«قوى النواب» تحظر تشغيل العامل بنظام السخرة    الحكومة توافق على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعاً    محافظ الدقهلية يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لمتابعة تطوير مصرف كيتشنر    الإحصاء: 7.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول خلال 7 شهور    كوريا الجنوبية تدعو بريطانيا للعمل بشكل «أوثق» لمعالجة «تحديات أمنية مشتركة»    أوكرانيا تبحث مع الولايات المتحدة ضرب مناطق في العمق الروسي    الخارجية الروسية تحذر من دعم خطة زيلينسكي    مدرب يوفنتوس: لدينا حماس كبير قبل مواجهة شتوتجارت فى دوري أبطال أوروبا    صراع خماسي على رئاسة ألعاب القوى    السلوفيني فينسيتش حكما لمباراة برشلونة وبايرن ميونخ بدوري الأبطال    الأهلي ينعى الكابتن شحتة الإسكندراني لاعب الاتحاد ومنتخب مصر الأسبق    منتخب الشاطئية يصعد إلى نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية    شاهد جميع البطولات المصرية على شبكة واحدة "قنوات أون تايم سبورتس"    مصرع مزارع وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بقنا    محمد القس عن ردود فعل شخصيته بمسلسل برغم القانون.. «النساء نساء»    مسؤولو مهرجان الموسيقى العربية ضيوف معكم منى الشاذلي الأربعاء    طرح الإعلان الرسمي ل«الهوى سلطان» استعدادًا لعرضه بالسينمات| فيديو    فحص 695 مواطنا في قافلة طبية لجامعة الفيوم بقرية البسيونية ضمن مبادرة «بداية»    وزير الصحة يستقبل نظيره التشادي لمناقشة سبل التعاون المشترك    استشارية صحة: النسخة الثانية من مؤتمر للسكان تمثل الإطلاق الحقيقي ل"بداية"    وزير الطاقة الإسرائيلي: اتخذنا القرار بضرب إيران وكل الخيارات مطروحة    فصائل فلسطينية تعلن مقتل محتجزة إسرائيلية في شمال قطاع غزة    جولة مفاجئة لوكيل «التعليم» بالغربية على مدارس كفرالزيات    اليابان والاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز التعاون الأمني وتطورات الأوضاع في أوكرانيا    رئيس الوزراء يُتابع مع رئيس المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة ملفات العمل    الأربعاء .. انطلاق المؤتمر السنوي الثالث في العلوم الإنسانية بجامعة بنها    محاضرة لمحافظ شمال سيناء للمشاركين في برنامج أهل مصر    بالأسماء.. إصابة 7 طالبات في حادث تصادم سيارتين بقنا    منها «قاسم والمكنسة».. أشهر نوات تضرب الإسكندرية فى 2024    تعديلات في قانون التأمين الصحي الشامل لضم المستشفيات النفسية والحميات    غارات إسرائيلية على "دورس" و"طاريا" ومحيط بعلبك في البقاع شرقي لبنان    محمود أبو الدهب: شوبير يستحق المشاركة أساسيًا مع الأهلي    البورصة والدعاية ومكافحة الحرائق.. أنسب 10 مهن ل برج الحمل    محافظ أسيوط يتفقد محطة رفع صرف صحي البنك الدولي بالمعلمين    «النواب» يوافق على إنشاء «المجلس الوطني للتعليم» في مجموعه ويؤجل الموافقة النهائية    غدا.. آخر موعد للتقديم في مسابقة الأزهر السنوية للقرآن الكريم    12 نافلة في اليوم والليلة ترزقك محبة الله .. 4 حان وقتها الآن    بدء محاكمة 5 متهمين في غرق 16 فتاة بمعدية أبو غالب    سيطرة مصرية على المشاركة في تحدي القراءة العربي.. وجوائز العام 11 مليون درهم    تداول 14 ألف طن بضائع بموانئ البحر الأحمر    تفاصيل أول حالة لاستئصال البروستاتا بالتبخير في مستشفيات الدقهلية    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    لجنة الميثاق العربي تناقش تقرير قطر لتعزيز حقوق الإنسان    حدثوا التابلت ضروري.. تنبيه عاجل من المدارس لطلاب 2 ثانوي    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    جولة مفاجئة لرئيس الوزراء ووزير التعليم بمدارس كرداسة بالجيزة    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء