عندما تسأل أحداً: «هل تعرف كيم كردشيان؟» سيقول نعم أعرفها، ثم تسأله: «وماذا تعمل كيم؟» سيسكت قليلاً ثم سيبدأ برمى التخمينات «عارضة أزياء، مغنية، ممثلة، فنانة.. » فتُسْعِفُه بالإجابة المبهمة الشافية: «تقصد مشهورة»، فيضحك ويقول نعم هى كذلك. حصل هذا مع عدة أشخاص سألتهم عنها، فكان أول شىء قالوه إنها نجمة أفلام إباحية، رغم أنها ظهرت فى مقطع فيديو واحد فقط مع صديقها حينها المغنى الأمريكى (راى جاى) الذى قام بتصوير ونشر المقطع، وليست نجمة -بالمفهوم المقيت- للنجومية، ويعرفون عنها أنها عارضة أزياء، رغم أنها ليست كذلك حقاً، لكن بعد شهرتها التى لا يعرف أحد كيف صارت، بدأت دور الأزياء والعلامات التجارية العالمية تدفع لها مبالغ طائلة لكى تُدشِّنَ أحد محلاتهم، أو تلبس شيئاً من بضائعهم، أو تتحدث عنهم فى تويتر أو انستجرام، حيث تدفع لها الشركات عشرة آلاف دولار مقابل نشر تغريدة واحدة فقط عنهم، ويعرف الناس عنها أيضاً أنها ممثلة، رغم أنها ظهرت فى برنامج الواقع، وليس فى فيلم أو مسلسل شهير، ثم صار لها برنامج خاص بها وبأسرتها، تُسجَّل فيه أحداث يومهم بالتفصيل. إذن، لا أحد يعرف من هى، أو ما هى، ولماذا هى شهيرة، لكن ربما تضافرت مجموعة من العوامل -التى لا نعرف ما هى أيضاً- فأصبحت كيم كردشيان من أشهر مشاهير العالم، إلى جانب ممثلى هوليوود والسياسيين والمغنين. وعندما تتابع وسائل التواصل الاجتماعى تجد كثيراً من الناس تحولوا إلى نجوم وبدأوا يبرزون على الساحتين الإعلامية والاجتماعية دون أن يعرف أحد لماذا! فتجدهم يُدعون للفعاليات، وتُدفع لهم مبالغ للدعايات والترويج، ويتجاوز عدد متابعيهم فى الوسائط الاجتماعية حاجز المليون متابع، لكنهم ليسوا أصحاب هوية واضحة، وعندما أقول «هوية» فأنا لا أتحدث عن إنجازات، بل عن ماهية، أو ربما حتى عن مهنة أو حرفة أو هواية، أو أى شىء يُعرفون به، لكنك لن تستطيع تعريف أولئك الأشخاص أو حتى وصفهم، وكل ما ستستطيع قوله هو إنهم معروفون فى «السوشيال ميديا». ولا يمكن لأحد أن ينكر أهمية هذه الوسائط الاجتماعية، التى يَنْفذُ الإنسان من خلالها إلى قلوب الناس، ففى فيلم «بيرد مان» أو الرجل الطائر، تدور أحداث القصة حول رجل كان مشهوراً فى شبابه لأنه كان نجماً فى سلسلة أفلام شهيرة يمثل فيها دور البطل الخارق أو الرجل الطائر، لكنه كبر الآن، ويحاول أن يقنع نفسه، من خلال أداء دور فى مسرحية فى برود واى بنيويورك، بأنه لا يزال شهيراً، لكنه يفشل ويظل مغموراً إلا أنه ينكر تلك الحقيقة، ويظل فى صراع داخلى بين اعتقاده بأنه البطل الخارق الذى يحب الناس مشاهدته، وبين الواقع الذى يقول له عكس ذلك. وفى إحدى مشاهد الفيلم تواجهه ابنته بالحقيقة، وتقول له: «إنك تمقت المدونين على الإنترنت، وتسخر من تويتر، وليست لديك صفحة فى فيس بوك» ثم تُردِف: «أنت غير موجود، لكنك تحاول أن تقنع نفسك بعكس ذلك لأنك خائف، ككثير منا، ألا تكون ذا قيمة، وفى الحقيقة، أنت حقاً لستَ ذا قيمة». وسؤالى هو: من أين تأتى قيمة الإنسان؟ من شهرته أم من عمله؟ وهل يكون للعمل قيمة حتى إن لم يعرف العالم عنه؟ أعتقد أن قيمة الإنسان تأتى من قيامه بشىء مؤثر، بغض النظر عن حجمه صغيراً كان أو كبيراً، فيشعر بالرضا عن نفسه، وإن حدث واشتهر ذلك العمل فإنه بالطبع سيكون ذا تأثير أكبر، لكن الشهرة لن تغير قيمته فى عين من يقوم به، لأنه يفعله لحبه له ولإيمانه به. قبل أشهر حضر أحد أصدقائى حفل جائزة الأوسكار، وفى الاستراحة اتجه إلى الممثلة (ميريل ستريب) وقال لها: «حصلتُ على تذكرة دخول بصعوبة، لا يهمنى كل المشاهير الموجودين، وأتيت لأصافحك وأقول لك إنك أفضل ممثلة على الإطلاق»، وبعد حوار قصير خرج من القاعة فرأى (جينيفر أنيستون) أو (ريتشل) نجمة المسلسل الكوميدى الشهير (فريندز)، كانت واقفة لوحدها، فسلم عليها وقال لها إنه صافح ميريل، فقالت له: «فى يدك الآن من المواهب ما يعادل نصف المواهب الموجودة فى حفل الأوسكار». وسؤالى هو: جينيفر أشهر من ميريل بسبب (فريندز) ولكن من منهما قدم قيمة أكبر للسينما والأدب فى العالم؟ قبل أيام تم اختراق حساب أحد مشاهير الإعلام الاجتماعى وتم مسح كل شىء فيه، فقال أحد المتابعين: «فكّر الآن، هل قيمتك تكمن فقط فى السوشيال ميديا؟» فكان جوابى: نعم، لأننا أصبحنا كردشيانيين.