يأمل التونسيون في الإعلان عن حكومة جديدة الأسبوع المقبل تنتظرها البلاد منذ إجراء الانتخابات التشريعية قبل أكثر من ثلاثة أشهر، بعد أن اضطر رئيس الوزراء المكلف الحبيب الصيد إلى تغيير التشكيلة الأولى لحكومته إثر انتقادات أحزاب برلمانية. وكان مقررًا أن يعقد مجلس نواب الشعب (البرلمان) جلسة يوم 27 يناير الحالي للتصويت على منح الثقة للحكومة التي اقترحها لصيد، لكنه أرجأها في آخر لحظة إلى موعد غير محدد، بعدما أعلنت عدة أحزاب رفضها ذلك. وأعلن البرلمان، أمس، أنه سيعقد جلسة عامة في الرابع من فبراير المقبل للتصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة. وكان الرئيس الباجي قائد السبسي، كلف في الخامس من يناير، الصيد (65 عامًا) تشكيل ورئاسة الحكومة الجديدة بعدما رشحه إلى هذه المهام حزب "نداء تونس" باعتباره الفائز في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 26 أكتوبر 2014. وشرع الصيد مباشرة إثر تكليفه، في إجراء مشاورات حول تركيبة حكومته مع الأحزاب البرلمانية التي كانت لها رؤى متضاربة، أحيانًا، حيال التركيبة. وفي وقت دعت "حركة النهضة" الإسلامية التي حلت ثانيًا في الانتخابات التشريعية (69 نائبًا) إلى حكومة "وحدة وطنية" تضم مختلف الأحزاب، أعلنت "الجبهة الشعبية" اليسارية (15 مقعدًا) التي حلت رابعًا، أنها ستكون في المعارضة في حال ضمت الحكومة أسماء من النهضة. من ناحيته، انسحب حزب "آفاق تونس" الليبيرالي (8 مقاعد) من مشاورات تشكيل الحكومة بسبب خلافه مع الصيد حول ذلك. وأعلن نواب عن حزب "نداء تونس" رفضهم ضم الحكومة أسماء من حركة النهضة مؤكدين أن حزبهم الذي أسسه في 2012 قائد السبسي، قدم نفسه منذ تأسيسه، كبديل في الحكم لحركة النهضة التي حكمت تونس من نهاية 2011 حتى مطلع 2014. وفي 23 يناير، أعلن الصيد تشكيلة حكومة "كفاءات وطنية" تضم أسماء مستقلين ومنتمين إلى "نداء تونس" (86 نائبًا في البرلمان) و"الاتحاد الوطني الحر" وهو حزب ليبرالي حل ثالثًا في الانتخابات (16 مقعدًا). وبحسب الدستور الجديد، يتعين على الحكومة التي اقترحها الصيد نيل ثقة "الغالبية المطلقة" من النواب، أي 109 من إجمالي 217 نائبًا. ولا يملك "نداء تونس" والاتحاد الوطني الحر مجتمعيْن الغالبية المطلقة. واحتجت "حركة النهضة" و"الجبهة الشعبية" وآفاق تونس" و"المؤتمر" (4 مقاعد) و"المبادرة" (3 مقاعد) على تركيبة الحكومة التي اقترحها الصيد. وقال حسين الجزيري القيادي في حركة النهضة أن تشكيلة حكومة الصيد ليست نفسها التي تم الحديث بشأنها خلال المشاورات قائلًا "هناك أناس لا نعلم كيف تواجدت (أسماؤهم) في الحكومة". وواجه "الصيد" انتقادات بسبب تكليفه أسماء معينة بعض الحقائب، مثل ماهر بن ضياء وزير الرياضة والشباب من "الاتحاد الوطني الحر" الذي اسسه سليم الرياحي رجل الاعمال الثري ورئيس النادي الافريقي، أحد أعرق أندية كرة القدم في تونس. واعتبر منتقدون أن تعيين وزير من حزب يتولى رئيسه إدارة ناد كرة قدم فيه "تضارب مصالح". بدورها، رفضت "جمعية القضاة التونسيين"، النقابة الرئيسية للقضاة، اسناد حقيبة الداخلية الى القاضي ناجم الغرسلي، وأعلنت في بيان أن الأخير كان من معاوني نظام الرئيس المخلوع بن علي. وأمام الانتقادات وخشية عدم حصول حكومته على ثقة البرلمان، اضطر رئيس الحكومة المكلف إلى القيام بجولة ثانية من المشاورات حول تركيبتها، فيما أوردت وسائل إعلام محلية أنه تراجع عن تعيينات أولية. وعلقت "لوكوتيديان" اليومية الناطقة بالفرنسية على هذا الأمر قائلة "وزراء يتم الإعلان عن تعيينهم اليوم ثم يقع إعفاءهم من مناصبهم صباح اليوم التالي" واصفة الأمر بأنه "مهزلة." وأثار التباطؤ في تشكيل الحكومة سخرية كثيرين قارنوا بين بلادهم واليونان حيث تشكلت الحكومة بعد يومين من الانتخابات التشريعية. ولم يُعرَف بعد ما إذا كان الصيد سيشرّك حركة النهضة في حكومته. وقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تصريح صحفي مؤخرًا "من الواضح أننا نسير نحو حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحدًا". وأثار هذا التصريح مخاوف أنصار "نداء تونس" الذين دعا بعضهم إلى التظاهر الأحد المقبل أمام مقر الحزب في العاصمة تونس لحمله على "الوفاء بتعهداته الانتخابية في عدم التحالف مع حركة النهضة وعدم إقحامها في تشكيلة الحكومة المقبلة".