فى الرابعه فجر يوم القرعة الهيكلية، استيقظ الأنبا تواضروس، أسقف عام البحيرة، قبل أن يودع هذا اللقب ليكون البابا تواضروس الثانى، والبطريرك 118 للكنيسة الأرثوذكسية، داخل قلايته بدير الأنبا بيشوى، بوادى النطرون، الذى دخله منذ الاثنين الماضى للاعتكاف، بعد فوزه بالمركز الثانى فى الانتخابات البابوية التى أهلته لدخول القرعة الهيكلية، أقام القداس الإلهى بمشاركة رهبان الدير داخل الكنيسة الأثرية، وكان ثالث قداس يقيمه داخل الدير منذ قدومه إليه، إذ سبق أن أقام قداسين يومى الخميس والجمعة الماضيين، وفى السابعة صباحاً توجه إلى قلايته ليؤدى صلاة التسبحة، وظل داخلها يتعبد. انشغل الكل داخل الدير بمتابعة مراسم القرعة الهيكلية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية عبر شاشات التليفزيون داخل الدير، يؤدون الصلوات ويطلبون أن يمنحهم الرب الراعى الصالح لكنيستهم، وتعلقت الأبصار بالطفل بيشوى جرجس سعد، وهو يصعد إلى جوار الأنبا باخوميوس، القائم مقام البابا، وارتجفت القلوب من لحظة الاختيار الإلهى، وكتمت الأنفاس انتظاراً للحظة الحسم، أغمض الأنبا باخوميوس، عينى الطفل بعصابة سوداء، وطلب دقيقة صمت التزم بها الجميع لتأدية صلاة قبل الاختيار، ومد الطفل يده ليخرج الكرة البلاستيكية التى تحمل اسم الأنبا تواضروس، الأسقف العام، لتتهلل الأسارير، ويتراقص الجميع فرحاً، ويخرجوا جرياً إلى قلاية البابا تواضروس الثانى، الاسم الذى اختاره لنفسه. تليفون البابا الجديد لم يتوقف عن الرنين حينما كانت الأصوات تعلن شكرها للرب على اختيار البابا الجديد، خرج إليهم والدموع فى عينيه، تلقى التهانى، وتكالب الجميع عليه لنيل البركة، 15 دقيقة فصلت إعلانه بابا جديداً للكنيسة خلفاً للبابا الراحل شنودة الثالث، حتى كان أمام جثمانه هو والرهبان، يصلى إليه ويأخذ منه البركة ويطلب منه ألا تنساه روحه، دقائق وأتى إليه جموع الشعب القبطى وراهبات إثيوبيا فى إبراشيته بالبحيرة، وأتى إليه الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، ومنافسه بالانتخابات البابوية والقرعة الهيكلية وصديقه الصدوق منذ سنوات، الذى كان يعتكف بجواره داخل دير السريان بوادى النطرون، لتهنئته بالمنصب الجديد. كان أول اتصال رسمى تلقاه البابا الجديد من محافظ البحيرة، ثم تلقى اتصالاً من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وكان أول اتصال كنسى لتهنئته بالفوز من نصيب أسقف الجيزة. ذهب البابا الجديد إلى الكنيسة الأثرية مرة أخرى يؤدى صلاة الشكر، وألقى بعدها كلمة للصحفيين الذين توافدوا على الدير للقائه وقال إنه يحمل السلام والمحبة للجميع وسيتعاون مع الرئيس الذى اكتفى بتهنئته عبر برقيه أرسلها له. توافدت وفود الأقباط على الدير بالطبل والمزمار، والتف الرهبان حول المقر البابوى بالدير الذى يجلس داخله البابا الجديد، الكل يبارك ويسعى لنيل البركة، وفود الشباب وكشافة الكنيسة لا تنقطع، والاتصالات مستمرة على هاتفه الذى ظل مشغولاً طوال الوقت، وأتى لتهنئته الراهب رافائيل أفامينا، المنافس له بالقرعه الهيكلية. وقام سكرتارية البابا الجديد بالاتصال بأسرة الطفل «بيشوى جرجس سعد» الذى سحب الورقة التى تحمل اسمه، لدعوتهم للقاء البابا تواضروس، والتقى بالفعل به داخل مضيفة الدير، وأخذ يداعبه ومنحه الشيكولاتة، وقال له: «يا بيشوى أنا بحبك خالص». تحرك وفد من أعضاء المجمع المقدس برئاسة الأنبا باخوميوس، وضم الراهب سيرافيم السريانى والراهب باخوميوس السريانى، الخاسرين بالانتخابات البابوية، فيما تغيب الأنبا بفنوتيوس، أسقف سمالوط، والأنبا بيشوى، اللذان جرى استبعادهما من الانتخابات البابوية. حينما التقى البابا الجديد بأستاذه القائم مقام، تبادلا الأحضان والقبلات، وعقدا اجتماعاً مع الأساقفة حتى منتصف الليل لبحث ترتيبات مراسم تنصيبه يوم 18 نوفمبر الجارى، وأمام المقر البابوى يخرج البابا بكل بشاشة ووداعة ليداعب الصحفيين، وينسى وسط ذلك تقطيع تورتة عيد ميلاده الستين.