قبل ثورة 23 يوليو كانت وظيفة القاضى مقصورة على أبناء الباشوات والعائلات الأرستقراطية، وليس مسموحاً لباقى الشعب بالتفكير فى التقدم لها، لكن فى السنوات الأولى للجمهورية المصرية فى منتصف القرن الماضى كانت تعيينات القضاة قائمة على العرف الذى يعطى الأولوية لأبناء القضاة، ولكنه لم يكن معلناً، مع مرور الوقت وتحديداً فى بداية القرن الحالى طالب بعض القضاة بتقنين هذا العرف ليصبح لأبناء القضاة الأولوية فى الالتحاق بالوظائف القضائية دون أى مراعاة لتفوقهم وتميزهم مقارنة بزملائهم، وفى السنوات الخمس الأخيرة تطور خطاب تيار القضاة الذى يعتبر تعيين أبناء القضاة حقاً مكتسباً، متحدين الأسباب التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير بهدف مناهضة التوريث وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأصر بعض قيادات القضاة على تعيين أبنائهم، باعتباره حقاً لا يسقط، مؤكدين استمراره خلال الفترة المقبلة، ما عبر عنه المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، بقوله: «من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون» ممن يُرفض تعيينهم، وستخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة ولن تستطيع أى قوة فى مصر أن توقف هذا «الزحف المقدس» إلى قضائها. «الوطن» ترصد أبرز العائلات فى صعيد مصر التى يلتحق أبناؤها سنوياً بالسلك القضائى، على سبيل المثال لا الحصر وتحديداً فى أشهر قرى محافظات«الأقصر وقنا وأسيوط وسوهاج». «المطاعنة» إحدى القرى التابعة لمركز إسنا جنوبالأقصر، إحدى أشهر القرى بصعيد مصر التى كان يأتى لها طلاب العلم من كل ربوع مصر لدراسة الفقه بأحكامه، والتفسير بأركانه، والأدب برواياته، والشعر بأوزانه، لكنها فى أواخر الستينات من القرن الماضى أخذت القرية، التى يبلغ عدد سكانها نحو 70 ألف نسمة، منحى آخر بعد أن أصبح المستشار محمد أبوالحسن محمد فراج أول قاض فى «المطاعنة» الذى ترقى فى السلك القضائى إلى منصب مساعد أول وزير العدل وكان مرشحاً لتولى وزارة العدل قبل أن يرحل فى أوائل السبعينات. ينسب للمستشار الراحل محمد أبوالحسن التحاق عدد كبير من أبناء القرية فى الوظائف القضائية، الذين أصبحوا فيما بعد شيوخاً للقضاة وتولوا أرفع المناصب فى المحاكم المختلفة، وفقاً لرواية زهران جلال ابن قرية المطاعنة والباحث المتخصص فى الشأن القضائى. يقدر أبناء قرية «المطاعنة» العاملون بالقضاء حالياً بنحو 120 قاضياً منتشرين فى القضاء العادى والنيابة الإدارية ومجلس الدولة وقضايا الدولة، ويشكلون أكبر نسبة فى الهيئات القضائية فى صعيد مصر، واستطاعوا الترقى فى العديد من المناصب القيادية بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية، فمنهم من تولى عضوية المجلس الأعلى للقضاء والنائب العام المساعد ومنهم من تولى رئاسة ووكالة القضاء العالى، كما أن هناك عدداً من سيدات القرية أعضاء بالنيابة الإدارية. الجيل الأول من قضاة قرية المطاعنة، كما يؤكد زهران جلال الباحث المتخصص فى الشأن القضائى، كانوا ينتمون لطبقات فقيرة وكادحة ودخلوا السلك القضائى بعد حصولهم على تقديرات عالية، فمعظم عائلاتهم كانت تعمل بالزراعة، ووصلوا إلى مناصبهم بوساطة قاضى القرية