فى ذات المكان، وتحت عنوان «لا ترهبوا الرئيس»، تناولنا ضرورة الانتهاء فوراً من إصدار قانون الاستثمار الموحد ضمن حزمة تشريعية واجبة الإصدار لما تشكله وتمثله تلك القوانين من عصب البنية التشريعية التى يمكن أن يخلق إصدار البعض منها وتعديل البعض الآخر مناخاً جاذباً للاستثمار، كما طالبنا أيضاً لجنة الإصلاح التشريعى والوزارات المعنية بأن تسارع بإعداد مشروعات القوانين الضرورية اللازمة لخلق ذلك المناخ قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى للدول المانحة والمقرر انعقاده فى مارس المقبل، كما أرجو أيضاً أن يتم الإسراع فى إصداره قبل تشكيل البرلمان المقبل لما أستشعره من أنه لن تتمكن أى من القوى السياسية الموجودة أن تشكل أغلبية داخله، وهو الأمر الذى قد يكون معوقاً لإصدار التشريعات المهمة التى قد يختلف عليها البعض كل حسب أيديولوجيته وتوجهاته السياسية، فكان مطلب الجميع أن ننتهز فرصة وجود رئيس قوى، قادر على اقتحام تلك الفخاخ والألغام ولديه سلطة التشريع وننتهى من تلك الملفات التى ظلت عالقة، وعزف الكثيرون عن الاقتراب منها، مما جعل صورة الاستثمار الأجنبى فى مصر على النحو الذى نعيشه الآن، بأن وصل إلى أدنى درجاته فى العشرين عاماً الأخيرة. وبالفعل فقد انتهت وزارة الاستثمار من إعداد مسودة مشروع قانون الاستثمار الموحد، ومن حسن الطالع أن يكون على رأس تلك الوزارة وزير وصفه الكثيرون بأنه «وزير صنايعى إيده فى الشغلانة»، لأنه وبالفعل فقد تعرف خلال سنوات عمله قبل تولى الوزارة على جميع المعوقات والصعوبات التى تواجه الاستثمار فى مصر، طالعها عن قرب، وتعرف عليها، ولهذا فإننى أعتقد أن وجوده الآن على رأس تلك الوزارة وأثناء إعداد قانونها الموحد يعد أمراً صائباً لتلافى الكثير من عيوب تلك الحزمة التشريعية المرتبطة بالاستثمار ومناخه. إلا أننا وبعد قراءة سريعة لمسودة القانون التى استحدثت نصوصاً جديدة وجيدة فى ذات الوقت العصيب فقد تضمنت المسودة إلزام أجهزة الدولة ومؤسساتها بأن تعلم وتخبر هيئة الاستثمار بما لديها من فرص استثمارية بصفة مستمرة، كما استحدثت إلزام الحكومة بإنشاء مكاتب لها بجميع المحافظات للعمل بنظام الشباك الواحد، وحرمت مصادرة المنشآت والشركات أو تأميمها أو فرض الحراسة عليها أو تجميدها. لكن أهم ما يمكن أن نشير إليه هنا أمران، الأول: ما تضمنه القانون ولأول مرة فى تاريخ هذه الأمة أن تكون هناك جهة واحدة تتولى عرض الأراضى المتاحة للاستثمار من خلال نافذة واحدة لديها تضم ممثلين مفوضين عن الجهات صاحبة الولاية. وهنا نقر بأن مصر هى البلد الوحيد الذى كان يتولى فيه أكثر من عشر جهات مختلفة حق التصرف فى الأراضى، ولكل جهة من هذه الجهات قانون ولائحة داخلية وطريقة تسعير خاصة بها دون غيرها، ولهذا وجدنا العجب فى الآونة الأخيرة نتيجة هذا العبث والتضارب فيما بين الجهات ولوائحها، وعلى سبيل المثال فقد اكتشفنا فى كثير من القضايا المتداولة الآن أن هناك قطع أراض متجاورة ومتشابهة ومتلاصقة تخضع لثلاث جهات مختلفة، الأولى باعت الفدان بسعر مخالف تماماً، والثانية بسعر مغاير، والثالثة بسعر مختلف عن سابقتيها وكل واحدة منها تستند إلى قانونها. وبالتالى فما أثير من فساد فى الفترة السابقة لم يكن فساد أفراد بقدر ما كان فساد قوانين ولوائح متعارضة ومتصادمة، وللأسف تحمل القانون واللائحة وحدهما هذا الجرم!!! وظلت الجهات صاحبة الولاية على تلك الأراضى تتصارع فيما بينها على امتلاك أكبر قدر من المساحات حتى يتسنى لها التصرف فيها دون سواها، لدرجة أننا فى العديد من القضايا المتداولة أمام المحاكم نجد طرفيها جهتين إداريتين تابعتين للدولة، وكل واحدة منهما تنازع الأخرى على قطعة أرض تدعى ملكيتها لها، إلى هذا الحد وصل الأمر؟! وكانت تلك