عامل حياته شنقا من مسكنه في المنيرة الغربية    كيف أقصر الصلاة عند السفر.. اعرف الضوابط والشروط الشرعية    وزير التعليم العالي يستقبل سفير أذربيجان لبحث آفاق التعاون المُشترك    أهلي جدة في مهمة صعبة أمام الريان بدوري أبطال آسيا    بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية تجارة جامعة جنوب الوادي    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    أهداف المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية.. خبير يوضح    الحوار الوطنى يكشف التأثير الإيجابى للدعم النقدى على القدرة الشرائية للأفراد    المرور تحرر 29 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    محمود كهربا.. موهوب في الملعب وأستاذ "مشاكل وغرامات" (بروفايل)    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب استنزاف «طبعة 2015»
نشر في الوطن يوم 03 - 02 - 2015

كانت الساعة فى حدود الرابعة عصراً بتوقيت أديس أبابا حين خرج الرئيس عبدالفتاح السيسى من إحدى قاعات الاجتماعات بمقر منظمة الاتحاد الأفريقى التقى فيها مع عدد من قادة الدول الأفريقية، وبعض رموز دولية مثل ملك إسبانيا، وقبل أن يتجه إلى المصعد تمهيداً للتحرك نحو مطار أديس أبابا. وقف الرئيس دقائق معدودة أمام الوفد الإعلامى المصرى الذى كان ينتظر بفارغ الصبر أن يستمع إلى تقييمه للحادث الإرهابى الذى وقع مساء الخميس الماضى فى سيناء مستهدفاً منشآت عسكرية ومدنية معاً. كانت الكلمة موجزة مفعمة بالمشاعر الوطنية التى مزجت بين الشعور العميق بالحزن وبين الإصرار على مواصلة المواجهة مع الجماعات الإرهابية وتنظيمهم الأخطر سرية وعنفاً وخسة. وصف الرئيس ما يحدث بأنه كان متوقعاً، وأنه يمثل حرب استنزاف كتلك التى واجهتها مصر فى أعقاب نكسة 1967، داعياً الإعلاميين إلى أن يضعوا فى اعتبارهم رفع الروح المعنوية للشعب، والتحدث بحكمة حول القضايا التى تمس الجيش.
مطالبة الرئيس للإعلاميين بأن يتعاملوا مع القضايا المتعلقة بالأمن القومى بقدر أكبر من الحذر ليست جديدة، ولكنها تكتسب أهمية أكبر فى هذه اللحظة المصيرية التى تمر بها مصر. ففى كل الحروب هناك دور للإعلام يقوم به لتوعية الشعب بطبيعة تلك الحرب والالتفاف حول قيادته، وعدم الوقوع فى براثن الدعاية المضادة التى تستهدف تفكيك الجبهة الداخلية وإضعافها تمهيداً للانقضاض على البؤرة الصلبة التى تقوم بالمواجهة المباشرة، أى الجيش والأجهزة الأمنية المساعدة. وقد شعرت من كلمة الرئيس بأنه يطالب الإعلاميين بأن يدركوا أولاً أن حرب الاستنزاف هذه مليئة بالمفاجآت وبالخسائر، وأن علينا أن نتعامل مع الأحداث الكبرى، كالتى وقعت فى سيناء، بقدر من الذكاء يحول دون أن يحقق العدو أهدافه التى يمكن تلخيصها بألا يشعر أى مصرى بأن البلاد تسير على الطريق الصحيح. وبالتالى فإن الأبعاد النفسية الجماعية للشعب هى عنصر أصيل فى الحرب وبُعد مهم فى المواجهة.
كنت قبل ستة أشهر تقريباً، وتحديداً فى الثانى من يوليو 2014، وفى هذه الصفحة، نشرت مقالاً بعنوان «حرب استنزاف نموذج 2014»، وفى هذا المقال أوردت تعريفاً لحروب الاستنزاف وأنها «تحدث فى وقت اشتعال المعارك الكبرى كما تحدث فى وقت التمهيد لمعركة كبرى، وفى كل الأحوال فمساحة حروب الاستنزاف تشمل الوطن كله، وهى بذلك أكبر بكثير من ساحة المعارك العسكرية التى قد تدور فى جزء من الحدود أو على جزء من الأرض. وبهذا المعنى العام أتصور أننا فى مصر نعيش حرب استنزاف ولكن من نوع جديد، يستهدف أولاً ضرب الاقتصاد وثانياً إثارة مشاعر عدم الرضا، وثالثاً نشر الفوضى، ورابعاً الانقضاض على الوطن بعد تخريبه وتدمير قدراته الذاتية. وأخطر ما فى هذه الحرب أن العدو فيها هو من أبناء الوطن مدعوم من قوى خارجية، وأن الوعى العام بخطورتها هو فى أقل درجاته».
