يبقي نظام تمويل الحملات الانتخابية الزائر الدائم علي كل انتخابات للرئاسة الأمريكية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والتي ستعقد في 4 نوفمبر القادم، يحتدم الصراع علي التمويل بين كل من مرشحي الحزب الجمهوري السيناتور جون ماكين ومرشح الحزب الديمقراطي السيناتور باراك أوباما. خاصة بعد أن نجح الأخير في جمع أكثر من 340 مليون دولا، في حين جمع منافسه جون ماكين 160 مليون دولار فقط. وذلك وفقا لأحدث الإحصائيات التي نشرتها لجنة الانتخابات الفيدرالية Federal Election Commission. وفي ظل القيود المشددة التي تفرضها لجنة الانتخابات الفيدرالية حول حدود التبرع إلي المرشحين، نحج المرشح الديمقراطي باراك أوباما في صناعة معجزة جديدة لم تشهدها انتخابات الرئاسة الأمريكية طوال تاريخها، وذلك بعد أن بلغ حجم التبرعات الصغيرة - قيمتها أقل من 200 دولار- النصف تقريبا من إجمالي حجم التبرعات التي حصل عليها أوباما. خاصة بعد أن تبرع له مليونا أمريكي بمبالغ صغيرة بدأت من 3 دولار ولم تتجاوز ال200 دولار. ويذكر أن إجمالي حجم التبرعات التي حصل عليها اوباما بلغ 340 مليون دولار وفق إحصائيات لجنة الانتخابات الفيدرالية. ووصف تحليل نشرته صحيفة النيويورك تايمز The New York Times أن أوباما يسعي لتحقيق هذا الإنجاز منذ أن بدأ حملته في فبراير عام 2007. وأضافت الصحيفة أن أوباما يرغب في أن يكون أول مرشح رئاسي يحقق استقلالية في التمويل دون الاعتماد علي كبار الممولين الذين غالبا ما يدخلون سباق جمع التبرعات لتحقيق طموح سياسي فيما بعد. وأضافت الصحيفة أن أوباما عمل علي خلق نظام تمويل شعبي مواز كي يتجنب الحاجة إلي الحصول علي التمويل الذي تمنحه الحكومة الفيدرالية Public Fund، وهو تمويل تمنحه الحكومة الأمريكية لكل من مرشحي الحزب الجمهوري والديمقراطي في الانتخابات التمهيدية والعامة من دافعي الضرائب الأمريكية بموجب 3 دولارات من كل مواطن؛ ويشترط أن يوافق المواطن علي دفع هذه المبلغ الضئيل عند التوقيع علي إقراره الضريبي. ويقدر حجم التمويل الفيدرالي كل انتخابات رئاسية وفق مؤشرات خاصة بالاقتصاد الأمريكي في الوقت الذي تعقد فيه الانتخابات؛ من ضمنها معدل التضخم. وقد تم تقديره هذا العام بحوالي 85 مليون دولار. وللمرشح الحق في رفض أو قبول هذا النوع من التمويل وفي حالة قبوله يلتزم بسقف إنفاق يحدده قانون الحملات الانتخابية، كما يحظر أن يتلقي أي تمويل من المؤسسات والأفراد. أما في حالة رفض المرشح للحصول علي التمويل الفيدرالي فيصبح لديه الحق في إنفاق ما يريد دون التقيد بسقف إنفاق محدد، بالإضافة إلي أن له الحق في الحصول علي تبرعات من قبل الأفراد والمتبرعين كما يشاء. ويعتبر "مركز رسبونسيف بوليتكس" Center Of Responsive Politics أن حملة أوباما نجحت في ابتكار آليات جديدة للحصول علي هذا القدر الكبير من التبرعات الصغيرة. ومن ضمنها استخدام الإنترنت بشكل جيد، فبالرغم من أن حملة ماكين بدأت قبل أوباما في الحصول علي التبرعات عبر الإنترنت إلا أنها لم تنجح في أن تجعل الإنترنت مصدراً أساسياً لتمويل الحملة الانتخابية بعكس أوباما. وتعطي صحيفة النيويورك تايمز مثالا علي التكتيكات التي استخدمتها حملة أوباما لجمع التبرعات، وتقول الصحيفة أن أوباما كان قد أقام سباقا للسيارات باسمه وكان علي كل من يحضر السباق