رئيس مياه دمياط يؤكد ضرورة تطبيق أفضل نظم التشغيل بالمحطات لتقديم خدمة متميزة للمواطنين    لبنان.. 20 إصابة جراء الغارة الإسرائيلية على الباشوراء ببيروت    بطلب عراقي، اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية بشأن لبنان اليوم    انفجار ضخم يهز الضاحية الجنوبية ببيروت    صنع وسجل.. 3 أرقام قياسية لمحمد صلاح بعد تألقه مع ليفربول أمام بولونيا    دوري أبطال أوروبا، أستون فيلا يكبد بايرن ميونخ أول هزيمة له هذا الموسم    رياضة ½ الليل| صلاح يتخطى دروجبا.. حسام يقهر سام.. نيمار إلى البنك .. وسقوط الريال    بايرن لا يفوز على أستون فيلا.. إيمري يضرب ضحيته المفضلة ويلحق الهزيمة الأولى ب كومباني    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    أتلتيكو مدريد ينهار أمام بنفيكا في دوري أبطال أوروبا    عاجل.. حقيقة اعتذار صلاح عن خوض مباراة مصر وموريتانيا    صلاح دندش يكتب : تخاريف    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    ضبط تشكيل عصابي بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بطوخ بالقليوبية    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 3 أكتوبر.. «ثق بغرائزك واتبع مشاعرك الصادقة»    عبد العزيز مخيون: تشابهت مع أحمد زكي في مواجهة الظلم وحب التمثيل    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    بيان مهم من الأرصاد بشأن الطقس اليوم الخميس: «وداعًا للرطوبة ومرحبًا بالبرودة»    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    سعر السكر والزيت والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    زوجة دياب تمازحه بال«وزة» ..وتعلق :«حققت امنيتي»    انتى لستِ أمه.. 4 نوعيات من النساء ينفر منهن الرجال (تعرفي عليهن)    الأحد المقبل.. وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة بحفل موسيقي غنائي (تفاصيل)    "أهمية القراءة في تشكيل الوعي" على مائدة معرض الرياض الدولي للكتاب    د.حماد عبدالله يكتب: (الروشتة) المؤجل تفعيلها !!    خبير علاقات دولية: مجلس الأمن تحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات    استطلاع: هاريس تتقدم على ترامب في 7 ولايات متأرجحة    وزير التعليم ينعي وكيله الدائم بالوزارة.. ويؤكد: رحل بعد مسيرة عطاء زاخرة    سقوط 4 عناصر شديدى الخطورة في قبضة مباحث طوخ    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الخميس 3 أكتوبر 2024    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024    الأمم المتحدة: إعلان «إسرائيل» جوتيريش شخصًا غير مرغوب به قرار سياسي    أسعار الذهب اليوم الأربعاء بالتعاملات المسائية    رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارا بندب الدكتور حسام الفل عميدا لمعهد الأورام    جامعة دمياط تستقبل طلابها الجدد باحتفالية في كلية التربية النوعية    «الحوار الوطنى» يعقد جلسة عاجلة السبت لتعزيز الأمن القومى    البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة بيضاء في تاريخ العسكرية المصرية ونشكر الله على سلام بلادنا    رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية UNIMED    تجديد حبس المتهمين فى فبركة سحر مؤمن زكريا    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    أمين الفتوى: مفهوم الاحتياج نسبي وهذا هو الفرق بين الحرص والبخل    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    نائب محافظ القليوبية تشن حملة إزالة إشغالات أعلى الطريق الدائري    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    «البحوث الإسلامية»: 35 قافلة نفذت 25 ألف لقاء دعويا    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    مصطفى الفقي: علاقة مصر مع إيران وإسرائيل وحزب الله تحتاج مراجعة    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواعيد الشوق
نشر في الوطن يوم 17 - 04 - 2015

تأتى أعياد الربيع محملة بالوعود.. ألبّى انتظار حقائبى التواقة للسفر.. أملأها بتفاصيل كثيرة: ردائى المفضل، كتاب يعاتبنى وقد هجرته منذ العطلة الأخيرة فى الجنوب، أوراق مبعثرة أبثها هواجسى وأحلامى، ونوستالوجيا الأيام الخوالى.. أتمنى لو يمنحنى ألبرت إينشتين أحد أشعته النسبية الراحلة بأجمل ذكرياتنا إلى الكون اللانهائى فأمتطى جياد الزمان وألحق بها لأستعيد أحلاماً ليس لها تاريخ نهاية صلاحية.. إنها وعود بأجمل الأيام التى لم تأتِ بعد لكنى أودعت ملامحها ووصفها ببعض أشعته الراحلة بعيداً.. ومرت السنون.. وتاهت منى التفاصيل.. أرنو إلى السماء.. أعرف أنها هناك تعانق أحد النجوم.
