بين قوانين غير صالحة، وعدالة غير ناجزة يبقى الظلم عابراً للأزمنة ويبقى البشر فى حالة يُتم جماعى بحثاً عن العدل، ويبقى العدل يحتاج دائماً إلى معطف مضاد للظلم. وهذا المعطف هو «تشريعات» منصفة وتطبيقات لا تعرف سوى الصرامة والمقدرة والإنجاز فى التنفيذ. وبين متقاضٍ مقهور وقاضٍ تحبطه نوعية القوانين وخذلان الإجراءات وتعاسة الإمكانيات. منذ عدة أشهر كلف الرئيس لجنة للإصلاح التشريعى وكان اتجاهاً إيجابياً، والمفترض أن هذه اللجنة تبحث فى التشريعات والقوانين وتضيف ما يجب أن يضمن صلاحية وعدالة التشريع، وحذف ما هو غير صالح وبالتالى إنجاز هذه اللجنة كان منوطاً به تغيير مصر من خلال تشريعات صحيحة تخرج بنا من مرحلة التشريعات العرجاء والعمياء وتنقذنا من حالة الإخفاقات التى أسست مناخاً من الظلم ولكن هذه اللجنة أخفقت ولم نسمع لها «حساً» وكأنها لم توجد أو كأنها اصطدمت بسطوة المنظومة الحالية وعجزت عن إيجاد حلول للنجاة أو أن هذه اللجنة لم تكن تضم كفاءات يمتلكون لياقة ذهنية وأفكار وتجارب الدول الأخرى بعيداً عن ترميم قوانين متصدعة. ففى كل خطوة تصطدم فيها بمنظومة التشريع الحالية تفقد قناعتك فى العدل وفى تعريف الظلم فكل القناعات النقية التى تربينا عليها تتكفل التشريعات القائمة بتكذيبها. وزارة العدل شأنها شأن كل الوزارات غارقة فى مشاكلها اليومية والخلافات والمطالب، ولكنها وزارة تحتاج إلى وزير لديه رؤية وخطة وليس مديراً تنفيذياً يقوم بتسيير الأعمال التى غالباً لا يحالفها التيسير قدر ما يحالفها التعسير. وزير العدل لا بد أن يتخلى عن أداء المدير التنفيذى أو الموظف الذى لا يمتلك استراتيجية لبناء منظومة تشريعية جديدة مضيئة تتوارى معها التشريعات المعتمة التى فجرت براكين الظلم وروّعت الناس بالبطء والشك وبعض هذه التشريعات أداة تحريض علنى للفساد وبعضها الآخر يقننه ويحميه، والمؤكد أن عتمة منظومة التشريع ميراث قديم وطويل ولكن هذا لا يعنى أن يبقى الحال على ما هو عليه، ولكن يحتاج إلى إدارة مبدعة وأداء منجز. خطأ وزير العدل الذى استوجب استقالته ليس تصريحاً غير لائق وغير سياسى ولم يكن خطؤه زلة لسان، وإنما فقر أفكار، ورؤى وخطة، ولا يحاسب على عدم امتلاكه ما تحتاجه مصر فى مقومات ثورة تشريعية، فحاله كحال كل الوزراء الذين جاءوا قبله. الكارثة فى اختيار الوزير، وعلى أى معيار غالباً يتم الاختيار باعتباره مديراً تنفيذياً جيداً، ويراعى الله، أما ما يجب أن يمتلكه من رؤى وإبداع للتطوير والتغيير فهى رفاهية. أفكار وزير العدل المستقيل، كما جاءت فى حواره مع جريدة «المصرى اليوم» قبل استقالته بيومين لم تتعدَّ مشاكل نادى القضاة وخصومته مع أحمد الزند، والتحفظ على أموال أبوتريكة، وزيادة عدد القضاة المحالين للصلاحية والتأديب. وأهم إنجاز قامت به الوزارة فى عهده مؤتمر لمنع الفساد، وكأن الفساد سيأتمر ويوأد بالمؤتمرات وليس بالقوانين التى لا تأتيها الثغرات والشبهات، ولكنه كان كمن جاءوا قبله لا يملك أى اتجاه أو فكر لتغيير المنظومة التشريعية ويعطى الأولوية للتشريعات التى تمس المواطن والتى تحقق حسن سير العدالة وأيضاً تحقيق الظروف الطبيعية للقاضى، أحد الأطراف المظلومة فى المنظومة الحالية التى تستحق نسفها. العدالة الاجتماعية ليست وظيفة ومسكناً وحياة كريمة، وإنما العدالة التشريعية جزء رئيسى فى هذه العدالة، وحماية المواطن من تشريعات جائرة وتطبيقات أكثر ظلماً وامتهاناً لا بد أن تكون أولوية أولى. منظومة التشريع هى القادرة على حماية كرامة المواطن، أو إهدارها على أسفلت الظلم والتلاطم والمهانة مع كل طلعة شمس، وعندما يجتمع البطء والبطش، فلن يُبنى مجتمع سوى صحيح.