أن يسجل بريده الإلكتروني؛ وبمجرد أن عاد كل من حضروا هذا السباق وجدوا علي بريدهم الإلكتروني رسائل من حملة أوباما تطلب منهم التبرع كما تضمنت الرسالة معلومات وافية حول وضع أوباما المالي وكم يحتاج من التبرعات. هذا الي جانب أن الرسالة طلبت من كل شخص أن يعتبر نفسه في حملة ويبدأ في جمع التبرعات عن طريق الإنترنت والاتصال بمراكز الحملة في حالة وجد أي صعوبة وتضيف الصحيفة أنه بهذا التكتيك وغيره وصل عدد المتبرعين لأوباما عن طريق الإنترنت أكثر من مليوني متبرع وذلك في عاما واحد. صحيفة الوشنطن بوست The Washington Post نشرت تحقيقا صحفيا Investigative Reportمطولا حول تكتيكات أوباما في تمويل حملته، كتبه الصحفيان ماثيو موسك Mathew Mosk و أليك ماكجيلز Alec Mac Gilles واستغرق إعداده عدة أشهر، ويقول التحقيق إن أوباما نجح في ما لم ينجح القانون الأمريكي في تحقيقه، وهو عمل توزان بين كبار المتبرعين ذوي المصالح وصغار المتبرعين الذين يمثلون المواطن العادي في الولاياتالمتحدة. إلا أن التقرير يقول أنه بالرغم من أن نصف التمويل كان من صغار المتبرعين إلا أن كبار المتبرعين لعبوا دورا حرجا في حملة أوباما. دور كبار الممولين ويضيف التقرير أن ما أطلق عليهم "أصحاب المال والقوة" لعبوا دورا حاسما في الرقم القياسي الذي حققه باراك أوباما، وهذا انعكس بشكل غير مباشر علي الآراء والمواقف التي اتخذتها حملة أوباما. فمن خلال 79 ممولاً وهم عدد الممولين الكبار في حملة أوباما نجح كل منهم في خلق شبكته في جمع التبرعات، بواقع 200 ألف دولار حجم التبرعات الذي جمعته كل شبكة علي حدة وذلك كحد أدني. فقد نجح كبار الممولين في حملة أوباما في تجنيد أكثر من 27 ألف متبرع كتب كل منهم شيكا بمبلغ قدره 2,300 دولار وهو الحد الأقصي لكل متبرع طبقا للقانون الأمريكي للانتخابات الفيدرالية. ويقدر التقرير أن حجم المتبرعين الذي ساهموا بأكثر من 200 دولار بلغ إجمالي حجم تبرعاتهم 240 مليون دولار. ويضيف الصحفيان اللذان أجريا التحقيق الصحفي في أكثر من 20 ولاية أن قائمة كبار المتبرعين تضمنت العديد من الذين يريدون بعض النفوذ عندما يعتلي أوباما سدة الرئاسة في البيت الأبيض. ومن ضنهم ممولو المرشحين الديمقراطيين التقليديين وكبار المحامين وكبار رجال الأعمال في وول إستريت Wall Street، بإلاضافة إلي ممولين جدد ظهروا علي الساحة لأول مرة في هذه الانتخابات وهم من صناعة أوباما، ومنهم كبار المساهمين في مجموعة سيلكون فالي Silicon Valley وشيكاغو بيسد ديفوليبر Chicago-based developers وكذلك نخبة من رجال الأعمال الأفرو أمريكيين Afro-American. ويكشف التقرير أن قائمة كبار الممولين لحملة أوباما تتضمن متبرعين من أكبر 18 شركة محاماة ومجموعة كبيرة من كبار سماسرة بورصة وول إستريت، لهم أسهم في أكثر من 500 شركة عملاقة في الولاياتالمتحدة. ويضيف أن ولاية كاليفورنيا California تحتل المصدر الأول في حجم التبرعات التي حصل عليها حملت أوباما. تليها في ذلك ولاية إلينوي Illinois مسقط رأس أوباما، ومدينة واشنطن دي سي Washington Dc. ومن ضمن رجال الأعمال الذين يساندون أوباما كنيث جريفن Kenneth Griffin وهو رجل أعمال ثري لم يتجاوز عمره 39 عاما قام بإعلان دعمه لأوباما بمجرد أن أعلن ترشيحه للرئاسة، وفي نفس الوقت خصص فريقا للعمل لممارسة الضغط علي الكونجرس لحثه علي تعديلات خاصة بضرائب يقف ضدها أوباما. ويقول التقرير أنه منذ عام تقريبا دعا دعا جريفين أوباما كي يتحدث إلي موظفي مجموعة سيتاديل الاستثمارية Citadel Investment Group للتبرع لحملته. وفي الشهور القليلة التي أعقبت زيارة أوباما للمجموعة قام الموظفون وعائلتهم بالتبرع بأكثر من 200 ألف دولار. يذكر أن جريفن كان في قد قام في الماضي بدعم منافس أوباما عن الحزب الجمهوري في انتخابات الكونجرس الأخيرة. أوباما من جانبه قام بمقاومة الضغط الذي يمارسه اللوبي الذي كونه جريفين من أجل تعديلات في قانون الضرائب، خاصة أنه لا يتفق معه في هذا الموضوع وله مواقف سابقة في الكونجرس تخص هذا الشأن. لذا شكك العديد من أعضاء حملة أوباما في أن يستمر جريفن في دعم أوباما إلا أن العديد من المراقبين توقعوا العكس حيث أن دوافع جريفن في دعم أوباما أكبر من مجرد مجموعة تعديلات في قانون الضرائب. ويعقد التقرير مقارنة بين إسلوب إدارة الرئيس بوش للممولين في حملاته الانتخابية عام 2000 و2004 وأسلوب أوباما، حيث يصف أسلوب بوش بأنه كان رائعا وجديدا في ذلك الوقت حيث هيكلا إداريا لمتابعة الممولين وقسمهم إلي نوعين "جواله و رواد" "Rangers and Pioneers " لخلق منافسة بين الممولين ومسابقة ومكافأة الفائزين بجوائز رمزية مثل أحزمة جلدية. أما أوباما فقد صمم ما أطلق عليها "لجنة التمويل القومية" وتعمل بنظام جديد حيث يشعر كل ممول أنه جزء من حمله أوباما. وتعقد اللجنة مؤتمرات أسبوعية عن طريق الهاتف واجتماعات كل عدة أشهر والتي يناقش فيها الممولون مع أوباما أو مساعديه ومستشاريه أوضاع الحملة ويستمعون إلي آرائهم في كافة الموضوعات. ويقول التقرير أنه في أحد الاجتماعات اقترح أحد الممولين أن تربط الحملة بين التكلفة التي تتكبدها الولاياتالمتحدة في الحرب علي العراق وما يعانيه الاقتصاد الأمريكي؛ والمفاجأة أن أوباما ألقي خطابا كاملا في هذا الشأن بفيلادليفيا. وقبل أن يلقيه أرسل نسخه من خطابه للذين حضروا هذا الاجتماع ليضعوا التعديلات اللازمة. ويقول أنتوني ليك Anthony Lake الذي خدم كمستشار للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، أنه التقي العديد من المرات مع المساهمين في حملة أوباما، وقد منح صلاحيات أن يتحدث معهم والسماع لآرائهم حول الموضوعات المختلفة وحثهم علي جمع مزيد من المساهمات. ويضيف ليك أنه ذلك كان جزءاً مفضلاً لديه حيث وجد أن المساهمين متجاوبون بشكل كبير ومعظمهم يشعر أنه مستشار لأوباما وقلما كان أحد منهم يتخلف عن الاجتماعات فالجميع حريص علي الحضور. ويستطرد التقرير قائلا أن أوباما بدأ منذ عامين مخططه لتكوين شبكة قومية من المتبرعين بشكل غير تقليدي بالتزامن مع تطوير تكتيكات الاعتماد علي صغار المتبرعين وذلك قبل أن يعلن ترشيحه للرئاسة في فبراير 2007. في ذلك الوقت شكل أوباما لجنة برئاسة بيني برتزكرPenny Pritzkher مالك فندق حياة في شيكاغو والذي رأس لجنته لجمع التبرعات في انتخابات الكونجرس عام 2004 أيضا. ونجحت تلك اللجنة في الحصول علي تأييد العديد من كبار رجال الأعمال أمثال مارك جيلبرت Mark Gilbert رئيس مجموعة فلوريدا الاستثمارية Florida Investment ولويس ساسمن Louise B. Susman رئيس مجموعة سيتي جروب Citigroup والذي رأس مدير التمويل بحملة السيناتور جون كيري للرئاسة الأمريكية في عام 2004.