التصرفات الصادرة من تلك الجهات للأفراد سبباً مباشراً فى الزج بالعديد من المسئولين والوزراء ورؤساء الهيئات فى محاكم الجنايات جراء تلك التصرفات، رغم أن كلاً منهم قد التزم بالقانون واللائحة الخاصة به والتابع لها، والمخالف فى ذات الوقت للقانون واللائحة الخاصين بالهيئة الأخرى التى تملك قدراً ملاصقاً للأرض التى تخضع لولايته. ولهذا فقد بُحَّ صوتنا فى المطالبة بتحديد جهة واحدة تتولى هى فقط، وفقاً لقانون واحد ولائحة واحدة، حق التصرف فى الأراضى المُعدة للاستثمار الزراعى أو الصناعى أو الخدمات. وقد جاءت مسودة القانون حاملة بين طياتها هذا الاستحداث الجديد الذى يعطى للهيئة العامة للاستثمار وحدها حق التصرف فى تلك الأراضى لجميع الجهات صاحبة الولاية، وبذلك ينضبط المعيار ويستقيم العوار، لأنه فى هذه الحالة ستكون القواعد المطبقة على الجميع واحدة دون تفرقة بين مستثمر وآخر، وستكون الأسعار محددة سلفاً لكل قطعة وبطريقة تختفى معها الوساطة والمحسوبية لكون الأمر معروضاً على الجميع وفق قواعد عامة مجردة تتيح لكل صاحب حق الوصول إليه. الأمر الثانى وهو استحداث مسودة القانون نصاً ينهى على ظاهرة الأيادى المرتعشة ويحول دون لجوء البعض إلى استخدام الحسبة القضائية لكل من يرغب فى إرهاب المستثمر أو المسئول، فقد لاحظنا سيلاً من القضايا المرفوعة ممن لا صفة ولا مصلحة لهم فى إقامة الدعاوى تنهمر على قاعات المحاكم، مما أدخل فى قلوب المستثمرين الخوف من ضياع استثماراتهم من جراء تلك القضايا، وهو ما حدث بالفعل مع بعض المستثمرين العرب، مما خلَّف مناخاً طارداً للاستثمار من جراء تلك القضايا، لذا فكان من حسن الطالع أن تضمنت مسودة المشروع نصاً يمنع تحريك الدعوى العمومية أو مباشرتها إلا بعد موافقة مجلس إدارة هيئة الاستثمار، أسوة بما هو متبع فى قانون البنوك والبنك المركزى والنقد رقم 88 لسنة 2003 وكذا قانون الرقابة المالية وقانون الجمارك وخلافه. وهذا النص أراد البعض أن يروج له بأنه يحمى الفساد ويمنع محاسبة المسئولين، وهذا باطل، فظاهره الرحمة وباطنه العذاب، لكون هذا النص يحمى المستثمر ومشروعاته وأمواله ولا يجعلها عرضة للنيل منها. ورغم أن ذلك النص الإجرائى الذى يمنع الدلوف إلى الدعوى الجنائية إلا بعد الحصول على موافقة جهة محددة أناط بها القانون سلطة فحص وبحث الوقائع وعما إذا كانت بها شبهة مخالفة جنائية من عدمه قبل أن تباشر الجهات القضائية التحقيق فيها فإذا تبين لتلك الجهات عدم وجود تلك الشبهة تمتنع عن إصدار تلك الموافقة ولكن إذا تبين لها توافر شبهات تحوم حول ذلك التصرف فإنها وبكونها جهة فنية قادرة على الوصول إلى حقيقة التصرف وما يشوبه من عوار من عدمه، فإن الركون إليها أمر محمود وضرورى لخلق مناخ جاذب للاستثمار، مع ضرورة أن يتضمن النص أن تكون تلك الموافقة من مجلس إدارة هيئة الاستثمار وبعد أخذ رأى الجهة صاحبة الولاية كونها الجهة الأصلية القادرة على إعطاء الرأى الفنى فى هذا الأمر. وهنا أود أن أقرر أنه لا يجب إرهاب واضعى تلك المسودة تحت مزاعم بالية الهدف منها إعاقة المستثمر الجاد وإرهاب المسئول الشريف وإشاعة الخوف والرهبة داخله حتى تظل الأيادى مرتعشة ودولاب العمل مرتبكاً. ومن هذه النافذة أتوجه للجنة الإصلاح التشريعى، وأقول: لا تخافوا ولا تنكلوا عن واجبكم، الدولة فى مرحلتها الحالية فى حاجة إلى المسئول القوى القادر على اتخاذ القرار دون رهبة. سيروا على درب السيد الرئيس فقد اقتحم بفروسية ألغام الدعم وأسعار الطاقة ومنظومة أسعار الكهرباء دون خوف أو رهبة، ولأن نيته كانت صادقة ورؤيته كانت صائبة فقد سانده الشعب وصفق لقراراته رغم قسوتها. احذوا حذوه واسلكوا دربه، والتوفيق خليلكم بإذن الله. وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.