يبدو أن السياسة هى السياسة، وأن العمل الحزبى له قواعده وصراعاته التى تفرض نفسها على الجميع بدون استثناء، وأن مسألة أن يكون الحزب ذا مرجعية دينية فهذا لا يحصِّنه من الوقوع فى هذه الصراعات، بل ولا يحصِّن أعضاءه من الوقوع فى الأخطاء السياسة أحياناً، ولعل ما حدث فى حزب النور قريباً هو خير دليل على ما أقول، حيث كان من المفترض وبما أن حزب النور ذو مرجعية إسلامية ألا يدخله مثل هذه المشاكل ولا يتصارع أعضاؤه على النحو الذى لا يتفق مع ما يدعون الناس إليه بصورة أو بأخرى، خاصة أن معظمهم ينتمى إلى التيار السلفى وجماعة الدعوة السلفية وأبناء منهج إسلامى واحد يجمعهم ولا يفرقهم، ولكنها السياسة والكراسى والمناصب والنفس البشرية وغيرها من الأمور التى قد تصرف الإنسان عما كان يدعو إليه الناس، وتدفعه نحو الطريق الذى كان ينهى غيره فى يوم من الأيام من أن يسير فيه. وما أقوله الآن وما رأيناه من حزب النور قد يجعلنا نفهم لماذا كان بعض العلماء ينأى بنفسه عن السياسة، ولماذا كان بعضهم كذلك يحرم العمل فيها ويحرم خلط الدين بالسياسة.. أكيد خوفاً من أن تفرقهم بعد جمع أو أن تحزّبهم بعد وحدة، وأيضا خوفاً من أن تغير مبادئهم وتبعدهم عن صحيح ما يدعون الناس إليه. وأنا فى الحقيقة لم أكُن أتوقع أن يحدث ذلك فى حزب النور، إذ كيف نشاهد هذا الصراع على كرسى رئاسة الحزب من أناس يعلِّمون الناس الإيثار والتضحية وشيوخهم فى المساجد ليلَ نهار يحذرون الناس من الطمع ويعلمونهم حب الإيثار والتخلى عن الدنيا وما فيها من ملذات أو مناصب من أجل مرضاة الله، سبحانه وتعالى، ويقرأون فى صلواتهم «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة»، وكيف ولم نسمع أو نشاهد أن شيوخهم تدخلوا لوأد هذه الفتنة والمصالحة بينهم إلا متأخراً وهم من يعلِّمون الناس أن الصلح خير «إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما»، وكيف نشاهد أموراً وصلت إلى حد أن الصغير لا يضع الكبير فى مكانته والكبير لا يرحم الصغير من قوم مرجعيتهم سلفية ويحفظون عن ظهر قلب قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا»، بل الأدهى والأمرّ أن هؤلاء يتفرقون وينقسمون فى الوقت الذى تتوحد فيه القوى والأحزاب المدنية، وهم من يعرفون أن «يد الله مع الجماعة»، ويعلِّمون الناس قول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، بل ويحذرون غيرهم من الفرقة لأن فيها الفشل «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». إننى حزين كل الحزن أن تحدث هذه الصراعات بين إخوة جمعهم منهج واحد وهدف واحد، حزين أن يدخل حب الدنيا والمناصب فى قلوبهم إلى درجة تدفعهم إلى الفرقة والكراهية وتخوين بعضهم بعضاً، حزين أن تبعدهم السياسة عن بعض ما كانوا يدعون الناس إليه، حزين أن أكتب هذا المقال وقد رأيت وسمعت ما سمعت. إننى أنصحكم نصيحة محب لكم ولكل المسلمين؛ إما أن تمارسوا السياسة بما لا يضر بمنهجكم السلفى وبما لا ينتاقض مع دعوتكم ويخل بمبادئ الإسلام السمحة وبما لا يفرق بينكم كإخوة فى الله أصحاب منهج واحد، وإما أن تتركوا السياسة لأهلها وتتفرغوا أنتم للدعوة إلى الله تعالى وإكمال رسالتكم التى ضحيتم كثيراً من أجلها قبل أن تفقدوا ثقة الناس فيكم وفيما تدعونهم إليه، وخاصة أنكم فى نظر المجتمع ليس حزباً سياسياً فحسب وإنما حزب ذو مرجعية إسلامية (سلفية) ينتظر الناس منكم أن تطبقوا الإسلام تطبيقاً عملياً فى أى موقع تكونون فيه، كما أتمنى على حزب النور أن يحاكى واقعاً سياسياً إسلامياً رشيداً يراه الناس من ظاهره كما يعرفون الإسلام فى جوهره. هدانا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.