واقعة طريفة مخيفة حدثت قبل الثورة، بطلها نائب رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية السابق، 75 سنة. سافر الخفيف إلى فرنسا للمشاركة فى دورة تدريبية، وكان معظم أعضاء مجلس الإدارة فى ذلك الوقت تحت سن ال70، ولا أدرى أى دورة تدريبية يذهب إليها من هو فى سن ال75! معلوم أن الدورات التدريبية للصغار الذين نستهدف تعليمهم وصقلهم بالخبرات والمهارات لينطلقوا فى المستقبل -ربما فى حالة صاحبنا يتدرب على كيفية التعامل مع مقهى المعاشات الذى أتمنى أن يطول عمرى لأجلس عليه مع متعة «العشرة طاولة محبوسة وكركرة الشيشة تفاح» وتدريبات الرحيل من الدنيا الضيقة لرحابة الآخرة- أى تدريبات يتلقاها فى فرنسا ذلك الولد الشقى (الحفريت)، تدريبات التريض والمساج (ودوسى هنا يا بنتى طقطقيلى ضهرى، آه يا مفاصلى يا معميعى يا ركبى)، هكذا تكون الدورات التدريبية التى تأخذ فى اعتبارها تنشيط الدورة الدموية (ما هو كلها دورات). تذكرت واقعة صاحبنا الشقى وأنا أفاضل بين الكتابة عن شخصيات ثلاث: السيدة الفاضلة فايزة أبوالنجا واللواء أحمد جمال الدين، وشاب مكافح مجتهد يُدعى تامر وجيه نجيب -الأخير حاصل على ماجستير فى تخصص بالغ الأهمية، تحسين مقاومة الطماطم لظروف الطقس الحار، ومعلوم أن الطماطم مجنونة بسبب العوامل الجوية التى تؤثر على الإنتاجية ما ينعكس على السعر الجنونى، وما هو أكثر من جنونى تمثل فى تقاضى الشاب الرائع راتباً شهرياً.. ستين جنيهاً بعد خصم التأمينات (والحبشتكنات) والاستقطاعات.. يا رب، من قرر هذا الراتب تستقطع له «لغاليغه ومعاميعه وكل الحاجات الغالية عليه». وأتصور أن الشاب الذى يُحضر للدكتوراه فى الزراعة الحديثة يحتاج لدولة ترعاه وتعينه على البحث والابتكار حتى يستفيد المجتمع من نتاج علمه، وبالفعل استجابت الدولة، وضمن مجموعة من حملة الماجستير قامت الحكومة بتعيينه طبقاً لقرار رئيس الوزراء، وصدر قرار بتعيينه من الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة. تسلم الشاب المجتهد خطاباً موجهاً لمعهد بحوث البساتين والخضر، غير أن وزارة الزراعة تماطل مع الشاب ولا ترغب، حسب مزاج «اللى يستقطع ربنا لغاليغه» أن تنفذ قرار التعيين، مع الوضع فى الاعتبار أن وزير الزراعة قارب على الثمانين. قد يكون المشهد معبراً عن حصار دولة العواجيز للشباب ومنعهم من دخول ساحة العمل الوطنى رغم أن شيوخ اليوم كانوا قيادات شابة بالأمس.. يكفى أن نذكر أن معظمهم كانوا قيادات ثلاثينية العمر فى فترة حكم الزعيم جمال عبدالناصر، وعليهم أن يتركوا مواقعهم طواعية حتى لا تقع ثورة ثالثة تحدث عنها المشير السيسى فى لقاء حضرته ضمن مجموعة من الشخصيات العامة قبل الانتخابات الرئاسية. أتذكر حينما تحدث بصوت حاد وقال للصفوف الثلاثة الأولى، وكان يجلس فيها شيوخ السياسة، قال لهم: كفاية عليكم كده، أين الشباب، علموهم، دربوهم وضعوهم فى مواقع يديرون منها بلدهم وإلا ستقوم ثورة ثالثة يدفع الجميع ثمناً باهظاً لتداعياتها. أقول ذلك وأنا أطالع مقالات وفعاليات على مواقع التواصل الاجتماعى تهاجم تعيين السيدة فايزة أبوالنجا واللواء أحمد جمال الدين ضمن مستشارى رئيس الجمهورية، وكأن كليهما سوف يعمل فى كار المعمار أو أنهما سيلعبان مصارعة حرة أو رفع أثقال. وللحق أقول إنهما عنوان للنبل وطهارة اليد وحب الوطن، وكلاهما متمرس ولديه خبرات تراكمية فى مجال عمله، ومصر تحتاجهما لترميم جدار الأمن القومى الذى يكاد يتداعى جرّاء معركة دولية تمارَس على مصر وشعبها.. مصر تحتاج لجهد وعضلات الشباب وتراكمات خبرة وعقل الشيوخ.