السلطة الأولى تصادمت مع السلطة الرابعة فى أعرق البرلمانات، مجلس العموم البريطانى، يوم الثلاثاء، باستدعاء لجنة الثقافة والإعلام والرياضة البرلمانية: كولين مايلر رئيس تحرير صحيفة نيوز أوف ذى وورلد (أوسع صحيفة انتشارا فى العالم الناطق بالإنجليزية على الإطلاق)، وسابقه أندرو كولسون (المستشار الصحفى لزعيم حزب المحافظين المعارض حاليا)، ومدير تحريرها ستيوارت كتنر، وجرى استجوابهم كجزء من تحقيق اللجنة فى أخلاقيات الصحافة، والخصوصية، والتشهير العلنى. اُستدعى أيضا محامى الصحيفة؛ فالصحف البريطانية، توظف محاميا، لأن التحقيقات الصحفية تتخذ طابع «السبق الصحفى» EXCLUSIVE، فيصبح الصحفى مخبرا، وجاسوسا، والمحامى يحاول أن يرشّد خطواته فى متاهة قانونية، فالتفتيش فى «صفيحة زبالة» أى شخص جريمة، كالتنصت على مكالماته أو قراءة خطاباته وإيميلاته. أحيانا ينصح المحامى رئيس التحرير بأن نشر تحقيق ما، مجازفة إذا رفع الشخص أو الشركة المذكورة فى التحقيق قضية ستخسرها الصحيفة. وغالبا ما يجازف رئيس التحرير بالنشر وخسارة القضية ودفع مئات الآلاف من الجنيهات تعويضات، لكن النسخ الإضافية المباعة تكون حققت ربحا يفوق أضعاف مبالغ التعويض، كما حدث فى خسارة الإكسبريس قضية رفعها والدا الطفلة مادلين ماكان، التى اختطفت من غرفة نومها فى البرتغال قبل عامين ولم يعثر لها على أثر. وأيضا فى قضية خسرتها «نيوز أوف ذى وورلد» لصالح ماكس موزلى لأنها «انتهكت خصوصيته»، حسب حيثيات الحكم، بنشرها صورا وتفاصيل لياليه الحمراء مع عاريات وبائعات هوى يرتدين زى جنود الحرب العالمية الثانية ويجلدنه بالسياط حتى تصبح مؤخرته كاللحم المسلوق. بهذه السمعة، مثُلت قيادات «نيوز أوف ذى وورلد» أمام لجنة برلمانية لا يخفى معظم أعضائها كراهيتهم لصاحب الصحيفة، إمبراطور الصحافة روبيرت مردوخ. كعب أخيل الصحيفة أمام سهام اللجنة، كشفته صحيفة جارديان (منبر أيديولوجية اليسار الذى يريد محو التقاليد الإمبراطورية والقيم المحافظة من الذاكرة القومية للأمة) هو تجسس محررين من «نيوز أوف ذى وورلد»، بأنفسهم أو عبر مخبرين خصوصيين، أو رجال بوليس مرتشين على مكالمات المشاهير والاستماع لرسائلهم الصوتية، ومنهم الأميران وليم وهارى، ولدا ولى العهد الأمير تشارلز. «جارديان»، خرجت عن تقاليد «الولاء للقبيلة الصحفية» التى يلتزم بها.. فليت ستريت، شارع الصحافة البريطانى تاريخيا، وشهد رئيس تحريرها أمام اللجنة وقدم الأوراق التى تدين الإدارة التحريرية ل «نيوز أوف ذى وورلد»، مثل إيصالات أجور المخبرين والرسائل الإلكترونية. المفارقة أن محررى «جارديان» حصلوا على المعلومات بالتجسس على زملائهم فى صحيفة أخرى وبالطرق نفسها التى تدين اللجنة البرلمانية بها نيوز أوف ذى وورلد. واقعة التجسس على التليفونات لم تكن سبب إلقاء القبض على محرر الشؤون الملكية بالصحيفة كلايف جوودوين (سُجن أربعة أشهر وفُصل من عمله)، لكن كُشفت أثناء مقاضاة لاعب الكرة جوردون تايلور للصحيفة «لانتهاك خصوصيته»، ودفعت الصحيفة تسعة ملايين جنيه تعويضا ل «تايلور» مقابل تنازله عن القضية. استجواب اللجنة أبرز التناقض بين حماية الخصوصة والصالح العام عندما ضرب مايلر مثلا بانتهاك ال»ديلى تلغراف» للخصوصية بالحصول على إيصالات وفواتير نواب البرلمان، فكشفت إهدارهم مبالغ ضخمة كمصاريف إضافية، وهى أكبر فضيحة سياسية فى القرن ال 21 حتى الآن؛ ولذا غلب هدف الصالح العام على حماية الخصوصية. نشر «جارديان» تفاصيل تحرج صحيفة منافسة قد يقبل مهنيا، لكن المحير تقديمها «المادة الخام» للجنة برلمانية قد تصبها قيودا تكبل حرية السلطة الرابعة فى عهد حكومة أنشأت ترسانة غير مسبوقة من قوانين انتهاك الحريات.