شهدت مصر فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، سيلاً من الأحزاب الجديدة، وصل عددها إلى جانب الأخرى القديمة الموجودة على الساحة السياسية منذ زمن، إلى ما يقرب من 104 أحزاب فى الوقت الحالى معظمها لا يملك المال ولا الكوادر ولا القواعد الشعبية. مصر شهدت بعد ثورة 25 يناير سيلاً من التكتلات والأحزاب الجديدة.. بدأت ب«تيار الإسلام السياسى» وانتهت ب«الليبراليين» ومرت عملية تأسيس هذه الأحزاب بموجتين مختلفتين، أولاهما مرحلة ما بعد الثورة مباشرة، وكان الهدف منها إدارة الدولة وفرض أيديولوجية معينة، وكانت هذه المرحلة بداية تدشين أحزاب الإسلام السياسى مثل «الحرية والعدالة والوسط والنور»، فى مقابل أحزاب أخرى ليبرالية، منها «المصرى الديمقراطى ومصر الحرية والمصريين الأحرار». أما الموجة الثانية من الأحزاب فنشأت على حطام بعض الحملات الرئاسية مثل حزب «مصر القوية»، الذى أسسه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، المرشح الرئاسى السابق، وحزب «المؤتمر»، الذى أسسه الدكتور عمرو موسى، المرشح الرئاسى السابق أيضاً. وشهدت المرحلة الجديدة من تاريخ الأحزاب، بعد 25 يناير، تدفقاً فى سيل المال السياسى من عدة أطراف، لضمان كسب أصوات المواطنين فى الانتخابات، بعدما كان هذا الأمر مقتصراً على «الإخوان» والحزب «الوطنى» فقط، فى مرحلة ما قبل الثورة. وعلى الرغم من هذا التدفق الهائل فى المال السياسى، فإن غالبية الأحزاب ليست ممولة من رجال أعمال كبار، باستثناء قلة قليلة، مثل المصريين الأحرار والوفد والنور السلفى والإخوان، وباقى الأحزاب اعتمدت على تبرعات أعضائها أو على صغار رجال الأعمال الذين انفضوا عن دعم هذه الأحزاب بعد 30 يونيو، خوفاً من الاتهام بدعم حزب سياسى يعارض النظام الجديد، وفقاً لدراسة للباحث أحمد عبدالحميد حسين، بعنوان: «إشكالية التمويل فى العمل الحزبى». «سلامة»: سطوة المال السياسى ستؤثر على تمثيل الفئات الضعيفة مثل الشباب والمرأة ويرصد حسين مصادر تمويل الأحزاب، وأنها متمثلة فى 3 موارد أساسية، حصرها قانون الأحزاب القديم الصادر عام 1977، وتعديلاته المتتالية، حتى التعديل الأخير فى 2011، المصدر الأول متمثل فى اشتراكات العضوية، التى تتراوح واقعياً ما بين 100 و250 جنيهاً للعضو فى العام، وهى لا تكفى بأى حال لكى يقوم الحزب بصرف رواتب موظفيه الإداريين، ودفع إيجار المقرات فى المحافظات ومصاريف الفعاليات والأنشطة والمعسكرات والدعاية. أما المورد الثانى، وفق الباحث، فيأتى عن طريق استثمار الحزب لأمواله فى صحيفة أو فى مطبعة، وهما النشاطان الوحيدان المسموحان للحزب فقط كأنشطة تجارية بنص قانون الأحزاب القديم وتعديلاته الصادرة فى 2011، وهذان الموردان غير متوفرين لدى أغلب الأحزاب، خصوصاً الجديدة منها. وأما المورد الثالث، فهو يأتى من تبرعات ممولين متعاطفين مع الأحزاب، وهم ينقسمون ما بين ممولين يمثلون رجال أعمال صغار ومتوسطى المستوى أو رجال أعمال كبار. ورغم تعديل المجلس العسكرى، فى 2011، لبعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، المتعلقة بتأسيس الأحزاب، رصدت دراسة حديثة لمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» أن معظم بنود التمويل، بقيت كما هى، باستثناء نقطة واحدة إيجابية وهى إعفاء الأحزاب وأنشطتها ومقراتها من الضرائب. وبخلاف ذلك لم تقدم التعديلات التى تمت على قانون 40 لسنة 77، فى أعوام 1980 و1994 و2005 و2011، أى معالجة للقيود الصارمة على تمويل الأحزاب، بل على العكس فقد تم إلغاء المادة رقم 18 بالتعديل الأخير فى 2011، والخاصة بدعم الدولة للأحزاب، التى بموجبها تحصل الأحزاب على دعم مالى من الدولة. وتجاهلت هذه التعديلات، وفقاً للدراسة، كل مطالب الأحزاب فى رفع الحظر على حقها فى استثمار أموالها فى مشروعات تجارية، تدر عائدها لصالح الحزب وتطويره، وأبقت التعديلات على الحظر المفروض على الأحزاب فى قبول أى تبرع أو ميزة أو منفعة من أجنبى أو من جهة أجنبية أو حتى شخص اعتبارى ولو كان متمتعاً بالجنسية المصرية، بل ويلزم القانون الحزب بالإعلان عن اسم المتبرع له، وقيمة التبرع فى واحدة على الأقل فى الصحف اليومية، إذا زادت قيمة التبرع فى المرة الواحدة على 500 جنيه، أو على 1000 جنيه فى العام الواحد، وهو ما يعنى عملياً إرهاق ميزانية الحزب، وتحميله نفقات للإعلان ربما يفوق قيمة التبرع ذاته. «فهمى»: مجلس النواب المقبل سيأتى ب«وجوه سيئة».. وسيتسرب إليه عدد من نواب «الوطنى» ولا يتضمن القانون تسهيلات أو إغراءات تحفز على التبرع ذاته ووضع عوائق المتبرع ذاته، فهو يمنع تبرعات المؤسسات الاعتبارية مثل الشركات، كما لا يخصم ما تم التبرع به من الوعاء الضريبى لهذه الشركات. من جانبه، قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ السياسة العامة والخبير فى الشئون السياسية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، إن «المال السياسى سيؤثر بشكل كبير على الانتخابات البرلمانية المقبلة، لا سيما أن هناك عدداً من الأحزاب تتخبط، ولا يوجد لديها مصادر تمويل»، مؤكداً أن «ثمة عدداً كبيراً من رجال الأعمال سيلعبون دوراً كبيراً فى العملية الانتخابية المقبلة، كما أن قواعد اللعبة ستكون متغيرة تماماً، من خلال ضخهم ملايين فى شراء مقرات أحزاب ونواب جاهزين، بالإضافة إلى أنهم يملكون المال والأعمال ويمكنهم الإنفاق على الإعلان والدعاية بشكل كبير». وأضاف «فهمى» ل«الوطن» أن السبب الرئيسى لضخ هذه الملايين هو تحريك الأجواء السياسية لصالح هؤلاء رجال الأعمال، مشيراً إلى أن ما سنشهده فى الانتخابات المقبلة، يعد ميراثاً للدولة البوليسية التى كنا نعانى منها طيلة السنوات الماضية، وسنحتاج إلى وقت طويل لتغيير هذا الموروث. وأوضح «فهمى» أن البرلمان المقبل سيأتى بوجوه سيئة عن طريق تسرب عدد كبير من نواب الحزب الوطنى إلى المجلس، وفقاً للمؤشرات المطروحة على الساحة. وأكد الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن «سطوة المال السياسى ستؤثر على تمثيل الفئات الضعيفة كالشباب والمرأة، لا سيما أنهم غير قادرين على المنافسة أمام رجال الأعمال ونوابهم»، مشدداً على أهمية أن «تكون هناك ضوابط رادعة منفذة وأن تُفرض محاسبة حقيقية على المخالفين، وأن تساند الدولة المرشحين الشباب.