بد للمثقف أن يرصد ويحلل ويتنبأ، ليس بالتنجيم، ولكن بناء على علم السياسة الذى تعلمه ويُعلِّمه للناس، التوقيت مهم يا دكتور وحيد، فالرجل البسيط الذى اقتنع بكلامك ومبررات انحيازك للإخوان ومنحهم الصوت ووقّع لهم على بياض هو فى رقبتك أنت. ماذا يفعل هذا الرجل باعتذارك الآن بعد أن سيطر هذا الفصيل الفاشى على مفاصل الوطن من جيش وشرطة وتعليم، وها هو يقتحم بميليشياته القضاء والإعلام؟!، لذلك أقول اعتذارك جاء بعد فوات الأوان. هل يا دكتور وحيد وأنت تترشح على قائمة الإخوان، هل لم تكن قد سمعت «طظ فى مصر» التى قالها المرشد السابق مهدى عاكف؟، هل لم تكن قد قرأت، وأنت المثقف المؤرخ الواعى الحصيف، محطات الدم الإخوانية مع النقراشى والخازندار وعبدالناصر والسادات؟، هل لم تعاصر وتستمع إلى الوعود الإخوانية التى قدِّمت أثناء حكم المجلس العسكرى وبعد المجلس العسكرى وتم التراجع عنها بداية من مقاعد المجلس والترشيح الرئاسى وحتى مشروع النهضة وإنجازات المائة يوم؟! اعذرنى يا دكتور وحيد فأنا أحترم ثقافتك وأحترم تاريخك ولكنى وغيرى ممن كانوا يقرأون دراساتك السياسية المتعمقة لا نستطيع قبول اعتذارك بعد أن فقد هذا الاعتذار قيمته وانتهى تاريخ صلاحيته.