وكلما وطئت قدماى أرضاً جديدة، ازددت عمراً جديداً.. تورثنى الموانئ المزيد من الذكريات.. تمنحنى حيوات أخرى ربما عشتها فى أبعاد لا ندركها.. بلاد الشمال وغرور الحضارة.. بلاد الشرق البعيد وجنون آلهة تمشى بين البشر.. بلاد الجنوب وإيقاعات لا تعرف الخجل.
لكن حقائبى لا ترتاح ولا تهدأ إلا هناك فى مرافئ الوطن.. تندهنى (ندّاهتها) بتعويذتها الأبدية.. إنها الإسكندرية تلك الجنّيّة المسحورة آسرة الملوك، ملهمة الشعراء.. أنتظر مواعيدها بوَله المشتاق، لألقى بأحزانى على شراع موجة عفية بوعد السفر لبلاد النسيان، هنالك على الجانب الآخر حيث لن نراها أبداً.
أما البحر.. ذلك العاشق، الثائر، الحائر، الغامض، البرى، المجنون الذى لا يعرف الحضارة.. فأعشقه وأخشاه، فبيننا أسرار وحكايات ورفاق رحلوا ولم يعودوا أبداً.. يعرف كيف يحتوينى، يسلبنى بعضاً من إرادة مرهَقه.. أعترف له بما صنعته بى الأيام.. يبكينى، يضحكنى، يلومنى على بعاد اقترفته دون إرادة منى.. يعيدنى فى لحظات تلك الفتاة الصغيرة تعانق أقدامها الماء، تقاوم، تتطاير جدائل شعرها وطرف فستانها فى حياء.. أضع ودعة أهدانيها البحر على أذنى.. تردد أصداء «أنا هويت وانتهيت، وليه بقى لوم العزول».. وآه من الشيخ سيد درويش ووجع فى القلب يعرف كيف يواسيه، يمنحنى رحلة لا أملها على إيقاع تطاير جدائل حصان ودود، يميل على البحر مع الهواء ليقود (الكارتّة) فى خيلاء.. أحتضن شوارعها وحواريها، يصاحبنى بيرم التونسى ابن السيالة بسؤال أعرف له إجابة «هو صحيح الهوى غلاب؟».. نعم غلاب.
أكاد أشاركه الجنون والغيظ وهو يصيح «هاتجن يا ريت يا اخوانا ما رحتش لندون ولا باريس. دى بلاد تمدين ونضافة وذوق ولطافة وحاجة تغيظ».
يمد لى «النديم» يداً لأبتسم لأعظم الصعاليك وأنبل الصعاليك كما وصفه شاعرنا الأبنودى «أدباتى أراجوز نديم صاحبى وخلانى دجال مهرج مركب صوتى فى لسانى وصحيت لقيتنى أعرفك وانتى عارفانى وخدانى من مجلس الضايعين وعلى أعلى منبر يهزك صوتى وكيانى».. يرينى إصدارات مجلاته «الأستاذ»، و«التنكيت والتبكيت» و«اللطائف».. وككل العاشقين مات منفياً وحيداً على الشاطئ الآخر بعيداً عن الوطن فى عاصمة الخلافة العثمانية.
ما زالت هيباتيا، أول عالمة رياضيات فى التاريخ، الفيلسوفة أفلاطونية الهوى سكندرية الهوية، تقف بجوار قرص الشمس الساطع من مكتبة الإسكندرية معانقاً البحر تعلم طلابها بشغف مقاييس النجوم، تحمل فى يدها «إسطرلاباً» اخترعته.. وتبتسم رغم الحرق والقتل والظلم.
أصفق للشيخ سلامة حجازى.. يصول ويجول بفرقته ومسرحياته مناضلاً ومعلماً على منبر آخر لا يعرف حدود الزمان أو المكان.
يبهرنى كفافيس، ابن الإسكندرية، أعظم شعراء اليونان فى العصر الحديث، وهو يعلن فى قصيدته (المدينة) أن البعد عنها هو الموت ذاته: «سأذهب إلى أرض ثانية وبحر آخر.. إلى مدينة تكون أفضل من تلك المدينة.. كل محاولاتى مقضى عليها بالفشل.. وقلبى سيدفن كالميت».
أتأمل خليط الحضارة العجيب فى مبانيها.. شوارعها.. عيون تمنحك مع بريقها جزءاً من التاريخ.. هنا بقالة الخواجة ينّى الذى وقع فى حب الماريا فلم يغادرها أبداً.
لا تزال بقايا لافتة عم موسى الساعاتى اليهودى وآثار دموع لم يعرف كيف يخفيها -وهو راحل مع الأبناء القساة قلوبهم تاركاً عمره لبلاد لا تعرف التوق- تعلن كيف استطاعت ذات التراب الزعفران أن تذيب كل الثقافات.
أتوقف عند مسجد القائد إبراهيم.. يهدأ الموج لدرجة الصمت.. هنا، مات الرفاق ولا تزال الدماء شريدة، شهيدة.. أحاول تجاهل لحظة انكسار.. أنظر إلى البحر مستغيثة.. يعدنى ألا يموت الحلم.. هكذا قال التاريخ.. أصدقه.. أقرأ الفاتحة وأمضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.