يضع فصلُ السلطة التشريعية فى باب السلطات العامة البرلمانَ فى أزمة حقيقية، فهو من جهة، وكما أوضحت بالأمس، يعتمد نظام المجلسين دون بناء دستورى يضفى على مجلس الشيوخ شرعية سياسية ووظيفية ترتبط باختصاصات وصلاحيات محددة، ومن جهة أخرى، ينتقص فى فصل السلطة التشريعية من اختصاصات وصلاحيات مجلس النواب على نحو يباعد بينه وبين السيادة التشريعية والرقابية اللازمة للبرلمان فى إطار الفلسفة الرئاسية للسلطات العامة التى تقرها مسودة الدستور. فالفلسفة الرئاسية، بالقطع، ديمقراطية الطابع وليس استبدادية الجوهر التى عانينا منها طويلاً فى مصر، وهى تضع رئيس الجمهورية المنتخب فى موقع القلب من نظام الحكم وتمكنه من صلاحيات تنفيذية واسعة تضمن للبرلمان مجموعة من الحقوق الأساسية وتترجمها دستورياً لاختصاصات وصلاحيات لا وجود للديمقراطية بدونها: 1) سيادة تشريعية كاملة، فلا يناقش ولا يجاز قانون خارج البرلمان، 2) سيادة رقابية كاملة على أعمال السلطة التنفيذية عبر مناقشة وتغيير مشروع الموازنة العامة واعتماده ومتابعته، 3) حق الموافقة والرفض وسحب الثقة من حكومة الرئيس عبر آليات مختلفة، 4) حصانة من تدخل الرئيس فى عمله بالحل أو الإيقاف أو التعطيل. وواقع الأمر أن مسودة الدستور الحالية تنتقص من هذه الحقوق الأربعة الأساسية ومن الاختصاصات والصلاحيات المرتبطة بها. فالسيادة التشريعية الكاملة يفتئت عليها بمقتضى المادة 196 (الفصل السادس «الأمن والدفاع» فى باب السلطات العامة) التى تنص على وجوبية أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة. تعنى المادة 196 أن برلمان مصر، وبعد ثورة أرادت التخلص من عسكرة الحكم والتأسيس لدولة مدنية تخضع بها المؤسسات العسكرية والأمنية لرقابة المدنيين المنتخبين، لا يمتلك حق التشريع بشأن القوات المسلحة وأن هذا الحق يدفع به لمجلس معين من أعضاء السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية وقادة القوات المسلحة ورئيس المخابرات العامة) وينضم لهم كديكور غير مؤثر رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ. الافتئات على السيادة التشريعية للبرلمان وعودة تغول السلطة التنفيذية والعسكر تشوهان خطيران فى مسودة الدستور ويضعان بناء الدولة المدنية الديمقراطية فى معية مخاطر كبرى. وكأننا لا نتعلم من ماضى الاستبداد وتهميشه الدائم للبرلمان لصالح الرئيس تارة والمؤسسة العسكرية تارة أخرى. نتابع بالغد، إن شاء الله، تحليل بقية أوجه وجوانب انتقاص مسودة الدستور من حقوق البرلمان.