■ مع كل دقة ينبضها ذلك المتهم ظلماً بعذاب الإنسان وشقائه وانتقاله من حال إلى حال رغم أنه (عبدالمأمور).. حتى سمى قلباً لتقلبه. ■ وفى رحلتنا القصيرة فى عالم لم نملك رفاهية قرار الانتماء إليه واختيار معطيات وجودنا فيه.. من زمان.. أو بيئة.. أو حتى اسم يلتصق بنا ويرمز لنا طول العمر.. وحتى بعد الرحيل. ■ ومع شروق كل يوم يحمل معه من الوعود قدراً كافياً ما يجعل لدينا أسباباً للنهوض من فراشنا. نجد أنفسنا دائماً فى حالة خيارات قد تخدعنا ببريق حرية مزعومة رغم ما تضمره فى باطنها من إكراه.. فأنت حر فى اختيارك لكنك مكره على تلك الحرية.. وعلى مبدأ أن تختار.. حتى سلبية عدم الاختيار هى فى حقيقتها اختيار. كطفل ساذج يعتقد أن سيفه الخشبى سيمنحه العالم غير مدرك أنه اختاره من صندوق دمى محدد سلفاً. ونتيجة لما أصاب الإسلام من خيانات ومؤامرات على يد من يتواقحون بحمل رايته مدنسة بدماء البشر، فكان تأثيرهم أكثر ضرراً عليه من استماتة أعداء يتربصون به على مر العصور.. حان الوقت لمراجعة المعادلة الإيمانية من جديد بعد أن عادوا بنا للمربع صفر.. وبدأت تتجرأ الحناجر المترددة برفض كل المسلمات والاجتراء على صحيح الدين. فلم تعد القضية مناسك معترضاً عليها أو فقهاً تنقيحه أمر واجب أو خطاباً دينياً يجب تطويره.. أو حتى أحاديث نهى النبى نفسه عن كتابتها نسخت بعد وفاته بمئات السنين على أيدٍ أعجمية، لتكون بعدم منطقية الكثير منها حجة على الدين لا معه. إن القضية لم تعد الإيمان بالدين.. ولكن الإيمان بالفكرة. ونحن فى رحاب أيام الله اجتاحتنى رغبة فى الحديث معك يا صديقى القارئ علنا نستطيع أن نساهم فى نصرة دينه ولو بتثبيت أنفسنا أولاً، ثم بالزكاة عن نعمة الإيمان بجنس النعمة ذاتها، فلتسمح لى بأن أبحر بك لمراحل مبكرة قليلاً فى تطور الفكر الإنسانى والانحياز فى البحث عن الحجة والدليل للفكر المادى القائم على النفعية.. بعيداً عن رحاب تظلها نسائم الإيمان تجرح شهادتنا بميل المحب وعصبية المنتمى. فقد أدرك الإنسان الاحتياج لوجود تلك القوة المطلقة.. العادلة المدركة.. المحيطة.. الرحيمة.. الفاعلة.. النبيلة.. القوية.. المنتقمة.. الجبارة.. الأبدية. التى على أعتابها يتوقف المنطق ويستكين العقل ويهدأ الوجدان.. عندما تعيينا الأسباب ولا نجد نهايات سعيدة كتلك التى حلمت بها كل الحضارات الإنسانية وسجلتها على جدران التاريخ حيث ينتصر الخير دائماً.. فعندما تخذلنا الحياة.. وتقهرنا الأيام.. نتشبث به ونحتمى بوجوده حتى من أنفسنا فيكون هو الجواب حين تعجز كل أبجديات العالم. وقد ألقى باسكال blaise pasca بدلوه فى المسألة الإيمانية من منظور يمكن أن نعتبره كافٍ لإرضاء العقل مرحلياً حتى يتهادى الإيمان مستقراً بين طيات النفس، فتطمئن السرائر وينعم الفؤاد ويترفق العقل فى البحث عن الأسباب.. راضياً بالأخذ بها. طبقاً لنظرية الاحتمالات ومجموعة رهانات ساقها الفيلسوف الفرنسى مواجهاً بها الملحدين فى عصره من فلاسفة ومفكرين نالوا منه الكثير مترفعين عن القبول بتلك النفعية التجارية الرخيصة دون أن يقدموا بديلاً أفضل مكتفين بالانغماس فى مستنقعات الإنكار كالمستجير من الرمضاء بالنار. الاحتمالات: الله موجود، الله غير موجود. الإيمان بالله: ربح غير محدد، خسارة غير مهمة. عدم الإيمان بالله: خسارة غير محدودة، ربح غير مهم. ليدرك الشاب الكاثوليكى ببساطة أن الرهان على وجود الله هو الاختيار الأفضل فى كل الأحوال. ■ فالخسارة محدودة بممارسة بعض الطقوس والتقيد ببعض القواعد. ■ بينما الربح غير محدود بالانحياز لمكارم الأخلاق والشعور بأمان الانتماء.. ووعد جنات الخلد. فإذا فشلت الأدلة العقلية لقصور قدراتنا المتواضعة، فيكون هذا هو وقت المرجحات الوجدانية. واسمحوا لى بأن أتفلسف أنا أيضاً فلسفة الانتصار.. فعندما ينهزم الملحد أو يظلم يسقط فى يده، بينما يجد المؤمن من الأسباب ما يداوى جراح الهزيمة ويفلسفها إلى تكفير للذنوب أو رفع درجات.. وأمل فى تعويض بخير مقبل لا محالة. أما داعيتنا خالد الجندى، فقد فاجأنى بعد حوار جاد مفعم بثراء دينى مقنع -أحسبه له- رداً على حيرة المتشككين التاركين لطقوس الدين ومناسكه بتعليق به نكهة المصريين و(شقاوتهم). _أهو لو ربنا موجود نبقى نفدنا ولو مش موجود أدينا لعبنا شوية رياضة. شكراً باسكال.. وشكراً صديقى المثقف د. محمود العلايلى المبحر فى مقارنة الأديان، والذى ألهمنى نقاشنا الأخير هذا المقال ولطالما أثمرت نقاشاتنا عن روعة الاختلاف. فهيا بنا كى نروى زهور الإيمان فى بساتين حياتنا، ونتلمس جمال الاستسلام لفكرة -رغم كل خيانات البشر.. وأطماعهم- تحملنا لآفاق رحبة من السعادة المطلقة والعدل المطلق، والخير المطلق، ولتراهن يا صديقى رهاناً كله خير.. إنه رهانك الأخير وربما الوحيد.