أُسس الإدارة السليمة تستلزم أن تسبق الرؤية المتكاملة التحرك الجزئى، وهذه القاعدة تحديداً هى المشكلة الأضخم التى تعترض طريقنا عند تناول قرض صندوق النقد الدولى بين القبول والرفض.. فما هى الرؤية الاقتصادية المتكاملة التى تجعلنا نسلم بالاقتراض كأحد سياساتها الجزئية، هذا فضلاً عن أن يكون الاقتراض من جهة سياسية دولية بحجم صندوق النقد الدولى؟ ودع عنك حديث البعض حول تغير سياسات صندوق النقد الدولى بعد الكارثة المالية العالمية فى العام 2008 عن ذى قبل؛ لأن القاعدة التى لا يمكن أن تتغير هى أن القرض عبء على أى دولة إما فى صورة التزامٍ مالى أو فى صورة تكبيلٍ للقرار السياسى وهذه أشدُّ خطورةً، أضف إلى ذلك أن وضعنا الحالى لا يسمح لنا بالرهان على حسن نوايا الآخرين! أقترح قبل الموافقة على القرض أو رفضه تدشين ورش عملٍ (Workshops) مُجمعة لخبراء الاقتصاد المصريين فى الداخل والخارج من كافة المدارس الاقتصادية إسلامية كانت أو رأسمالية أو يسارية؛ نجمع بها شتات الآراء القيمة التى تخرج هنا وهناك والتى يمكن أن تثمر كثيراً من الحلول المبتكرة تخرجنا من رحم التصورات النمطية الضيقة لأزمات السيولة والتمويل. وأذكر فى هذا الصدد كيف شكَّل مهاتير محمد مجلساً قومياً يضم أكبر المستثمرين والاقتصاديين على مختلف انتماءاتهم، إبان أزمة اقتصادية طاحنة كادت تعصف ببلاده وقتذاك، وعقد المجلس لعامين كاملين جلساتٍ يومية تمتد لساعات حتى استطاع استنهاض ماليزيا من كبوتها، فلا يمكن فى قرارٍ يؤثر على مستقبل البلاد سياسياً واقتصادياً أن تنفرد به وجهة نظرٍ واحدة أياً كانت براعة صاحبها. صحيحٌ أن الموافقة على قرض البنك الدولى له مردودٌ إيجابى على رفع تصنيف مصر الائتمانى مما يعنى تعاظم الثقة عالميا فى اقتصادها ومن ثَم جذب استثماراتٍ أكبر، لكن من قال إن هذا هو السبيل الوحيد؟ هذه صورة نمطية أخرى للتفكير، يمكن أن يكسر تقليديتها دورٌ متميز تلعبه الدبلوماسية المصرية فى الفترة المقبلة تطرق به أبواباً لم تطرق من قبل وتبنى علاقات خارجية استراتيجية جديدة. ما زلت مهتماً بالتركيز على الخطوط العريضة؛ لاقتناعى أنه لا يمكن لمقالةٍ أو حتى لسلسلة مقالات أن تقدم حلولاً جاهزة، لكن لا بأس بالإشارة إلى بعض البدائل التى تستحق تفكيراً ودراسة، وأحدها هو فتح الباب لتمويل مشاريع البنية التحتية بنظام الBOT مع شرط التنمية المستدامة sustainable development التى تضمن المحافظة على أصول الدولة وحقوق شعبها، وربما يكون الاكتتاب الشعبى لمصريى الخارج لضخ سيولة من العملة الأجنبية حلاً آخر.