أكد اللواء دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن وثائق التحقيقات مع القيادات الإسرائيلية فى أعقاب نصر أكتوبر المجيد هى مذكرات «فاضحة»، موضحاً أن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية هنأت نفسها بالانتصار فى الحرب اعتباراً من الساعة السادسة مساء يوم 6 أكتوبر، لنجاحهم فى تحييد أغلب عناصر الجيش الإسرائيلى عن المعركة، ليصلوا لمواقع القتال يوم 9 أكتوبر، ما مكن من السيطرة على الوضع، والنجاح فى مواجهة العدو محتل سيناء فى هذا التوقيت. وأضاف «الغبارى»، فى حوار خاص ل«الوطن»، أن تقديرات الخبراء السوفيت أكدت أن 60% من الجيش المصرى سيقتل حتى عبور الساتر الترابى فى خط بارليف فقط، ما يعنى أن الحرب انتهت قبل أن تبدأ، لكن «خطة الخداع الاستراتيجى»، أدت لتأخر أغلب القوات الإسرائيلية عن مواقع القتال لمدة 3 أيام كاملة، وكانت مصر قد حققت هدفها من الحرب، بالعبور، والاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من سيناء، لتستكمل باقى جهود استرداد «الأرض»، حتى عادت لنا كاملة. وإلى نص الحوار: اللواء محمد الغبارى: القيادة العسكرية المصرية هنأت نفسها بالنصر مساء 6 أكتوبر لنجاح خطة الخداع فى تحييد أكثرية جيشهم عن القتال كيف رأيت «محضر المشاورات» بين جولدا مائير وقيادات الجيش الإسرائيلى فى أول أيام الحرب؟ - هى وثائق «فاضحة»، وتؤكد أن نجاح مصر فى الانتصار خلال حرب أكتوبر المجيدة كان أساسه نجاح «خطة الخداع الاستراتيجى»، وهو الأمر الذى أقرت به قيادات إسرائيل أمام لجنة «أجرانات» القضائية التى حققت معهم فى أسباب الهزيمة، حتى انتهت إلى عزل رئيس الأركان الإسرائيلى من وظيفته، مع التوصية بعدم جواز شغله مناصب مدنية، وهى أقصى عقوبة توقع على قائد عسكرى فى إسرائيل؛ فكافة التحقيقات مع «مجلس الحرب» الإسرائيلى، أو مجلس الوزراء المصغر، أو مع وزراء الدفاع ورئيس الأركان وعناصر هيئة الأركان كشفت وجود نجاح ساحق لخطة الخداع، وأظهرت كيف وصلت لهم، وكيف نفذت. الخبراء السوفيت قالوا إننا سنخسر 60% من قواتنا قبل عبور «خط بارليف» وكيف نجحت «خطة الخداع» فى رأيك؟ - مصر بَنَت خطة الخداع الاستراتيجى على عدم اتخاذ الجيش الإسرائيلى لقرار التعبئة العامة ووصول قواته إلا بعد بدء الحرب بيوم كامل، لأن 75% من القوات الإسرائيلية هى «قوات احتياط»، و25% منها هى قوات عاملة تقوم على التأمين فقط، وكانت خطة إسرائيل تقوم على أن المخابرات ستبلغها بموعد الحرب قبل حدوثها لتدفع الاحتياطى وهو ما لم يحدث، ولو تم؛ فكان «خط بارليف» سيكون مانعاً قد يستحيل اقتحامه بما لدينا من إمكانيات فى هذا التوقيت، مثلما كانت تقول القيادات الإسرائيلية. لماذا؟ - تقديرات الخبراء السوفيت الذين كانوا موجودين فى مصر قبل الحرب، كانت تقول إن جيشنا سيخسر 30% من قواته فى عملية العبور من قناة السويس، وسنخسر 30% من قواتنا فى عبور «الساتر الترابى»، وفى العلوم العسكرية معنى أن تخسر 60% من قواتك، أنك تخرج من الحرب تماماً، ولو خسرت 40% من القوات تخرج بشكل مؤقت لاستكمالها ثم العودة للقتال، لكننا عبرنا بأقل خسائر ممكنة، بفضل «الخداع الاستراتيجى». ماذا يقصد ب«سلاح هجومى»؟ - هو السلاح الذى يجعل توازن القوة لصالحك لتتفوق على العدو، وكنا محرومين من ذلك؛ فتخيل أن طائراتنا كان يمكنها طيران 20 دقيقة وطائراتهم ساعة وربع؛ فكنت تحتاج 5 طائرات لمواجهة طائرة واحدة، وكان مدى الدبابات لديهم مثلاً 2800 متر، ولدينا 1800، وهكذا فى تخصصات عدة، لكننا انتصرنا فى المعركة. موشيه ديان استقل طائرة ليذهب إلى الجبهة الشرقية ويتفقدها فرأى الجنود تلعب الكرة وتمص القصب وتستحم بالبحيرات فقال: «مستحيل ده يكون جيش هيحارب» لكن هناك مصدراً قال للإسرائيليين إن الحرب يوم «6 أكتوبر» صبيحة هذا اليوم؟ - هنا نذكر خطة الخداع الاستراتيجى مرة أخرى؛ فحينما استقل موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، طائرة ليذهب إلى الجبهة ويتفقدها، رأى الجنود تلعب الكرة وتمص القصب وتستحم بالبحيرات؛ فقال: «مستحيل ده يكون جيش هيحارب»، لأن أى دولة تستعد للحرب تعمل على رفع درجة الاستعداد، والفتح الاستراتيجى للقوات لتذهب لمكان الحرب، ونحن قمنا بذلك مرتين كل عام، ليستدعى الإسرائيليون الاحتياطى لديهم، وتشل الحياة لديهم ويخسروا اقتصادياً بشكل كبير، ليقولوا: «السادات بيلهى شعبه وجيشه». وهل كان لخطة الخداع دور فى تأخر وصول قوات الاحتياط الإسرائيلية؟ - نعم؛ فقوات الاحتياط تأخرت لأول مرة فى التعبئة العامة، وأوتوبيسات نقلهم كانت تتأخر بالساعات، واستغرقوا وقتاً حتى الذهاب ل«مخزن الطوارئ» فى جبل المغارة، ثم التوجه لمواقع القتال، حتى ذهبوا لها عقب بدء الحرب بيومين، وتحديداً مساء يوم 8 أكتوبر، ليصبحوا جاهزين للقتال يوم 9 أكتوبر، أى بعد الحرب ب3 أيام. وفى اعتقادى أن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية هنأت نفسها بالنجاح والنصر فى الحرب فى الساعة السادسة من مساء يوم 6 أكتوبر، لأن إسرائيل تأخرت كثيراً فى إعلان «التعبئة العامة». شواهد لم تكن موجودة رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية قال أمام اللجنة الإسرائيلية إن شواهد الحرب لم تكن موجودة؛ فمثلاً قوارب العبور لم تأت حتى قناة السويس، ولم يتم إخلاء المستشفيات فى ظل انتشار تلوث بها، ولا توجد دولة تحارب دون أماكن شاغرة فى مستشفياتها لعلاج الجرحى، فضلاً عن عدم وجود «سلاح هجومى» ليدخلوا حرباً معنا.