سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سعد الفرارجى: صندوق النقد طلب رفع الأسعار و«ترشيد» الدعم.. لأن مصر فى «إعصار اقتصادى» يجب أن تخرج منه إذا لم تدرك حكومة قنديل أخطاء الحكومات السابقة.. فلماذا إذن قامت الثورة؟
خمسون عاما من العمل السياسى والدبلوماسى جعلت منه اسما مرموقا فى سماء الدبلوماسية المصرية.. شهد محطات مميزة جعلته من أصحاب الفكر والرأى فى السلك الدبلوماسى المصرى.. كان مندوبا دائما لمصر لدى الأممالمتحدة خلال الفترة 83-1987، ومستشارا لسكرتير عام الأممالمتحدة لنزع السلاح، ومديرا إقليميا لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى للدول العربية، ومساعدا لوزير الخارجية للتعاون الإقليمى، وعضوا فى اللجنة الاقتصادية الوزارية المعنية بالإصلاح الاقتصادى والتفاوض مع صندوق النقد ونادى باريس فى مطلع التسعينات، وأسند إليه وقتها مهمة رئاسة المكتب الاقتصادى برئاسة الجمهورية، إلى أن عمل مندوبا دائما للجامعة العربية فى جنيف لمدة 14 عاما متصلة، انتهت فى مارس الماضى بتكريمه من قبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى أهداه وسام «القدس»، تقديرا لجهده وعطائه الدبلوماسى. إنه السفير سعد الفرارجى، الذى كرمته الخارجية المصرية قبل أيام وأطلقت اسمه على أولى الدفعات الدبلوماسية فى عهد الرئيس محمد مرسى، الذى كشف خلال هذا الحوار -غير المسبوق- عن الكثير من التفاصيل الدقيقة، بحكم خبرته حول مسعى مصر للحصول على قرض من صندق النقد الدولى، والذى تزور بعثته القاهرة الثلاثاء المقبل. * هل كان تكريمك وإطلاق اسمك على دفعة جديدة من الدبلوماسيين مفاجأة بالنسبة لك؟ - حتى أكون صادقا معك كانت مفاجأة لى؛ لأنى بعيد عن أروقة الوزارة منذ سنوات طويلة، ودائما النسيان أقرب إلى الضمير العام من تذكر شخص كان موجودا من فترة وترك مكانه، لكن التكريم أكد لى أن الإنسان إذا بذل مجهودا، قطعا سيذكره الناس له بطريقة أو أخرى وفى يوم من الأيام؛ لذلك كانت مفاجأة خاصة؛ لأنى لست ممن يحوم حول المكان. * ماذا تقصد بأنك لا تحوم حول المكان، لأنها تحمل معانى كثيرة؟ - معناها أننى لم أتردد على مبنى الوزارة إلا مرتين لقضاء أمور إدارية، ولم تأت لى فرصة بأن أعود للوزارة أو أكثف الزيارات والاتصالات؛ فأنا ما زلت فى مرحلة انتقالية تتعلق بالاستقرار والإقامة، وأمور شخصية فى مرحلة الإعداد بعد تلك السنوات التى قضيتها فى جنيف. * دعنا نعُد قليلا لفترة وجودك فى رئاسة الجمهورية، وانضمامك لفريق التفاوض المصرى مع صندوق النقد الدولى ونادى باريس.. ما التفاصيل التى تحملها هذه المرحلة؟ - كنت رئيسا للمكتب الاقتصادى فى رئاسة الجمهورية، وارتباطى بفريق التفاوض جاء من خلال انضمامى للمجموعة الوزارية المعنية ببرنامج الإصلاح الاقتصادى خلال سنة 89 أو 90 تقريبا، وكنت أيضا مستشار رئيس الوزراء قبل ذهابى للمكتب الاقتصادى للرئاسة، وكنت أعمل مديرا لإدارة الشئون الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية، وهذه كانت فرصة دخولى للمجموعة الوزارية للإصلاح الاقتصادى، وعندما ذهبت للرئاسة استمر عملى بها، الفريق كان يجمع رئيس الوزراء ونائبه ومحافظ البنك المركزى وعددا من الوزراء، وكان له اجتماعات مستمرة، يرد إليها ما يتم من مباحثات مع الصندوق، والإعداد لزياراته الدورية، وكنت أحد المشاركين فى هذه المجموعة. * وكيف كنتم تتعاملون مع الشروط التى يطلبها الصندوق، خاصة أننا نواجه موقفا مشابها الآن؟ - بعض المفاهيم تجعلنا نحلل الموقف بيسر أكثر، ما يدور الآن مع الصندوق يسمى ترتيبات المساندة، ولها مراحلها، الدولة تعد برنامجا اقتصاديا، ثم تناقشه مع فريق من خبراء الصندوق، وكل تركيزهم يكون حول: إلى أى مدى تستطيع الدولة تنفيذ البرنامج، وتحقيق النتائج المرجوة منه، والصندوق يحمِّل الدولة نتائج هذا البرنامج؛ لذلك فهذا عكس ما يشاع عن الصندوق، بأنه هو الذى «يعمل ويسوى».. وهذا غير دقيق، فريق الصندوق يأتى ليناقشك فى مشروعك، وهو لديه خبرة مئات الحالات قبل ذلك؛ فالمسألة عبارة عن نقاش فى مشروع تقدمه وفقا لتجربة الصندوق مع دول سابقة، وهذه المرحلة تسمى الشرطية وليس المشروطية.. إن الصندوق يرى هل يحقق البرنامج أهدافه، وهى محاولة لتثبيت أى خلل فى الاقتصاد، والبرنامج يكون محل خلاف -أخذ ورد- مع الصندوق، وبعد أن يتم الاتفاق بينك وبين فريق الصندوق، ترسل لهم خطابا يسمى «خطاب النوايا»، وهذا الخطاب يرفق به برنامجك الإصلاحى ويذهب لمجلس إدارة الصندوق لكى يُقَر، فإذا أُقر صدر قرار من مجلس إدارة الصندوق بالموافقة، وبعد صدور القرار يبدأ التنفيذ، وهو يتطلب مقابلات ومشاورات دورية بين المسئولين عن البرنامج المصرى، وغالبا ما تكون وزارة المالية بالأساس، وخبراء الصندوق. وهى عملية محددة مثل جدول أمامهم يراجعون مع الدولة قيامها بتفيذ العمليات الإصلاحية، وهو نوع من الشراكة لا تنتهى بصدور قرار مجلس مديرى الصندوق. * جرت مناقشات كثيرة فى مصر بعد الإعلان عن توجهنا نحو الحصول على قرض من الصندوق، أغلبها صب فى: هل القرض حلال أم حرام، دون أن نسأل هل هذا القرض لمصلحة الاقتصاد ومصلحة الفقراء، أم سيزيدهم فقرا مع الحديث عن ضرورة رفع الدعم. مررنا بمواقف مشابهة فى أواخر الثمانينات، وبالمناسبة للصندوق، فله أربع اتفاقيات مساندة فى مصر: واحدة فى الثمانينات وثلاث فى التسعينات، وجملة ما أخذته مصر من هذه المساندات لم يتجاوز الخُمس؛ لذلك أقول ضرورة وضوح فكرة المساندة، بمعنى أنه يتاح لك المساندة، وتتوقف عملية السحب منها على ظروفك واحتياجك لها، وهناك دول، ومنها مصر، لا تسحب هذه المساندة المتاحة، لكن ترتيبات المساندة تفيد فى أمور أخرى تتعلق بمصداقيتك، وتفتح أبواب السوق الدولية، وبرنامج الإصلاح الاقتصادى ممتد الجوانب وليس مقصورا على عجز الموازنة أو عجز ميزان المدفوعات، هو بداية لسلسلة من المعاملات الاقتصادية والمالية بين الدولة والمجتمع الدولى، والبداية تكون بالاتفاق والتنفيذ، وعليه تتضح لك صورة التعامل الدولى وأيضا البنك الدولى، الذى أشبهه والصندوق بغرفتين داخل بعضهما، ولكى تصل للبنك لا بد أن تعرض من خلال الصندوق؛ لذلك عضوية البنك تشترط أولا عضوية الصندوق؛ لأن الموافقة لا أريد أن أسميها «شهادة» لكنها تدل للمجتمع الدولى على أن الدولة مهتمة بنفسها وبإعادة التوازن فى الاقتصادات الكلية فيها، وتقدم برنامج إصلاح اقتصادى وطنى. * لم تجب عن سؤالى سعادة السفير.. ماذا عن الفقراء فى هذه العملية؟ - البعض يقول إن الفقير سيزداد فقرا، وأشياء من هذا القبيل، لكن لا بد أن نعلم أنه ما دام هناك عجز كبير فى الموازنة العامة، فليس لك طريقة أخرى سوى إعادة ترشيد هذا الإنفاق، لا أقول ألغى الدعم، لكن ترشيد الدعم، بمعنى إذا كانت فى إدارة الدعم جوانب لا تجعله يصل إلى مستحقيه، فلا بد من إغلاق هذا الباب، وإذا كان فى إدارة الدعم عدم كفاءة يؤدى إلى فساد، فلا بد من إبطاله، وإدارة الدعم هى الأساس. * ماذا كانت مطالب الصندوق فى برامج المساندة الأخرى مع مصر؟ - كانت الظروف مختلفة آنذاك؛ لأن الصندوق نفسه بدأ يحدث له نوع من الرشادة نتيجة الأزمات الاقتصادية التى مرت بها كل من اقتصادات الدول النامية والمتقدمة؛ بحيث إن مدير الصندوق بدأ يتكلم أنه ليس شرطا أبدا أن تطبق النظريات الرأسمالية القديمة، بل لا بد من فهم البعد الاجتماعى لأى برنامج، ومراعاة مستوى الأجور فى برامج التقشف؛ لأن الأجور فى النهاية هى طلب فعال، يعيد للاقتصاد دورته وانتعاشه، والبطالة مرض خطير تجب مراعاته، ولا بد أن يراعى البرنامج تسوية هذه المشاكل. * ماذا كانت طلباتهم من مصر؟ - طلبوا إعادة الأسعار لمستواها التوازنى. * العالمى أم التوازنى؟ - التوازنى هو التوصيف الدقيق؛ لأنه يعنى القيمة الحقيقية للسلعة، والمفروض هنا أن تعمل على وصول الدعم إلى مستحقيه، وتعويض المستحقين بوسائل أخرى مثل صرف كوبونات أو بدل نقدى، لتحقيق ما يسمى «شبكة الأمان الاجتماعى»، القاعدة هى العدالة الاجتماعية؛ لذلك فالصندوق أدرك أن القواعد الجامدة والنماذج التى كانت تطبَّق فى القرن الماضى أصبحت اليوم غير موجودة، بالإضافة لذلك فهم يرون أن الثورات فى العالم العربى لها مفهوم جديد. * هل ترى ضرورة عرض البرنامج المقدم حاليا من مصر للنقاش المجتمعى، وإطلاع الرأى العام أم يظل فى قناة سرية بين الحكومة والصندوق؟ - أرى أن النقاش المجتمعى مطلوب؛ لأن البرنامج لا بد أن يحظى بدعم شعبى؛ لأن الحكومة لن تستطيع تنفيذه بمفردها، وإذا كانت الثورة قد قامت لإعادة الديمقراطية كنظام فجزء من ديمقراطية العلاقات الخارجية توفير قدر من المشاركة المجتمعية، خاصة أن الموضوع يتعلق بحاجات الناس اليومية، لكنى لا أتصور أن تتم مناقشة التفاصيل الدقيقة كالأرقام والمعادلات الرياضية. * ما الشكل الذى تقترحه لمثل هذا النقاش؟ - أن أوضح الآتى: أهداف البرنامج، وما تتطلبه المرحلة الانتقالية للوصول من حالة العجز لحالة تقترب من التوازن، وما هى السياسات وشبكة الأمان الاجتماعى لكى يطمئن المواطن إلى أنه فى نهاية النفق المظلم، وسيعيش غدا حياة أفضل، وأقول للمواطن إن معدل النمو سيصبح بمقدار كذا، والتشغيل والإنفاق على الخدمات العامة ومشاريع التنمية سيصبحان كذا، ولا بد من إدخال المواطن فى تقدير المستقبل، وإذا كان مطلوبا منه تضحيات معينة فأوضح له حدود تلك التضحيات، والا لن يقبل بها. * كيف تضمن الحكومة عدم حدوث خلل فى شبكة الأمان الاجتماعى؟ - لا بد من إدراك حدة المشكلة، وأن الهدف من حلها ليس بالتضييق على المواطن، بل الهدف الخروج بأمان من الإعصار الاقتصادى، وأن البيت يحتاج إلى توازن وأن إنفاقنا أكثر من دخلنا، ومثل أى شخص لا بد أن يحاول المساواة بين الدخل والإنفاق ثم تنمية الدخل، وهذا دور الدولة، والحال الذى نحن فيه لا يمكن استمراره؛ لأن إيرادات الدولة مهما فعلت فيها لن تصل لمستوى تغطية هذا العجز، وبالتالى هذا يحتاج لبعض التضحية ثم نظرة للأجلين المتوسط والطويل، بمعنى أن أمامنا طريقا طويلا ولن ينتهى فى يوم وليلة. - معضلة الدعم موجودة منذ أيام السادات، وكانت العبارة التى كررها كل رئيس هى: «إننا نعمل على وصول الدعم لمستحقيه».. سؤال كل العصور: كيف نوصل الدعم لمستحقيه؟ الدعم يصل لمستحقيه بإجراءات سليمة، ليس بشعارات سياسية؛ لذلك لا بد من توضيح الأمر للشعب، نحن فى حاجة عاجلة لهذا، هناك دعم نقدى، ودعم عينى، عليك أن تبحث أى الوسائل أفضل إليك، الدعم العينى يصل من خلال كوبونات أو ما شابه، وأنا ضد التعجل فى هذا الموضوع؛ لأنك قد تجد صيغة للدعم قد تكون مكلفة إداريا، أو فاسدة. * دعنا ننظر للناحية الأخرى، قلت إن البرنامج يحتاج للموافقة، هل معنى ذلك أن برنامجنا قد لا يحوز الموافقة وقبول الخبراء فى الصندوق؟ - الصندوق يناقشك، وتحتاج لقبول مديرى الصندوق لبرنامجك، والصندوق منظمة دولية وليس بنكا، به 188 دولة، ومجلس إدارة يتكون من 25 مديرا تنفيذيا، بينهم مصرى واحد هو عبدالصبور شعلان، فإذا وافقت الإدارة على مشروعك سوف توافق لك على خطاب النوايا، المرفق به البرنامج، بناء على ذلك تسير العجلة. * ولو رفض الصندوق؟ - لا لا، لن يصل الأمر إلى هذا الحد؛ لأن مصر لن تعد خطاب نوايا وبرنامجا، إلا إذا كان مفهوما سلفا الموافقة عليه؛ لأنه فى أثناء التشاور مع الخبراء تعرف منهم الثوابت وخبرة الدول الأعضاء السابقين التى تعد قاعدة القياس. * هل أنت متفائل بالوضع الاقتصادى فى مصر؟ - مصر ما زالت لديها إمكانات اقتصادية لكى تنهض، لكن لا بد من برنامج واضح والتزام به، وتطبيق سليم أمين. * ماذا تقصد بالتطبيق السليم الأمين؟ - نعود للماضى، وأحدثك عن عدم المساواة، مصر حققت معدل نمو 7% لو كان استمر عدة سنوات، المفروض ألا يظل لديك بطالة إطلاقا ولا عشوائيات، ولكن كان هناك عدم مساواة، وسوء توزيع على المواطنين. * عملت مع الرئيس مبارك فى مؤسسة الرئاسة، هل كان الرئيس مبارك يستمع إلى آراء الخبراء؟ وهل كان يعمل بالنصيحة؟ - لا أريد الحديث فى هذا الموضوع. * بوصفك شاهدا على العصر، هل كانت الإدارة المصرية رشيدة فى اتفاقات المساندة السابقة مع صندوق النقد الدولى؟ - أعتقد أن الإدارة كانت تحاول وقتها أن تتماشى مع الصندوق، مع شىء من إزاحة الجدول الزمنى بمعنى أن المتفق عليه فى 18 شهرا يُنفذ فى 36 شهرا. * أعيد سؤالى مجددا: هل كانت هناك إدارة رشيدة؟ - البرنامج الاقتصادى له شقان: شق التثبيت (الطلب)، وشق النمو والتنمية (العرض)، جانب الطلب هو الشق الخاص بالصندوق، الذى يقول لك «عدل موازينك»، الاقتصاد الكلى لك يتم ضبطه، ويقلل عجز الموازنة، ويقلل النظام الضريبى والجمارك وغيرها.. هذه جوانب الطلب، جانب العرض، أو الشق الثانى من البرنامج، هو الذى يحدث فيه المشكلة؛ لأن الإدارة الوطنية (الحكومة) تُترك فيه لتنمية اقتصادها، مثل مشكلات الخصخصة التى كانت خارج برنامج الصندوق، بمعنى أننا أنهينا عملية التثبيت وبدأنا فى جانب العرض، وهنا تكمن المشكلة. فالحكومة طبقت برامج الخصخصة والتشغيل، ولكن لم توضح كيفية استيعاب العمالة التى تزيد كل سنة نتيجة الخصخصة، والبنية الأساسية من يتولاها: القطاع العام أم الخاص؟ وإلى أى مدى تم إصلاح النظام الضريبى؟ بمعنى أنك لديك بلدٌ الاقتصاد غير الرسمى فيه يمثل نسبة كبيرة، ولا تُفرض عليهم ضرائب، وأيضا فرض ضريبة مرتفعة تساوى بين ذوى الدخول العالية وغير العالية، وهنا لا أريد ظلم الصندوق والبنك الدولى، هذه مشكلة وطنية، والصندوق لن يأخذ بيدك ويمشى بك طوال الوقت، هو «هيطلعك السلمتين الأولانيين ويسيبك بعد كده».. لذلك عندما أتكلم عن تجربة الماضى لا أريد لوم الصندوق والبنك، ألوم التطبيق الوطنى إذا جاز لى استعمال هذا التعبير مجازا. * كيف؟ - لم يكن هناك خطة حقيقية مدققة لاستيعاب العمالة، وعند الوصول لمعدل 7% نموا كان ينبغى الدخول فى مشروعات كثيفة العمالة، ولديك الآن كل سنة 750 ألفا يدخلون سوق العمل، فإذا لم تكن هناك فرص عمل فى الحكومة والقطاع العام، فهل قام المسئولون وقتها باتخاذ التدابير والتفاهمات بما يضمن اضطلاع القطاع الخاص بدوره فى هذا الموضوع؟ هذا لم يحدث. * بتقديرك، هل الحكومة الحالية أدركت ما وقعت فيه الحكومات السابقة من غياب الرؤية الاستراتيجية فى معالجة مثل هذه الأمور؟ - المفروض أن الظروف كلها واضحة، وما تم التقصير فيه فى الماضى، وكيف يمكن التغلب عليه فى المستقبل، «أُمال 25 يناير حصلت ليه؟»، لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد أبدا، فهما وجهان لعملة واحدة، ونرجو استيعاب درس الماضى وعدم تكراره ثانية. * استقر فى أذهان المصريين منذ وقت بناء السد العالى أن تلك المؤسسات مسيسة، هل من الممكن أن تؤثر علاقة مصر بالولاياتالمتحدة شدا أو جذبا على مجريات الأمور؟ - أنا سأقول لك شيئا بسيطا دون أن نتعب أنفسنا: صاحب القرار فى صندوق النقد الدولى هو مجلس الإدارة، والقوة هناك قوة تصويتية، ليس مثل الأممالمتحدة ولا مثل «الفيتو» فى مجلس الأمن، الأصوات موزونة، الولاياتالمتحدة قبل التعديل الأخير كان لها 19% من القوة التصويتية، ومن الصعب مرور قرار دون موافقة الولاياتالمتحدة، وهذا أمر حقيقى، الدول الغربية رغم اقتناعها باتخاذ بعض الإجراءات اليسارية، فإنه ما زال يسير وفقا لفلسفة الصندوق. * الحديث عن أمريكا يقودنا إلى المناظرة الأخيرة بين رومنى وأوباما، وذُكرت فيها مصر 11 مرة فى حديثهما عن السياسة الخارجية.. بخبرتكم الدبلوماسية الطويلة كيف ترى مصر بين رومنى وأوباما؟ - أنا لا أرى فروقا كبيرة، هذه معركة انتخابية، بمعنى معركة أصوات وليس معركة سياسة، وفى النهاية أيا من كان القادم أو الباقى فى البيت الأبيض، مصر ستظل بالنسبة للسياسة الأمريكية والأوروبية والصينية والروسية موضع اهتمام؛ لأن مصر شاء لها القدر أن تلعب دورا فى المجتمع الدولى، ولها تميّز بالنسبة للقوى الإقليمية، حتى ونحن مدينون؛ لأن الدَّين مؤقت، لكن الباقى هو إمكانات وقدرات الدولة الكامنة المستمرة معها طوال الوقت، ومن المناقشة التى دارت بين المرشحين ومن المنهج الذى اتخذه كل منهما، أقول لك: إن مصر ستظل محل اهتمام، ولا بد أن تؤخذ فى الاعتبار عند وضع أى سياسة أمريكية فى العالم كله، وليس فى المنطقة وحدها، لديك قناة السويس وقربك من منابع البترول، والنزاع العربى - الإسرائيلى، لديك وزنك لدى الدول العربية، ووزنك الأفريقى رغم مشكلات حوض النيل، هم لا يتعاملون مع مجرد «كم» إنما «كيف» أيضا، ولا أقول هذا الكلام لأنى مصرى، إنما أقول لك كلاما واقعيا.