الأول «أبوالحسن فراج» الذى استطاع على حد تقديره إلحاق الكثير من أبناء القرية بالسلك القضائى. كما ساهم فى ارتفاع نسبة المنتمين للهيئات القضائية من أبناء القرية وساطة المستشار أنور أبوسحلى، وزير العدل الأسبق فى عهد السادات، الذى كان يرتبط بعلاقات نسب ومصاهرة مع عائلات «المطاعنة» واستطاع تعيين عدد كبير من أبناء القرية فى القضاء. فى الفترة الأخيرة ازدادت ظاهرة التحاق أبناء القضاة من المطاعنة بوظائف بالهيئات القضائية كما يقول «جلال» وامتدت فرص الالتحاق بالهيئات القضائية لتشمل أقارب القضاة من أبناء القرية الذين عينوا موظفين بالمحاكم، كما حدث فى محكمة إسنا، حيث ينتمى 75% من موظفيها لقرية المطاعنة. وتأتى عائلة السلمانية فى المرتبة الأولى ضمن عائلات «المطاعنة» التى ينتمى أبناؤها للهيئات القضائية، بينما تحتل المرتبة الثانية عائلة المساعيد ثم أولاد على وأولاد سالم. ومن أشهر القضاة المنتمين لقرية المطاعنة بحسب جلال، المستشار مصطفى حمد، رئيس محكمة استئناف، والمستشار محمد عبدالوهاب الذى وصل إلى منصب عضو بالمجلس الأعلى للقضاة والمستشار أحمد خلف الله رئيس الدائرة الرابعة بمحكمة جنايات القاهرة، الذى حكم فى قضية مبارك الخاصة بالكسب غير المشروع وقضية تصدير الغاز. هناك قضاة آخرون من أبناء القرية استطاعوا ضم أبنائهم إلى الهيئات القضائية المختلفة، أبرزهم المستشار التهامى أحمد، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، وله اثنان من أبنائه، الأول فى مجلس الدولة والآخر بالنيابة العامة. كذلك المستشار عبدالعليم أبوصالح، الذى ألحق 3 من أبنائه بالنيابة العامة، وأيضاً المستشار بدرى أبوسعد رئيس دائرة بالقاهرة، الذى يعمل أبناؤه الثلاثة بالقضاء والمستشار محمد على ربيع، رئيس محكمة استئناف، وله 3 أبناء بالنيابة والقضاء، والمستشار إبراهيم الضبع، نائب رئيس محكمة النقض المعار للكويت، حيث التحق أحد أبنائه مؤخراً بالنيابة العامة، إضافة إلى المستشار محمد ضياء، نائب رئيس مجلس الدولة حالياً، ولديه ابن وابنة فى النيابة الإدارية ومجلس الدولة، والمستشار محمود عوض، وله 2 من أبنائه بالنيابة العامة والقضاء، أيضاً المرحوم المستشار محمد سيد قناوى، رئيس محكمة استئناف بالقاهرة، وله 2 من أبنائه بالنيابة العامة، والمرحوم المستشار بكرى جعطان، بمحكمة الاستئناف سابقاً، وله 2 من أبنائه بالنيابة العامة، وهناك المستشار محمود الكويزى، رئيس محكمة، وتقدم باستقالته وسافر للسعودية وشقيقه المستشار حسن الكويزى، نائب رئيس النيابة الإدارية سابقاً، ويعمل حالياً 2 من أبنائه بالنيابة العامة. وينتمى للقرية أيضاً المستشار أبوخشود، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، والمستشار سمير أبودوح، رئيس محكمة بالقاهرة، التى قضت مؤخراً بالبراءة لمهدى عاكف فى قضية سب القضاة والمستشار عبدالباقى أمين، رئيس الدائرة السابعة بمحكمة جنايات القاهرة، وهناك العشرات من المستشارين والقضاة وهم ينتمون لقرى المطاعنة. وتعتبر فترة حكم حسنى مبارك الرئيس الأسبق التى ترعرع فيها التوريث فى السلك القضائى، بغض النظر عن غياب الكفاءة وتدنى شهادات التخرج، رغم أن الدستور المصرى السابق والحالى ضد مبدأ التوريث.