لسنوات طوال، ظل الإعلام المصرى تحت السيطرة والهيمنة الحكومية من خلال ملكية مجلس الشورى لأغلب المؤسسات الصحفية، وامتلاك اتحاد الإذاعة والتليفزيون لحق إشارات البث الأرضى، من جانب وامتلاك شركة نايل سات، وهى شركة حكومية تملك أقماراً لإشارات البث للقنوات الفضائية الخاصة، ولم يتغير الأمر وتركت الحكومة مساحة للقنوات الخاصة إلا بعد أن أدرك نظام ما قبل 25 يناير أن المقبل هو السماوات المفتوحة، وأن القدرة على الهيمنة والسيطرة سوف تتقلص، فبدأت السلطة بخطوات محسوبة تفتح الباب لقنوات فضائية وبرامج توك شو وأيضاً لجرائد مستقلة غير تلك الصادرة عن أحزاب المعارضة. لكن على مستوى تشريعات وقوانين العقوبات ظلت القيود على الصحفى والإعلامى بالتهديد بالعقوبات السالبة للحرية حالة الخروج عن الخط المرسوم. منذ أواسط التسعينات، أطلقت حملات لإسقاط العقوبات السالبة للحرية وقادت نقابة الصحفيين النضال من أجل إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر، لا سيما أن عدداً من الصحفيين حكم عليه بالحبس فى قضايا نشر منهم جمال فهمى، وكيل نقابة الصحفيين، وعدد آخر من الصحفيين والكتاب مما أعطى دفعة للحملة للمطالبة بإلغاء عقوبة الحبس، وحققت الحملة انتصاراً جزئياً، حيث تم تعديل بعض المواد إلا أن التشريعات المصرية احتفظت بالقابلية للحبس والسجن فى قوانين متعددة. حتى بعد ثورة 25 يناير صدرت أحكام بالحبس ضد صحفيين ورؤساء تحرير بسبب نقد شخصيات سياسية كانت محسوبة على الإخوان وقدمت بلاغات ضد إبراهيم عيسى، ومحمود سعد، ومنى الشاذلى وكثير من الصحفيين والإعلاميين الذين خالفوا نهج الإخوان بذات القوانين التى كانت قائمة قبل الثورة. بصدور دستور مصر لعام 2014 تضمن عدداً من المواد التى تعد استجابة لمطالب الصحفيين والإعلاميين فى المواد 69، 70، 71، 72 التى حددت معاير يلتزم بها المشرع، منها حظر حبس الصحفيين فى قضايا النشر باستثناء أثناء حالة الحرب أو السب والتعرض للأعراض، أيضاً أكد الاستقلال والحيادية والنزاهة، وعزز الاستقلال من خلال إنشاء الهيئة العليا للإعلام أو المفوضية، وكذلك هيئة للصحافة المنصوص عليها فى المادتين 211 و212 وهى هيئات مستقلة للإدارة الذاتية للمهنة وتنظيمها والمساهمة فى صياغة التشريعات والقوانين الخاصة بتنظيم المهنة، ومواثيق الشرف المهنى، وكل ما يتعلق بالصحافة والإعلام، وتعزيز حريات الرأى والتعبير، لا سيما أن حرية التعبير تعد حجر الأساس للدولة الديمقراطية الحديثة، وهى التى يقاس عليها مدى تقدم الدول والأمم على طريق الديمقراطية. المهمة العاجلة الآن أمام المجتمع المدنى، ونقابة الصحفيين، والجماعة الإعلامية، هى إدارة نقاش جاد حول التشريعات والقوانين التى يجب أن تصدر لتترجم الدستور المصرى ومواده، فى قوانين لتطوير الإعلام والمهنية وتحقيق المعادلة الصعبة بتعزيز حقوق الإنسان، وحماية الحريات ونقد السلطة مع احترام التجريد والعمومية والخروج من المعارك الشخصية والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو استخدام لغة هابطة، إلى فضاء التنوير وحماية الحرية ومحاربة الفساد وتعزيز قيم الديمقراطية والدفاع عن الدولة المدنية الحديثة، التحديات التى تواجه الإعلام لا تقف فقط عند حدود تغير وتطوير التشريعات والقوانين لكنّ هناك تحدياً مهماً يتعلق بتعزيز معايير المهنية والتدريب والتأهيل للإعلاميين الشباب وإدماج مناهج حقوق الإنسان فى برامج التأهيل جنباً إلى جنب، مع معايير المهنية والالتزام بأخلاقيات المهنة واحترام الخصوصية والحريات الشخصية. مواثيق الشرف أيضاً إحدى أهم الأدوات التى تخلق التزاماً ذاتياً للصحفى والإعلامى وفقاً لمعايير متعارف عليها دولياً، هذه التحديات تعزز عملية التحرير للإعلام من كل القيود التى تكبله وتطلقه للحرية.