لم يكن كشف إسرائيل عن أوراق اعتماد سفير مصر الجديد لديها عاطف سالم وما تضمنته من عبارات حميمية موجهة من الرئيس مرسى إلى نظيره الإسرائيلى بيريز بهدف إحراج الرئيس المصرى فحسب.. ولكن للرد على المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع بعد إطلاقه تصريحات نارية تدعو إلى الجهاد من أجل استعادة القدس وأن إسرائيل لا تعرف سوى لغة القوة.. هكذا أراها، وهذا هو تحليلى للموقف.. بعيدا عن الضجيج فى مسألة واقعيا لا تتخطى أصولا بروتوكولية ولكن فعليا تسبب أزمة حادة فى داخل التنظيم الدولى للإخوان وفرعه فى غزة الممثل فى حركة حماس، وإسرائيل تدرك ذلك جيدا. البعد الثانى للمسألة هو اختيار دقيق من جانب إسرائيل للصحيفة التى تم تسريب صورة أوراق اعتماد السفير المصرى -وهذا هو الاسم الدبلوماسى الصحيح، أوراق وليس خطاب- ولماذا جاء النشر عبر «ذى تايم أوف إسرائيل» وليس عبر الصحف والمنابر الإعلامية الإسرائيلية التقليدية؟ فى تقديرى أن تل أبيب تعرف جيدا أن خريطة صحفها وعلاقاتها بأجهزة ودوائر الحكم فى إسرائيل باتت معروفة.. فكان اختيار منبر إعلامى جديد تم إطلاقه فى مطلع العام الحالى كجريدة إلكترونية، ورئيس تحريره، وهو «ديفيد هورفيتز» الذى كان يرأس تحرير صحيفة «جروزاليم بوست»، معروف عنه مسبقا أنه ضد سياسة الاستيطان ويعتبر وسطيا بالنسبة لمعدلات التطرف الإسرائيلى وتمويل مشروعه الإعلامى يأتى من مؤسسة أمريكية.. وهذه المعادلة بهذه التوليفة تجعل لهذا المنبر الوليد مصداقية فى الداخل الإسرائيلى وتم إهداء هذه الخبطة الصحفية له ليصبح ذا مصداقية دولية وإقليمية وأيضا لكى يتم وضعه أيضاً على خريطة المتابعة فى دول الجوار لإسرائيل وفى مقدمتها مصر التى تعيش حالة سياسية متشنجة لا تهدأ، يكفى لأى مادة إعلامية دقيقة وصحيحة وموجهة أن تقلبه كيفما تشاء ووقتما تشاء.. وخاصة أن الإسرائيليين يعرفون عن مصر كثيرا ولا يعرف المصريون عن العدو الإسرائيلى سوى ما تسوقه لهم الدراما. أما الصحفى الذى انفرد بصورة أوراق الاعتماد فيدعى «رافيل أهارون»، وهو المحرر الدبلوماسى للصحيفة ويبدو أنه «نجمها»، حيث تتصدر صورته المادة التعريفية بمحررى «ذى تايم أوف إسرائيل»، ويبدو أنه صحفى مخضرم على الرغم من كونه على مشارف الأربعين كما يبدو من صورته، وهذا أيضاً إشارة إلى أن هذا المنبر ولد ليكون موجها إلى خارج إسرائيل. إذن نحن أمام حالة إعلامية تكتسب مصداقية مهنية وموجهة سياسيا، ولا ينبغى أن تواجه إلا بالأسلوب نفسه وليس عن طريق الاشتباك والعراك السياسى الداخلى.. المواجهة تكون عن طريق الشفافية وحرية تداول المعلومات فى مصر.. لأن واقع الحال أن الإعلام الإسرائيلى بات مصدرا للمعلومات فى قضايا مصرية بسبب عدم إدراك المسئولين فى مصر لطبيعة ودور وأهمية الإعلام.. يحبون الظهور من خلاله ولكن يرتجفون من اطلاعه على حقائق الأمور.. ولا يدركون أن الزمن قد تغير والمعلومة أصبح لها مليون جناح وتأتى عبر مصادر متعددة من جميع أنحاء العالم، وواقعة أوراق الاعتماد خير دليل على ذلك.. ولكن المنطق الحكومى الرتيب مع الإعلام يجعل الماكينة الإعلامية المصرية معطلة على الرغم من قوتها وقدرتها الهائلة على النفاذ والتأثير. درس استخدام إسرائيل للإعلام يجب أن يتم استيعابه من جانب مصر ومن يتولوا مسئولياتها الآن.. وعليهم أن يدركوا قيمة وجود إعلام مصرى قوى.. وكفانا عبثاً.