كم من المرات تعتقد -عزيزى القارئ- قد وقعت تفاحات فوق رؤوس الجالسين أو المارين تحت شجر التفاح، ولم يحدث شىء سوى تحسُس الشخص المار تحتها لرأسه، وربما لعنه لشجرة التفاح، ثم مواصلته لطريقه؟ ما الذى جعل نيوتن بالذات يهتدى إلى أحد أهم قوانين الفيزياء جراء سقوط التفاحة على رأسه (قانون الجاذبية الأرضية)؟ لماذا لم يهتد إلى هذا القانون أى من علماء الطبيعة الذين شاهدوا آلاف الأشياء تسقط أمامهم، أو على أرجلهم، بل وفوق رؤوسهم؟ إنها القدرة الفريدة على إيجاد المدهش داخل ما هو مألوف، التى بدورها تستنفر القدرة على التفكير خارج الصندوق، ثم إيجاد الإجابات والتفسيرات غير التقليدية لمشكلات عجز التفكير التقليدى عن حلها.. كل هذا عزيزى القارئ هو ما اصطلح على تسميته «الإبداع»، وبالرغم من ارتباط كلمة «إبداع» بالفنون والآداب، فإن الإبداع لا يقتصر عليهما فحسب، وإنما هو موجود فى كل مناحى الحياة. والإبداع هو شرط التميز والنجاح فى الحياة، ولهذا، يتمنى الناس كافة أن يكونوا من المبدعين، ولكن هل يمكن تعلم الإبداع وتعليمه؟ اهتمت الدول المتقدمة كافة بتعليم أبنائها أساليب التفكير الإبداعى، عن طريق الوسيلة الوحيدة المعروفة ألا وهى تعليم الفنون عامة والموسيقى بصفة خاصة، فتعميم تدريس الموسيقى فى كل مدارس البلاد المتقدمة هو وسيلتهم فى تشجيع وتنمية ملكات أبنائهم الإبداعية، وعلى الرغم من أنهم بالطبع لا يتوقعون «بل ولا يتمنون» أن يحترف الشعب بأكمله الفن الموسيقى، فإنهم يدركون تماماً أهمية تعلم الموسيقى فى تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال، بل إن الدراسات الحديثة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك صلة وثيقة بين الموسيقى والرياضيات، حيث أثبتت تلك الدراسات أن الاستماع للموسيقى الكلاسيكية «خاصة موسيقى موتسارت» بصفة مستمرة ترفع درجات الطلبة بنسبة تصل إلى 40٪! واصطلح العلماء على تسمية هذه الظاهرة ب«تأثير موتسارت» أو «Mozart effect» التى تقر بأن استماع الأطفال للموسيقى الكلاسيكية بانتظام فى سن مبكرة يجعل معدلات ذكائهم أعلى، ويحسن إدراكهم «الزمكانى» (وهو الإدراك الرابط بين الزمان والمكان). إن إعادة حصص الموسيقى للمدارس فى بلادنا أصبحت ضرورة حتمية وليست ضرباً من ضروب الرفاهية بأى حال من الأحوال، ففى زمن تستعصى فيه مشاكلنا على الحلول التقليدية، نحن فى حاجة ماسة إلى تربية جيل جديد مبدع ومبتكر، يفكر خارج الصندوق، ويضع حلولاً غير اعتيادية ومدهشة، لينجح هو فيما فشل فيه جيلنا الذى تربى على الحفظ وال«صَمّ» وال«دَحّ» طوال السنة، ليلقى بما حفظه على ورقة الإجابة آخر العام دون أى اجتهاد من قبله، ثم ينسى على الفور كل ما تعلمه، ربما ليفسح فى ذاكرته مساحة لما سوف «يصُمّه» العام المقبل من دروس. دعونا نؤمن لأولادنا أهم سلاح يحمى مستقبلهم ويضيئه أمامهم.. دعونا نعلمهم الموسيقى.