بالأمس جرى لقاء حميم مؤثر فى دار المشاة، أحد مقار الجيش المصرى، الذى يغيب شيئاً فشيئاً عن المشهد المصرى، وهذا نذير مخيف، إنه نذير النذر، ولعلى أفسر ما ألمح إليه فيما بعد، الاجتماع سنوى، يدعو إليه اللواء عبدالمنعم خليل، آخر من تبقى من قادة الجيوش التى حاربت فى أكتوبر، ومن قبل فى حرب الاستنزاف، وهو من جيل القادة العظام أمثال محمد فوزى، وعبدالمنعم رياض، وعبدالمنعم واصل، والفريق مرتجى وغيرهم، هؤلاء قادة لم يمسسهم شىء، خدموا وخرجوا أمثلة على التضحية والفداء والنزاهة الأخلاقية والمادية، كان اللواء عبدالمنعم خليل قائداً لكتيبة المشاة «53» التى تمركزت فى أبوعجيلة، وخاضت معارك شرسة خلال العدوان الثلاثى عام 1956، منذ ذلك التاريخ يدعو قائدها المحارب القديم، الذى أمضى عمره كله فى التشكيلات، إلى حفل سنوى فى ذكرى المعركة الأهم والأبرز التى خاضتها الكتيبة فى الرابع عشر من أكتوبر، لقاء مؤثر، يرحل من يرحل، يغيب من يغيب، ومن تبقى وأمد الله فى أعمارهم يلتقون ويتأملون ويتحدثون، بالأمس عدت من الإمارات العربية فى السادسة مساء على مصر للطيران، اتجهت مباشرة إلى اللقاء المؤثر، ذى الدلالات المتعددة، لألبى شرف الدعوة التى وجهها إلىّ اللواء عبدالمنعم خليل، فى نفس الوقت يجرى الإعداد لوقفة كبرى يوم السبت، السابع عشر من نوفمبر، الوقفة دعا إليها عدد من المحاربين القدماء، الذين يسودهم قلق عميق على مصير الجيش، وأوضاعه التى يسودها الغموض فى سيناء خاصة، قال لى اللواء طيار محمد زكى عكاشة إن عشرات الآلاف ضحوا بحيواتهم من أجل هذه الأرض الغالية التى تُستلب الآن، ويحيط مصيرها الغموض، يقول آخرون من المحاربين المتقاعدين، أفضل صفة «المتقاعد» عن «القديم»، ما تزال أرواحهم متوهجة، وخلال العام الأخير لاحظت تعدد المبادرات الخاصة بعيداً عن أى أجهزة أو مؤسسات، حضرت الحفل السنوى الذى يقيمه اللواء محيى نوح وزملاؤه من رجال المجموعة 39 لإحياء الذكرى، ذكرى إبراهيم الرفاعى وزملائه من الفدائيين، فى هذا العام كان تكريم مؤسس الصاعقة الفريق جلال هريدى، ويوم الجمعة الماضى أقام اللواء متقاعد حسن العجيزى، أحد ألمع رجال الصاعقة، أمد الله فى عمره وشفاه، أقام حفلاً لتكريم زملائه وقادته وفى مقدمتهم الفريق جلال هريدى، أما وقفة المحاربين القدماء بعد غد فبواعثها عديدة؛ القلق على سيناء، التى حاربوا من أجلها، والقلق على الجيش نفسه، الذى غابت أخباره مؤخراً وغاب حضوره والشعور به، ليس مطلوباً من الجيش أن يكون تحت الأضواء، ولكن مطلوب الإحساس بوجوده، ثمة أقاويل كثيرة حول مصيره وتحجيمه وصرف مدخراته على أغراض غير التى خُصصت لها، لا يكفى ظهور المتحدث الرسمى الوسيم ليدلى ببعض البيانات الرسمية المقتضبة، وعن أنشطة كأنها تمت إلى الجيش السويسرى، لن تأمن مصر إلا بحضور معنوى قوى لجيشها، خاصة بالنسبة لهذا الجزء العزيز الغالى من الوطن الذى يترنح الآن مثل الثمرة المعطوبة التى توشك على السقوط والكل يتفرج بل ويتواطأ!