من منا لم يمر بلحظة وكأنه عاش هذه اللحظة من قبل؟؟ ومن منا جلس فى مكان وشعر أنه زار هذا المكان من قبل؟؟ ومن منا اشتم رائحة.. ربما لم يشتمها من قبل، ولكنها أصابته بحالة من الانزعاج يظلها الخوف!! مع كل هذه الأمثلة السابقة كانت لى تجربة.. كانت لكم أيضاً كنا لا نجد لها تفسيراً علمياً حتى أطلق العلماء عليها اسم Deja-vu «ديجافيو»، وفسّرها بأنها لعبة من ألعاب الذاكرة بمعنى أن العين اليمنى أو اليسرى تقوم بتوصيل المعلومة إلى المخ متأخرة عن العين الأخرى، بفارق أجزاء من الثانية، فبالتالى يخيل إلينا أننا عشنا هذه اللحظة من قبل. والآن يفاجئنا العلم مرة أخرى، وهو يفتح «باب من الذكريات» ليست ذكرياتنا، بل ذكريات من أحداث وتجارب عاشها أجدادنا.. تأثروا بها.. ربما تألموا.. فانتقلت منهم وإلينا عبر جهازنا العصبى واستقرت به حاملة لهذه الذكريات التى لم نعشها!!! بل التى ورثناها عنهم وتخللت فى جيناتنا. الموضوع يتلخص فى هذه الدراسة والتجربة العلمية التى قام بها فريق من العلماء بجامعة آيمورى الأمريكية على مجموعة من إناث الفئران التى تعرضت لرائحة زهرة الكرز المصاحبة فى الوقت نفسه لمؤثرات محفّزة للقلق والخوف.. الأمر الذى سبّب لهذه الفئران الشعور بالذعر كلما تعرّضوا لشم هذه الرائحة مرة أخرى!!! أما المدهش فى ذلك فهو أن هذه المشاعر المغلّفة بالذعر والخوف انتقلت إلى سابع جيل من سلالة الفئران التى تعرضت فى بادئ الأمر للتجربة. وهذا يعنى -كما يحاول- أن يثبته العلماء أن «الخوف» هو شعور مؤلم يمكن أن يورث!!! حتى لسابع جيل!! الأمر قد يبدو للبعض مضحكاً أو حاملاً للشك يجوز ولكنه مع ذلك أصابنى بالقلق.. استحوذ على مساحة من عقلى، ليس لأننى اشتممت رائحة زهرة الكرز!!! عفواً، ولكن لأننى استرجعت مشاعر الخوف التى تنتابنى، تنتاب الكثير منا الآن، ولوهلة فزعت من حجمها الذى سينتقل منى وربما منكم إلى سلالتنا كما يؤكد العلماء.. ضحكت.. أو قل ابتسمت ابتسامة تحمل الكثير من المرارة.. فالمسألة ليست بهذه البساطة.. ولا هى كرز ومؤثرات ستجعلنى «أفط» و«أنط» ذعراً من أريكة إلى أخرى؟؟ إنما هى تتابعات مفزعة مرت أمامى كشريط سينمائى أشاهده وأسترجع من خلاله مشاهد أصبحت شبه روتينية تمر كل يوم بحياتى، جعلتنى أعيش فى قلب «معركة الخوف»!!! فهذا حالى الآن.. أرتعش من «داعش»، وهى تمسك السكين وتنحر إنساناً مثلى.. أخاف ويختبئ قلمى أحياناً خوفاً من ملاحقتها لربما يكون أنصارها فى انتظار اصطيادى.. وأرتقب كل يوم وأنا أرى أطفالاً مشرّدين فى الخيام.. لا مأوى.. لا طعام.. لا مستقبل.. والخوف يدق بابى كل يوم عند سماع انفجار يدوى أو صراخ يعلو من ألم الفراق.. أخاف عندما أجهل الحقيقة.. وأخاف عندما أتخبّط فى الكشف عن مصداقيتها وأسقط فى مستنقع نظرية المؤامرة!!! لا أتساءل ولا أتأمل لأنى أخاف من يكفرنى، ولم أعد أقوى على التمييز بين المُندس الخائن والصديق!! ■ أخاف لأننا لا نعرف أدب الاختلاف. ■ وأخاف من انتهاك الآخرين لخصوصيتى. ■ وأخاف من أوساط فقدت شرف الكلمة والقلم.. فأخاف أسقط فى براثن عناكيب الابتزاز!!! ■ أين من يحمينى؟؟ وأين من يأتى بحقى؟؟ فأسير خائفة بجانب «الحيط»!! ■ هنا ألتف وأتوجس حذراً، وأنا أسير، وهناك أستنشق نسيم الحريات.. فأخاف على صلابة الانتماء من أجيال فقدت الثقة وعاشت فى ظلمات الأوهام!! هذه كانت مقتطفات من معركتى مع الخوف.. أخشى أن تنتقل إلى سلالتى!!! فماذا أفعل؟؟ ماذا نفعل؟؟؟ أم ننتظر أو نحلم ونقول «الخوف ما هو إلا مشاعر تسأل عن أحضان تخفف من آلامها».. أخاف!!!