فخرٌ لكل مصرى وعربى أن يُخْتَار فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيساً لمجلس حكماء المسلمين، ولو كانت معايير جائزة نوبل منصفة فى اختيارها، لكان فضيلته أجدر مَنْ ينال جائزة نوبل للسلام، فمواقف الإمام تجاه العديد من القضايا على الصعيدين الداخلى والخارجى، وما تمر به الأمة الإسلامية لا يجهلها إلا جاحد أو حاقد، وهى تنبئ عن عقلٍ راجح، وبصيرة نافذة، وحكمة بالغة، فلا تكاد تقترب من مجلسه إلا وتشعر بحنان الأب وشموخ العلماء الربانيين، وتواضع الأولياء الصادقين، لا يتحدث إلا بعد روية وتدبر، وتسمع حديثه فإذا هو حديث الصدق والحق، مما جعل كافة الأطياف الدينية والفكرية وكذلك الأحزاب السياسية، والمنظمات الشبابية، تفد إلى رحاب الأزهر الشريف، ثقة فى إمامه ورغبة فى سماع آرائه والاستئناس بتوجيهاته. وقد شاءت إرادة الله تعالى أن يحفظ مصر والعالم الإسلامى من الماكرين والحاقدين على أمن البلاد واستقرارها، وأن يحفظ دينه من المتاجرين به، المستغلين له، فبين الحين والآخر يقيض الله من يحفظ للأمة أمر دينها، ويجدد لها عهدها مع ربها، وقد تولَّى فضيلة الإمام الطيب مشيخة الأزهر الشريف فى وقت مرت فيه مصر والعالم العربى بكثير من المتغيرات السياسية بما فيها الثورات العربية، وما صاحبها من موجات الفتن التى كادت تحدق بالأمة، فاستطاع بفضل الله وبشخصيته الهادئة، وحكمته البالغة، أن يجمع الفرقاء بكل أطيافهم الفكرية والدينية والسياسية على كلمة سواء، مستظلين بقبة الأزهر الشريف، مستيقنين بأنه المنارة التى يستضاء بها، والمرجعية فى تحديد علاقة الدولة بالدين، بفكر نَيِّرٍ وسَطِىّ، ينأى عن اليسار وتطرُّفه، ولا يرضى باليمين وغُلُوه، وبعد جلسات ولقاءات عديدة، وقع الجميع على الوثائق الخمس الأزهرية، التى توحد الصفوف وتجمع الشمل، وتنير الطريق، وتحافظ على تلاحم الوطن وسلامة نسيجه من التمزق والانحراف به عن جادة الحق وطريق الصواب، منها: «وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر»، والتى دعا فيها الإمام أبناء الوطن إلى النظر فى التوافق حولها كحلٍّ يخرج به الناس من ضيق الاختلاف وخطره، إلى سعة الآفاق الرحبة والتعاون الجاد، من أجل سعادة البلاد واستقرارها، وتقديراً لدماء شهدائنا، وتضحيات جماهيرنا، وذلك انطلاقاً من دور الأزهر وشعوره بالمسئولية التى تقع على كاهله، ولا يُعَدُّ بهذا خروجاً على مساره ورسالته العلمية والتعليمية، وإنما هو دور قِيَمِيّ تفرضه طبيعة هذه الرسالة، واستطاع بهذا أن يجنب البلاد ثورة عارمة كادت تعصف بالمسار الدستورى للبلاد. وكانت وثيقة الأزهر الشريف لنبذ العنف حين اجتمعت كافة الطوائف والأحزاب وشباب ثورة يناير فى رحاب الأزهر، وحول فضيلة الإمام الأكبر، وتم الاتفاق على المبادئ الوطنية والقيم العليا لثورة يناير التى يحرص عليها المهتمون بالسياسة والشأن الوطنى، وتمثلت هذه الوثيقة فى: حفظ كرامة الإنسان، وصيانة حقوقه، وحرمة دمه والتفرقة بين العمل السياسى الوطنى والعمل التخريبى الإجرامى، ونبذ العنف وإدانة كل صوره وأشكاله أو التحريض عليه، والالتزام بأدب الحوار وأسلوبه الوطنى اللائق. وانطلاقاً من المشاعر الفياضة لفضيلة الإمام الأكبر نحو الوطن، واهتمامه بكل ما فيه الحفاظ على النسيج الوطنى، وتحقيق الأمن والتعايش السلمى بين كافة أبناء الوطن كانت المبادرة الشجاعة من فضيلته بإنشاء بيت العائلة المصرية، الذى يهدف إلى نشر قيم العائلة المصرية بما تحمله هذه القيم من تدين أصيل، ومحبة صادقة، وتسامح عريق، عرف به الشعب المصرى عبر العصور، وكان لبيت العائلة الدور المشكور فى إخماد كثير من نيران الفتن الطائفية، والحث على التآلف بين أفراد المجتمع المصرى كله، تحت لواء المواطنة الجامعة، التى لا تفرق بين أبناء الوطن الواحد، كما عمل على تفعيل دور بيت العائلة ومواجهة التحديات التى تهدد أمن الوطن وسلامته، وتقديم الحلول الناجعة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. كما أن المتتبع للمحاضرات العلمية