أكد خبراء اقتصاديون أن المنظومة الضريبية المطبقة حالياً لا تحقق العدالة الضريبية التى تؤكد عليها الحكومة فى أكثر من مناسبة، مشيرين إلى أن هذه المنظومة «ميزة» للأغنياء و«عبء» على الفقراء، وأكدوا أن الحكومة بالغت فى تقديراتها بشأن زيادة الإيرادات الضريبية المستهدفة لهذا العام نحو 105 مليارات جنيه أى بنحو 33% عن العام الماضى، بدون تخوف من أن يتحمل محدودو الدخل أعباء تلك الزيادات غير الواقعية، على حد تعبيرهم. قال رضا عيسى، الخبير الاقتصادى، إن المنظومة الضريبية المطبقة فى مصر حالياً لا تحقق العدالة الضريبية؛ فهى «عبء» على المواطنين و«ميزة» للأغنياء. وأوضح، فى تصريحات خاصة ل«الوطن»، أن أصحاب رأس المال الخاص لا يتحملون نصيباً يذكر من تمويل الأعباء الضريبية فى مصر، وتفيد بيانات الموازنات العامة أن الضرائب على أرباح شركات الأموال مثلت نحو 24% من إجمالى إيرادات الدولة الضريبية بين 2008 و2012، أى نحو الربع، ونحو 47% من إجمالى حصيلة الضرائب المباشرة للفترة ذاتها. الحكومة بالغت فى توقعاتها بزيادة الحصيلة إلى 105 مليارات عن العام الماضى.. ومحدودو الدخل سيتحملون الزيادة وأضاف: من واقع بيانات الموازنة العامة للدولة فإن هيئتى البترول وقناة السويس أسهمتا بنحو 70% من الضرائب على الشركات رغم أنهما هيئتان عامتان مملوكتان للدولة ولعموم الشعب المصرى، وبالتالى فالدولة تدفع ضرائب لنفسها تحت مسمى «ضرائب الشركات». كما أن البيانات تشير إلى أن الهيئة العامة للبترول وشركاءها الأجانب يساهمون بنحو 54% من إجمالى الضرائب على الشركات فى الفترة (2008-2012) بواقع 13% من إجمالى إيراد الدولة ونحو 20% من إجمالى الحصيلة الضريبية. وأشار «عيسى» إلى أن الدولة تتجه إلى الضرائب غير المباشرة كالضريبة المضافة والضرائب على السجائر لتمويل الموازنة دون الإضرار بالاقتصاد المصرى، فى حين رضخت لضغوط المستثمرين وأجلت أو جمدت ضريبة البورصة، ولا تلقى بالاً إلى أن الضرائب غير المباشرة هى ضرائب استهلاكية تتحملها القاعدة الواسعة من المواطنين من خلال التصرف فى دخولهم، ولا يكون فرضها على القدرة على الدفع بل على الاستهلاك، وبالتالى فهى أدوات ضريبية لا تحقق العدالة الاجتماعية من قريب أو بعيد بقدر ما تحقق للدولة حصيلة إيرادات، وأبرز مثال لها «الضريبة المضافة». ووصف الخبير الاقتصادى توقعات وزارة المالية بشأن الحصيلة الضريبية للعام المالى 2015/2016، التى اعتمدتها الوزارة بزيادة تقدر ب«105 مليارات جنيه» عن العام المالى الماضى، ب«غير الواقعية»، فى ظل الأوضاع الاقتصادية التى تشهدها البلاد. وقال إنه بتحليل الحسابات الختامية ل8 أعوام مالية مضت سنجد أن وزارة المالية لا تعتمد مثل هذه الزيادة فى موازناتها، خاصة أن القيمة المستهدفة فى الموازنة العامة للدولة كل عام لا نحقق منها أكثر من 90% فقط من المتوقع. وتساءل «عيسى»: من أين ستأتى وزارة المالية بهذه الحصيلة بعد أن أجلت ضريبة 10% على الأرباح الرأسمالية للبورصة، وتم تخفيضها بعد تخفيض الضرائب على الشركات إلى 22.5% فقط، بعد أن كان يتوقع وصولها إلى 25%؟ وإذا فرضت ضريبة 5% على الأغنياء (التى تم إلغاؤها)، فهل ستعتمد على ضريبة القيمة المضافة المستهدف تطبيقها بدلاً من ضريبة المبيعات، أم أنها ستحملها للفقراء ومحدودى الدخل؟ وشدد على أن تطبيق «القيمة المضافة» سيصاحبه بلا شك زيادة فى الأسعار حيث إن هذه الضريبة ستفرض على سعر بيع المنتج أو الخدمة، أى سيتحملها المواطن فى النهاية. ويرى الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن المنظومة الضريبية فى مصر تحتاج إلى إصلاح حقيقى يحقق الصالح العام بما لا يضر المواطن والمناخ الاستثمارى مع توفير إيرادات للخزانة العامة للدولة فى ظل تزايد عجز الموازنة سنوياً مع ارتفاع الدين العام. وأشار «عبده» إلى أن الحكومة لم تتعامل مع قرار تأجيل ضريبة البورصة بالشكل الصحيح فتأجيل القانون والتراجع عنه لمدة عامين لم يعالج بالشكل الأنسب، وكان لا بد أن توضح الحكومة ماذا ستفعل بعد قرار التأجيل، وما إذا كانت ستخوض جولة من المفاوضات للاستقرار على صيغة ترضى الطرفين مع إيجاد إيراد للدولة، خاصة أن الخزانة العامة تحتاج لكل جنيه إيراد جديد لدعم العجز فى الموازنة، لا سيما أن الدين العام تجاوز نسبة 95% من الناتج الإجمالى، ولا بد أن نتحمل جميعاً، مستثمرين ومواطنين، المسئولية التى تقع على عاتقنا حالياً من مساندة الدولة، التى تحتاج لكل إيراد ضريبى أو غير ضريبى لإعادة النهوض. «لطفى»: أطالب بإجراء إصلاحات على المنظومة الضريبية.. و«فاروق»: ما زالت تحمل مخاطرة من جانبه، طالب على لطفى، رئيس وزراء مصر الأسبق، بإجراء إصلاحات جذرية على المنظومة الضريبية التى تتبعها الحكومة فى الوقت الحالى، مشيراً إلى أن هذه السياسة تعد مناخاً خصباً للتهرب الضريبى الذى يضيع على مصر أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً خاصة مع تجاوز المتأخرات الضريبية نحو 82 مليار جنيه، معظمها على الشركات الكبرى، فى حين تطالب الدولة المواطنين بسداد مئات الجنيهات ما قد يشكل عبئاً عليهم. وانتقد «لطفى» ما سماه «الرضوخ الحكومى» أمام المستثمرين ورجال الأعمال فيما يتعلق بإقرار ضريبتى القيمة الإضافية على أصحاب الدخول المرتفعة، بالإضافة إلى ضريبة الأرباح الرأسمالية على الأغنياء والبورصة، رغم أن الحصيلة من هاتين الضريبتين لا تتجاوز 7 مليارات جنيه، كما أنها لا تمثل عبئاً كبيراً على المواطنين. وأشار رئيس الوزراء الأسبق إلى أن تعديل المنظومة الضريبة بما يحقق العدالة فى الضرائب المفروض أن يؤدى إلى جذب الاقتصاد غير الرسمى، كما أنه سيجعل المواطن يقبل الضريبة دون تذمر، أما أن تطبق الضرائب على المواطنين العاديين ويتم إلغاؤها أو تأجيلها عندما يتعلق الأمر بأصحاب الدخول المرتفعة فهذا أمر غير مقبول. وقال الدكتور عبدالخالق فاروق، رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية، إن وزارة المالية بَنت تقديراتها بشأن الإيرادات الضريبية على نظرة تفاؤلية مبالغ فيها حيث إن المؤشرات الاقتصادية خلال العام المالى الجديد فى مجملها وإن كانت جيدة فإنها ما زالت تحمل مخاطرة عالية خاصة أن الاقتصاد المصرى لا يزال فى عنق الزجاجة. وأوضح أن وزير المالية أشار فى بيانه المالى إلى اعتماده على الإصلاحات الضريبية التى قام بها، وهذا غير منطقى فجميع الإصلاحات التى تحدث عنها من ضريبة ال5% -ضريبة الأغنياء- وضريبة 10% على الأرباح الرأسمالية للبورصة، تعتبر ملغاة، ولم يتبقّ غير ضريبة القيمة المضافة، وهناك تخوفات من تسببها فى زيادة الأسعار، وهذا هو سبب ترددهم فى الإعلان عن موعد تطبيقها حتى الآن.