مثل هذا التعريف الذى ما زال صالحاً وأكدته الأحداث الماضية يعنى أن هزيمة العدو فى الداخل وفى الخارج تتطلب خطوات وسياسات أكثر صرامة من تلك التى طُبقت فى الفترة الماضية. ومع الاعتراف بأن هناك نجاحات ملموسة فى مجال مواجهة الجماعة الإرهابية الأم وفروعها أياً كان الاسم والشعار، فإن طبيعة المعركة والتصعيد الإرهابى للإخوان يستدعيان تطبيق استراتيجية من نوع جديد تأخذ فى اعتبارها أن العدو هو من الداخل بالأساس، وأنه منتشر فى مرافق الدولة المختلفة، وأنه يحصل على تمويل سخى من أكثر من طرف، وأن نزعته العدوانية ليس لديها سقف محدد، وأن سلوكه الانتقامى يصل إلى حد تفجير وتخريب كافة المؤسسات وإعادة البلاد إلى القرون الوسطى دون أن يطرف له جفن. ناهيك عن وجود أطراف سياسية لا تعتبر نفسها جزءاً من المواجهة، ولكن مواقفها الحقيقية تصب فى صالح هذا العدو.
وبناء على هذا التداخل الشائك تبدو الحاجة ملحة إلى بناء استراتيجية قوامها السحق الكامل للعدو، ولعل نقطة البداية الأصلح فى الاستراتيجية المطلوبة هى فى عزل أولاً، ثم تفتيت ثانياً، ثم سحل ثالثاً، كل الخلايا الإرهابية، والعزل هنا يُعنى بمحاصرة كل من يدافع عن مطالب العدو أو يشكك فى قدرة مصر وجيشها وشرطتها على تحقيق الانتصار المطلوب، أو يدعو لعمل إرهابى ضد جيش أو شرطة أو مؤسسات أو أفراد عاديين. أما التفتيت فيُعنى بتوجيه ضربات متتالية لكل من يثبت تورطه فى عمل إرهابى أو التحضير له أو المعاونة مالياً أو مادياً على تخريب منشأة مدنية أو عسكرية بأى قدر كان. أما السحل فهو العقاب السريع والناجز الذى يرسل رسائل واضحة ولا لبس فيها بأن مؤسسات الدولة جميعها متضامنة فى مسئولية دحر الإرهاب والحفاظ على الدولة المصرية وحمايتها من السقوط. ولعل سرعة إجراءات التقاضى والفصل الناجز فى القضايا المتعلقة بالتخريب وتورط البعض فى أعمال إرهابية يشكل عنصر ردع معنوى وقانونى لكل من تسول له نفسه ممارسة أى عمل خارج عن القانون يستهدف الدولة أو أى أحد من رموزها.
وحتى تكتمل عناصر النجاح لمثل هذه الاستراتيجية المتعلقة بالحسم فى مواجهة الإرهاب، هناك بعدان رئيسيان، الأول يتعلق بتجفيف التمويل للجماعات الإرهابية، وهى مهمة يتضافر فى إنجازها كل من وزارة العدل والبنك المركزى معاً. والبعد الثانى يتعلق بتحصين المجتمع أو أى من أفراده من الوقوع فى براثن الاحتراب الأهلى تحت ذريعة القصاص من الإرهابيين، وهنا يكون الإعلام بمثابة أداة المواجهة الرئيسية بحيث لا يضفى أى تأييد معنوى أو سياسى على أى طرف كان يريد أن يشيع فكرة الانتقام الأهلى كبديل عن مسئولية الدولة ومؤسساتها الرسمية فى المواجهة وفى الثأر وفى القصاص.
إن طبيعة حروب الاستنزاف واتساع ساحتها لتشمل الوطن كله، وإن فرضت مسئوليات معينة على كل مؤسسة أو قطاع أو فئة من الشعب، يظل أمرها فى النهاية متعلقاً بالدولة والمؤسسات، والخطر الكبير أن يتصور البعض أن تشجيع الانتقام الفردى بعيداً عن القواعد القانونية هو المسار السليم فى المواجهة والطريق الأقصر لاحتواء غضب المصريين. وإن حدث ذلك سنكون أمام أقصر طريق يحقق النصر للعدو. فليحذر الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.