الشىء الوحيد الذى لم يكن يعرفه سيدنا أننى أقابل ابنته (أمينة) يومياً بين المغرب والعشاء حينما يكون منشغلاً هو بقصص الأنبياء، بينما أحكى أنا ل(أمينة)عما حدث حينما اكتشفت امرأة العزيز حبها لسيدنا يوسف.. وكانت أمينة تستمع بشغف شديد لأن (أبوها الحاج) لم يحك لها هذه القصة رغم انتهائه من قصص الأنبياء أكثر من ثلاث مرات شرحاً وتفسيراً على أهل بيته.. وكنت شيطاناً حين أحكى لها القصة بأسلوب أبوها نفسه -والذى يعتبرنى أنجب تلاميذه- فأقف دائماً عند «وقالت هيت لك».. قبل أن أقطع القصة فجأة لأسألها عما إذا كانت أحضرت لى طعاماً أم لا؟ تعطينى (أمينة) التفاحة، فأسقطها من يدى عمداً حتى تأتى بها من الأرض فألمح ما لذ وطاب من تفاح آخر سأقطفه يوم أختم القرآن حفظاً وتفسيراً حيث أنوى التقدم لمولانا للزواج منها. أعود دائماً فى آخر الدرس حتى ألحق بنظرة رضا يولينى إياها مولانا حين يلمحنى.. ولكن أمس تغير كل شىء. لم تأت أمينة، ولم أتناول التفاح، ولم أحك عن قصة امرأة العزيز مع يوسف، ولم ينظر لى مولانا نظرة الرضا إياها. هل يكون قد عرف؟ ماذا لو أخبرته عن «هيت لك»؟ أو صارحته بتقبيلى إياها عند شجرة التوت على الترعة القبلية. أدخل الاختبار النهائى خائفاً من شىء ما لا أعرفه. أنا التلميذ الذى فاق أستاذه بشهادة الشيخ نفسه.. وسيذهب بى إلى (الأفندية بتوع مصر) حتى أظهر فى التليفزيون ويكرمنى الرئيس فى ليلة القدر بوصفى الحافظ لكتاب الله بقراءاته السبع، والعالم بكنوز سنة نبيه وقصص الصحابة والتابعين وأنا بعد لم أتعد الخامسة عشرة دون أن أعرف القراءة ولا الكتابة. أقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فلا يرد أعضاء اللجنة بمن فيهم سيدنا. يسألون فأجيب، ويسأل هو فأجيب. ثلاث ساعات كاملة لم يفلح أيهم فى الإيقاع بى. يقترب مولانا منى ويهمس فى أذنى: «بتبوس البت يا ابن الجزمة؟»، فلا أجيب. ينظر لى بخبث وهو يقول بصوتٍ عال: «السؤال الأخير فى قصص الأنبياء.. احكِ لنا عن قصة سيدنا رزق».. أبسمل وأحوقل وأقول: لم نأخذها يا سيدنا.. ما من نبى اسمه سيدنا رزق. يبتسم ساخراً وهو يقول: وما خدتش كمان الآية بتاعة «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا». أصرخ بالتفسير. القرطبى بيقول كذا، وابن كثير بيقول كذا، والرازى بيقول كذا وكذا، ولكنهم لا يسمعون. ينشغلون بخلع جببهم وقفاطينهم، ويلتفون حولى قبل أن يمسك سيدنا بقدمى لهم ويخرج مولانا عصا غليظة ليهبط بها على (بز رجلى)، وهو يقول فى تشفٍّ: «زى ما فيه (هيت لك) فيه (معاذ الله)». أصرخ من الألم ولكنهم يواصلون الضرب، فيقول سيدنا: «عرفت بأه قصة سيدنا رزق». أزعق بأعلى صوتى: عليه السلام.. عليه السلام.ولكنهم أبداً لا يتوقفون. (من مجموعتى القصصية: بجوار رجل أعرفه)