عابراً مر على الناس وجه المذيع الذى أجرى حواراً على التليفزيون المصرى مع الرئيس محمد مرسى، فأداؤه لا يترك علامة فى رأس أحد، ولا يدع فى النفس سوى حسرات على ما آل إليه حال الإعلام، ويعيد إلى أذهاننا صورة قديمة لا تكف عن التكرار حول مهانة المهنة ورذيلة التزلف إلى الحاكم؛ لكن الواقعة تلك لم تمر سريعاً على كثير من المذيعين والمذيعات، فقام أحدهم وهو الأستاذ عبدالهادى حربية بإرسال هذه الرسالة لى، وأنشرها هنا كاملة، دون تدخل: «الدكتور الفاضل/ عمار على حسن.. تحية ود وتقدير واحترام واسع لك ولقلمك النبيل؛ لعلك قرأت أو سمعت ما دار من نقاشات بشأن الحوار الذى أجراه مراسل «النيل للأخبار» محمد سليمان مع رئيس الجمهورية، وكان أول حوار للرئيس منذ توليه مهام منصبه، كما أنه أول حوار لهذا الزميل أيضا لحسن أو لسوء الحظ لا أعرف بدقة.. ولعلك اطلعت على الانتقادات التى وجهها زملاء لنا فى «النيل للأخبار» لاختيار الزميل لإجراء الحوار، وتبادل الاتهامات بينهما على صفحات الجرائد، ولأننى معنى بالأمر، كونى أحد أبناء هذه القناة أولاً، ومنتمياً للجماعة الإعلامية ثانياً، أردت أن أرسل لك رسالة علها تنير الطريق فى هذا الأمر، ولعلك تساعدنا بقلمك النبيل، فى الكشف عن مواطن الفساد الذى نخر وينخر ولا يزال وللأسف الشديد يكبر الآن بقوة فى عهد ما بعد الثورة.. الزميل، محمد سليمان، على المستوى الشخصى زميل فاضل ويتمتع بأخلاق حسنة، والتحق بنا فى قسم المراسلين عام 2010، وأرفض الخوض فى أى شىء يتعلق بكونه منتمياً فكرياً للنظام الذى قامت ضده الثورة، فمن حق كل أحد أن يفكر كما يشاء ويختار ما يريد، شريطة ألا ينعكس ذلك على أدائه أو يخل بأمانته فى نقل الأحداث. فقط أوضح أنه أجريت اختبارات لاختيار مذيعين من بين المراسلين فى القناة تقريباً فى شهر أبريل من العام الماضى، حضرت وغيرى هذه الاختبارات، وتفاجأنا أنها انتهت باختيار (4) فقط منهم الزميل محمد سليمان وهو ما شكل صدمة لعدد كبير منا، ذهبنا إلى لجنة الاختبار وقد كانت مكونة من (الأساتذة محمود سلطان، وعبدالوهاب قتاية، والسيد الغضبان)، اتصلنا بالأستاذ محمود سلطان وأردنا أن نتحقق منه من خبر النتيجة، لنعرف مواطن الخلل التى جعلتنا غير موفقين فى هذا الاختبار، حتى نتداركها فيما هو قادم، فقال لا أذكر من اجتاز الاختبار ومن لم يجتز، عليكم بالعودة إلى الأوراق الخاصة بهذه المسابقة. رفض مدير القناة رفضاً تاماً أن نطلع على أوراق المسابقة، لكننا صممنا واصطحبنا الأستاذ محمود سلطان، فقال له من حقهم الاطلاع على الأوراق، بالفعل ذهبنا إلى الأستاذ أحمد الضو، مدير إدارة الشئون المالية والإدارية، واطلعنا على الأوراق وتبين التزوير الفاضح الذى وقع فيها لصالح ثلاثة من الفائزين، فكلهم حاصلون على درجات أقل من زملاء آخرين أنا واحد منهم، وعدلت نتائجهم النهائية بالكشط واللعب بالقلم الأزرق، وهذا الدليل ماثل وواضح، وإن كانوا يكذّبون ما نقول فليخرجوا لنا هذه الأوراق، وأبلغنا رئيس القناة بما وجدنا فلم يعرنا اهتماماً، سكت وكفّ على الخبر ماجوراً وماجورين، وأدرك صعوبة أن يخرج هؤلاء الفائزون بالتزوير على الشاشة فى هذه الأثناء، بينما الأجواء محتقنة على هذا النحو، مرت الأيام، واختير اثنان من الفائزين ليكونا مراسلى النيل للأخبار فى رئاسة الجمهورية، ثم جاء هذا الحوار الذى أجراه الزميل مع رئيس الجمهورية، وهو ما فتح الحديث وجدد الكلام عن معايير وأسس اختيار المذيعين فى التليفزيون المصرى وكواليس الفساد الدائر فى هذا الجزئية بالمبنى العتيق ماسبيرو. والعجيب أن الرئيس راح يقول فى حواره للتليفزيون المصرى، سأحارب الفساد بكل قوة. ساعتها كدت أبكى حزناً على أنه لم يدر أن أمام عينيه نموذجاً صارخاً فاحشاً متمدداً مستريحاً متكئاً على هذا الفساد المراد الحرب عليه، ثم إنه ليس من الحكمة ولا الذكاء ولا المهنية أن يكون أول حوار يجريه مذيع يكون ضيفه رئيس الجمهورية، لا سيما أنه أول حوار كذلك للرئيس منذ توليه مهام منصبه.. .. .. أى عبث هذا؟!!! هذه القصة ليست سوى واحدة من قصص الفساد الذى يتلون ويتشكل وما زال قادراً فاجراً فى حياتنا حتى فى مصر الثورة».