«لا نقول وداعًا بل ننتظركم على منصات بي بي سي نيوز عربي، حيث سيبقى صوت بي بي سي»، بهذه الكلمات اختتم الإذاعي القدير محمود المسلمي آخر بث للإذاعة البريطانية الناطقة باللغة العربية، رفقة زميله نور الدين زورقي، فعند الواحدة بتوقيت جرينتش توقف البث بعد 85 عامًا من انطلاقها، ومع إغلاق استوديوهات الإذاعة لميكروفونات الأستوديو، انتهت رحلتها بكل ما تحمله لجمهورها من ذكريات وتغطية لأحداث عالمية على مدى الثماني عقود الماضية. نشرة وداع بي بي سي عربي حملت العديد من المشاهد التي تأثر بها المشاهد والمستمع العربي، بداية من نبرة صوت الإذاعيين القديرين المسلمي وزروقي رفقاء الميكروفون، مرورًا بالكلمات التي لمست قلوب المستمعين في الوطن العربي بأسره، وكأن شريط الذكريات يمر عبر مسامعهم ووصولًا للمشهد الأكثر شجنًا وهو خروجهما من باب الاستوديو الذي اعتادا أن يطلا من خلالها بعبارة «هنا لندن» المصحوبة بدقات ساعة «بيج بن»، في مزيج جمع أصالة اللغة العربية ونغمات التاريخ ومواكبة الحاضر. المسلمي: دعونا نجعلها لحظة احتفاء وتقدير واعتزاز لغة جسد الإعلامي القدير محمود المسلمي أثناء قراءة النشرة الأخيرة ل «بي بي سي عربي» أو كما أطلق عليها المستعمون والمتابعون «نشرة الوداع» والتي كان يخاطب فيها زميله نور الدين زورقي في المقام الأول، لاحظ فيها المتابعون، نظراته وحركة يديه، خاصة عندما استهل النشرة بقوله: «وقبل أن تأتي اللحظة الصعبة، وهي صعبة علينا جميعا، دعونا نجعلها لحظة احتفاء وتقدير واعتزاز، احتفاء بما قدمته إذاعتنا من عطاء وإرث نفحر به جميعًا، وأيضا بمن ساهموا في هذه المسيرة الحافلة الباقية مهما مر الزمن، نتذكر بكل الاعتزاز والتقدير كل من رحلوا عن عالمنا، والصحة والعافية لرفقاء المشوار». ورغم أن «المسلمي» حاول التماسك حتى نهاية النشرة إلا أنه لم يستطع إخفاء تأثره عندما نظر لزورقي وهو يقول: «في السابع والعشرين من شهر يناير كانون الثاني، هنا لندن من القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، وأيضا هنا لندن بي بي سي». نور الدين زورقي الذي كان مستمعًا بكل إنصات لزميله لم يعلق سوى بجملة واحدة لكنها حملت كل معاني الشجن، وهي: «فعلا محمود، هنا لندن لا شك أن هذه الجملة تعني الكثير، لأن زمان كان الناس عندما يتوهون عن الأخبار حتى في أوطانهم كانوا يقولون، ماذا قالت لندن؟ لكن في كل الأحوال هذه نقطة النهاية.. نهاية حقبة وبداية حقبة أخرى». وخرج المسلمي وزورقي سويا، جنبا إلى جنب، أنظارهم شاخصة على الميكروفون حتى أغلقا باب الأستوديو، ليقوما بوضع النقطة الأخيرة في مسيرة استمرت 85 عامًا لنشرة «بي بي سي عربي». عزت إبراهيم: اللقطة العبقرية في مشهد الختام الصورة التي تمثل المشهد الأخير في إغلاق الاستوديو، اخترقت قلوب المستمعين، ولقيت تفاعلًا كبيرًا بين الإعلاميين العرب، فعلى سبيل المثال، علق الكاتب الصحفي الدكتور عزت إبراهيم، رئيس تحرير الأهرام ويكلي، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قائلًا: «اللقطة العبقرية في مشهد الختام.. الأستاذان نورالدين زورقي ومحمود المسلمي ينهيان بث إذاعة بي بي سي العربية ويخرجان يغلقان الباب وراءهما، كبار حتى في مشهد النهاية لبث الإذاعة التي ستتحول كاملة إلأى العالم الرقمي، شكرًا لكل من قدموا شيئًا نافعًا للمستمعين على مدى عقود». فيما علقت الإذاعية المغربية آسية بشارة على مشهد خروج المسلمي وزورقي بتغريدة على تويتر: «لن نسمع هنا لندن بعد الآن». من جهته قال الإذاعي السوري محمود الشيخ على فيسبوك: «لم يعد الأمر مجرد فكرة، بل تخطاها ليصبح واقعا لم أكن لأصدقه حتى رأيت الزميلين الأستاذين نور الدين زورقي ومحمود المسلمي تكاد تخنقهما العبرات وهما يغادران الاستديو 34B ويغلقان الباب خلفهما». وأضاف الشيخ: «سلام لكل عائلتنا في لندن، ولزملائنا في عمّان والقاهرة الذين يقتسمون معنا اليوم جرعات حزننا بينما خبا الصوت على الموجات، وعزاؤنا أن العالم الرقمي سيجمعنا مجددا». فيما قال الإعلامي السوداني محمد شمس الدين: «يا له من وداع يليق بهذا الأثير الوثير لا اسكت الله لكم صوتا، ودمتم جميعا علامة فارقة في حياة كل من بحث يوما عن الرصانة والفخامة والجمال والثقافة والوعي». انتهت رحلة بي بي سي عربي عبر الأثير، فمذياعها تحدث خلاله عدد كبير من المشاهير أم كلثوم، فاتن حمامة، فيروز، نجيب محفوظ، تحية كاريوكا، محمد عبدالوهاب، صباح وغيرهم، بعد 85 عامًا من البث المستمر، لكن صورة المسلمي وزورقي كانت التجسيد الأمثل لعبارة «الزمن يتغير ولكن لا يتوقف».