والكلمات الحكيمة التى يلقيها فضيلته فى المحافل الدولية والوطنية على السواء -وفى الأوقات العصيبة التى مرت بها البلاد- ليقف على ما تحمله هذه الشخصية الإسلامية الوطنية من حرص شديد على مصلحة الأمة، والسعى الجاد للخروج بها من تلك الأزمات المتلاحقة، والتى يأتى فى مقدمتها: أزمة الإرهاب والتطرف الدينى والتكفير، ولقد قال كلمته مراراً ورددها تكراراً بأن «الإسلام هو دين السلام، ورسوله الذى هو رسول الرحمة بريئان من هذه الجرائم وممن يرتكبونها، وتكفير المجتمع والناس أمر مرفوض فى شريعة الإسلام جملة وتفصيلاً وأن هذه الجرائم المنافية للدين والأخلاق والإنسانية أساءت إلى الإسلام كثيراً، وشوهت صورته السمحة النقية، وقدمت لأعداء الإسلام والمسلمين والمتربصين صورة كريهة عن هذا الدين الحنيف دين الرحمة والمحبة والتعارف بين الناس». وفى كلمته إلى العالم فى مونديال البرازيل، أعلن للدنيا بأسرها أن «حضارة الإسلام حضارة تعارف وتواصل، والإسلام أول من سعى إلى العالمية بتنوع ثقافاته وتعددها، وطالب العالم بأسره بأن يجعل من هذا الحدث الرياضى العالمى مناسبة لنشر روح السلام والمساواة بين الناس، وبث مشاعر المحبة والأخوة، والقضاء على نوازع الظلم والشر والتمييز بين البشر». وحين أحس بجنوح بعض السياسات العالمية عن قول الحق، وعدم إعلان الصواب فيما حلَّ بمنطقة الشرق انتقد عجز الأُمَمِ المتحدةِ، والإعلانِ العالمى لحقوقِ الإنسانِ عن تطبيق ما جاء فى المادَّةِ الأولى من ميثاق هذه المؤسَّسة وهو: «حِفظ السَّلامِ والأمنِ الدوليَّينِ ومبدأ المُساواةِ بين الدولِ الأعضاءِ وتحريم استخدامِ القوَّةِ، أو مُجرَّد التهديدِ بها فى العلاقات الدوليَّةِ، والامتناع التامَّ عن التدخُّل فى الشُّئونِ الداخليَّةِ للدولِ» وقال فضيلة الإمام الطيب: «هؤلاء لم يكونوا جادِّين فيما يَقولونَ، وفيما يَضعون من مَواثِيقَ زعَمُوا أنَّها من أجلِ الإنسان ومن أجل الحفاظ على حقوق الدُّولِ، وبحيث لا تتميَّز فيها دولةٌ عن دولةٍ، ولا يتفاضَلُ فيها الإنسان الغربى عن أخيه الشرقى.. ومن ثَمَّ لم يكن غريباً أن نرى منظمة كمنظمة الأُمَمِ المتَّحدة عاجزة عن القيام بأيِّ دورٍ فى رَدْعِ كثيرٍ من السِّياسات الجائرةِ والظالمةِ». هذا بالإضافة إلى موقف الأزهر الشريف بقيادته الحكيمة من القضية الفلسطينية ووقوفه الدائم بجانب الفلسطينيين، سواء بإرسال قوافل الإغاثة، أو بالتحرك لإيقاف العدوان الغاشم من الاحتلال الصهيونى على المسجد الأقصى أو الفلسطينيين فى غزة. إنَّ كل هذه المواقف الصريحة والواضحة لتؤكد لكل ذى بصر وبصيرة أن الأزهر الشريف بقيادته الحكيمة يضطلع بمسئولياته، ويقوم بدوره الداخلى والعالمى فى تصحيح ما اُتهم به الإسلام زوراً وبهتاناً، والسعى نحو نشر قيم الإسلام السمحة، والإصلاح بين الأطراف المتنازعة بحس إيمانى، وعقل واعٍ، ونهج رشيد. وبهذه الحكمة والعقل النَّيِّر استطاع فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب أن يعمل -بإخلاص وفى صمت بل فى هدوء- على استعادة ريادة الأزهر الشريف، وأن يعيد له مكانته ودوره العالمى والتعليمى، مما جعل العالم بأسره ينصت لآرائه ويستمع لقوله، وجعل القيادة السياسية توليه مزيداً من الرعاية والعناية، وتلبى كافة احتياجاته، فحين تقدم فضيلته بمشروع بيت الزكاة المصرى سارعت القيادة السياسية بالموافقة ووضع ما يتطلبه المشروع من تشريعات قانونية إيماناً من القيادة السياسية الحكيمة بدور هذه المؤسسة وتقديراً لحكمة الإمام. وإذا كان هناك من قَصُرَ فهمُه، أو دفعه حقده للحديث عن الأزهر بما لا يليق؛ فإن تاريخ الأزهر المجيد ونِضَالَه الوطنى وحاضره المُشَرِّف أقوى ردٍّ على هؤلاء، وسيبقى الأزهر الشريف إن شاء الله تعالى منارة وهداية للعالم الإسلامى، وغُرَّة ناصعة فى جبين مصرنا الحبيبة. حفظ الله فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وحفظ الله أزهرنا العامر بعلمائه وطلابه، وحفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسوء.